للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِنَ الْإيمَانِ كَرَاهِيَةُ الْكُفْرِ والْعَوْدَةِ إلَيْه

(خ م س) , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ (١) وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ (٢) وَطَعْمَهُ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا (٣)) (٤) (وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ , لَا يُحِبُّهُ إِلَّا للهِ (٥)) (٦) وفي رواية: (وَأَنْ يُحِبَّ فِي اللهِ , وَأَنْ يُبْغِضَ فِي اللهِ) (٧) (وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ , كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) (٨)

وفي رواية: (وَأَنْ تُوقَدَ نَارٌ عَظِيمَةٌ فَيَقَعُ فِيهَا , أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئًا ") (٩)


(١) أَيْ: حَصَلْنَ، فَهِيَ تَامَّة. (فتح - ح١٦)
(٢) (حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ) اسْتِعَارَةٌ تَخْيِيلِيَّةٌ , شَبَّهَ رَغْبَةَ الْمُؤْمِنَ فِي الْإِيمَانِ بِشَيْءٍ حُلْوٍ , وَفِيهِ تَلْمِيحٌ إِلَى قِصَّةِ الْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ , لِأَنَّ الْمَرِيضَ الصَّفْرَاوِيَّ يَجِدُ طَعْمَ الْعَسَلِ مُرًّا , وَالصَّحِيحُ يَذُوقُ حَلَاوَتَهُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ , وَكُلَّمَا نَقَصَتِ الصِّحَّةُ شَيْئًا مَا , نَقَصَ ذَوْقُهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ , فَكَانَتْ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةُ مِنْ أَوْضَحِ مَا يُقَوِّي اسْتِدْلَالَ الْمُصَنِّفِ عَلَى الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: إِنَّمَا عَبَّرَ بِالْحَلَاوَةِ لِأَنَّ اللهَ شَبَّهَ الْإِيمَانَ بِالشَّجَرَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَثَلًا {كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} فَالْكَلِمَةُ هِيَ كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ وَالشَّجَرَةُ أَصْلُ الْإِيمَانِ , وَأَغْصَانُهَا: اتِّبَاعُ الْأَمْرِ , وَاجْتِنَابُ النَّهْيِ , وَوَرَقُهَا: مَا يَهْتَمُّ بِهِ الْمُؤْمِنُ مِنَ الْخَيْرِ , وَثَمَرُهَا: عَمَلُ الطَّاعَاتِ , وَحَلَاوَةُ الثَّمَرِ: جَنْيُ الثَّمَرَةِ , وَغَايَةُ كَمَالِهِ: تَنَاهِي نُضْجِ الثَّمَرَةِ, وَبِهِ تَظْهَرُ حَلَاوَتُهَا.
وَقَالَ الشَّيْخ مُحْيِي الدِّين: مَعْنَى حَلَاوَة الْإِيمَان: اِسْتِلْذَاذُ الطَّاعَات، وَتَحَمُّلُ الْمَشَاقِّ فِي الدِّين، وَإِيثَارُ ذَلِكَ عَلَى أَعْرَاضِ الدُّنْيَا. فتح- ح١٦
