للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمَكَانُ الذِي تُؤَدَّى فِيهِ صَلَاةُ الْجِنَازَة

(د) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فلَا شَيْءَ لَه " (١)


(١) (د) ٣١٩١ , (جة) ١٥١٧ , (حم) ٩٨٦٥ , (عب) ٦٥٧٩ , (ش) ١١٩٧٢ , انظر الصحيحة: ٢٣٥١، وقال الألباني: أخرجه أبو داود , وابن ماجة واللفظ له , وأحمد من طرق (عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعا به. وشذ عنهم جميعا أبو داود في روايته، فلفظها: " فلا شيء عليه " , ومما يؤكد شذوذها، ويؤيد أن المحفوظ رواية الجماعة، زيادة الطيالسي وابن أبي شيبة عقب الحديث: " قال صالح: وأدركت رجالا ممن أدركوا النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - وأبا بكر إذا جاؤا فلم يجدوا إِلَّا أن يصلوا في المسجد رجعوا فلم يصلوا ". فهذا صريح في أن صالحا كان يروي الحديث بلفظ الجماعة، فإنه هو الذي يناسب ما حكاه عمن أدركهم من الصحابة من تركهم الصلاة على الجنازة في المسجد بخلاف رواية أبي داود: " فلا شيء عليه "، فإنها تباينه وتنافيه، ويدل ذلك أيضا على بطلان تأويل رواية الجماعة إلى رواية أبي داود: أي فلا شيء عليه! , قالوا: ليتحد معنى اللفظين ولا يتناقضان.
وأقول: التأويل فرع التصحيح، فبعد أن بينا شذوذ رواية أبي داود بما لَا ريب فيه، فلا مبرر للتأويل، وقد جاء في " نصب الراية " (٢/ ٢٧٥): " قال الخطيب: المحفوظ: " فلا شيء له "، وروي: " فلا شيء عليه " وروي: " فلا أجر له "، انتهى ,
قال ابن عبد البر: رواية: " فلا أجر له " خطأ فاحش، والصحيح: " فلا شيء له " وصالح مولى التوأمة من أهل العلم، منهم من لَا يحتج به لضعفه ومنهم من يقبل منه ما رواه ابن أبي ذئب خاصة "
قلت: والسبب في ذلك أنه كان اختلط، فمنهم من سمع منه قبل الاختلاط - كابن أبي ذئب - فهو حجة، ومنهم من سمع منه بعد الاختلاط فليس بحجة، وهذا التفصيل هو الذي استقر عليه رأي أهل العلم قديما وحديثا، إذا عرفت هذا التفصيل، وأن الحديث من رواية ابن أبي ذئب عنه، تبينت أنه ثابت، فلا تعويل على من ذهب إلى تضعيفه متمسكا بالطعن المجمل فيه كما فعل البيهقي، ونحوه عن الإمام أحمد، فقال ابنه عبد الله في " مسائله "
" سألت أبي عن حديث أبي هريرة هذا؟ , فقال: حديث عائشة: " أن النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - صلى على سهيل ابن بيضاء في المسجد " , ثم قال: حتى يثبت حديث صالح مولى التوأمة. كأنه عنده ليس بثبت، أو ليس بصحيح ".
قلت: ولعل الإمام أحمد رحمه الله توقف عن تصحيح هذا الحديث لأنه لم يكن يومئذ تبين له التفصيل الذي نقلته عنه آنفا، أو أنه ظن أنه معارض لحديث عائشة المذكور، وهو دونه في الصحة بلا ريب.
والذي أراه أنه لَا ينبغي عند نقد الحديث أن يلاحِظ الناقد أمورا فقهية يتوهم أنها تعارض الحديث، فيتخذ ذلك حجة للطعن في الحديث، فإن هذا - مع كونه ليس من قواعد علم الحديث - لو اعتُمد عليه في النقد - للزم منه رد كثير من الأحاديث الصحيحة التي وردت بالطرق القوية , وعلى هذا فكون حديث صالح مخالفا لحديث عائشة لا ينبغي الطعن فيه بسبب ذلك، بل ينبغي التوفيق بينهما بعد ثبوت كل منهما من الوجهة الحديثية، كما قرره الحافظ في " شرح النخبة " وغيره , ولذلك قال الإمام ابن قيم الجوزية في " زاد المعاد " بعد أن ذكر بعض ما قيل في صالح هذا: " وأحسن ما يمكن أن يقال في سبيل التوفيق المشار إليه آنفا هو أن حديث عائشة غاية ما يدل عليه إنما هو جواز صلاة الجنازة في المسجد، وحديث صالح لَا ينافي ذلك، لأنه لَا ينفي أجر الصلاة على الجنازة مطلقا , وإنما ينفي أجرا خاصا بصلاتها في المسجد.
قال أبو الحسن السندي رحمه الله تعالى: " فالحديث لبيان أن صلاة الجنازة في المسجد ليس لها أجر لأجل كونها في المسجد كما في المكتوبات، فأجر أصل الصلاة باق، وإنما الحديث لإفادة سلب الأجر بواسطة ما يتوهم من أنها في المسجد، فيكون الحديث مفيدا لإباحة الصلاة في المسجد من غير أن يكون لها بذلك فضيلة زائدة على كونها خارجه , وينبغي أن يتعين هذا الاحتمال دفعا للتعارض وتوفيقا بين الأدلة بحسب الإمكان , وعلى هذا، فالقول بكراهة الصلاة في المسجد مشكل، نعم ينبغي أن يكون الأفضل خارج المسجد بناء على أن الغالب أنه - صلى اللهُ عليه وسلَّم - كان يصلي خارج المسجد، وفِعْله في المسجد كان مرة أو مرتين. والله أعلم ".
قلت: وبهذا الجمع، التقى حديث الترجمة مع حديث عائشة من حيث دلالة كل منهما على إباحة الصلاة في المسجد، وأما كون الأفضل الصلاة خارج المسجد، فهذا أمر لَا يشك فيه من تجرَّد عن الهوى والتعصب المذهبي , لثبوت كون ذلك هو الغالب على هديه - صلى اللهُ عليه وسلَّم - كما بينته في " أحكام الجنائز "، فلا التفات بعد هذا البيان إلى قول ابن حبان في " الضعفاء " (١/ ٣٦٦): " وهذا خبر باطل، كيف يخبر المصطفى - صلى اللهُ عليه وسلَّم - أن المصلي في الجنازة لَا شيء له من الأجر، ثم يصلي هو - صلى اللهُ عليه وسلَّم - على سهيل ابن البيضاء في المسجد؟ ". أ. هـ