(٣) الْمُرَاد بِالْحُبِّ هُنَا: الْحُبّ الْعَقْلِيّ , الَّذِي هُوَ إِيثَار مَا يَقْتَضِي الْعَقْلُ السَّلِيمُ رُجْحَانَه , وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ هَوَى النَّفْس، كَالْمَرِيضِ يَعَافُ الدَّوَاءَ بِطَبْعِهِ , فَيَنْفِر عَنْهُ، وَيَمِيل إِلَيْهِ بِمُقْتَضَى عَقْلِه , فَيَهْوَى تَنَاوُله، فَإِذَا تَأَمَّلَ الْمَرْءُ أَنَّ الشَّارِعَ لَا يَأمُر وَلَا يَنْهَى إِلَّا بِمَا فِيهِ صَلَاحٌ عَاجِل , أَوْ خَلَاصٌ آجِل، وَالْعَقْلُ يَقْتَضِي رُجْحَانَ جَانِبِ ذَلِكَ، تَمَرَّنَ عَلَى الِائْتِمَارِ بِأَمْرِهِ , بِحَيْثُ يَصِيرُ هَوَاهُ تَبَعًا لَهُ، وَيَلْتَذُّ بِذَلِكَ الْتِذَاذًا عَقْلِيًّا، إِذْ الِالْتِذَاذُ الْعَقْلِيّ إِدْرَاكُ مَا هُوَ كَمَالٌ وَخَيْرٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ, وَعَبَّرَ الشَّارِعُ عَنْ هَذِهِ الْحَالَةِ بِالْحَلَاوَةِ, لِأَنَّهَا أَظْهَرُ اللَّذَائِذ الْمَحْسُوسَة قَالَ: وَإِنَّمَا جَعَلَ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَة عُنْوَانًا لِكَمَالِ الْإِيمَانِ , لِأَنَّ الْمَرْء إِذَا تَأَمَّلَ أَنَّ الْمُنْعِم بِالذَّاتِ هُوَ الله تَعَالَى، وَأَنْ لَا مَانِحَ وَلَا مَانِعَ فِي الْحَقِيقَةِ سِوَاهُ، وَأَنَّ مَا عَدَاهُ وَسَائِط، وَأَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الَّذِي يُبَيِّنُ لَهُ مُرَادَ رَبِّه، اِقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَتَوَجَّه بِكُلِّيَّتِهِ نَحْوه , فَلَا يُحِبُّ إِلَّا مَا يُحِبُّ، وَلَا يُحِبُّ مَنْ يُحِبُّ إِلَّا مِنْ أَجْلِه , وَأَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّ جُمْلَةَ مَا وَعَدَ وَأَوْعَدَ حَقٌّ يَقِينًا , وَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ الْمَوْعُودُ كَالْوَاقِعِ فَيَحْسَب أَنَّ مَجَالِسَ الذِّكْرِ رِيَاض الْجَنَّة , وَأَنَّ الْعَوْدَ إِلَى الْكُفْرِ إِلْقَاءٌ فِي النَّار , وَشَاهِدُ الْحَدِيث مِنْ الْقُرْآن قَوْله تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ - إِلَى أَنْ قَالَ - أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ} ثُمَّ هَدَّدَ عَلَى ذَلِكَ وَتَوَعَّدَ بِقَوْلِهِ: {فَتَرَبَّصُوا}.
(فَائِدَة): مَحَبَّةُ اللهِ عَلَى قِسْمَيْنِ: فَرْضٌ , وَنَدْب، فَالْفَرْضُ: الْمَحَبَّةُ الَّتِي تَبْعَثُ عَلَى اِمْتِثَالِ أَوَامِرِه , وَالِانْتِهَاءِ عَنْ مَعَاصِيه , وَالرِّضَا بِمَا يُقَدِّرُهُ، فَمَنْ وَقَعَ فِي مَعْصِيَةٍ مِنْ فِعْل مُحَرَّمٍ , أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ , فَلِتَقْصِيرِهِ فِي مَحَبَّةِ الله , وَالنَّدْبُ: أَنْ يُوَاظِبَ عَلَى النَّوَافِل , وَيَتَجَنَّبَ الْوُقُوعَ فِي الشُّبُهَات، وَالْمُتَّصِفُ عُمُومًا بِذَلِكَ نَادِر , وَكَذَلِكَ مَحَبَّةُ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قِسْمَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. (فتح - ح١٦)
(٤) (س) ٤٩٨٧ , (خ) ٢١
(٥) حَقِيقَةُ الْحُبِّ فِي اللهِ: أَنْ لَا يَزِيدَ بِالْبِرِّ , وَلَا يَنْقُصَ بِالْجَفَاءِ. فتح-ح١٦
(٦) (خ) ١٦ , (م) ٤٣
(٧) (س): ٤٩٨٧
(٨) (خ) ١٦ , (م) ٤٣
(٩) (س) ٤٩٨٧