للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْكَبَائِر

(خ م) , عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ , أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ , أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ " , فَقُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ , قَالَ: " الْإِشْرَاكُ بِاللهِ (١) وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ (٢)) (٣) (وَكَانَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُتَّكِئًا فَجَلَسَ (٤) فَقَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ , وَشَهَادَةُ الزُّورِ , أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ , وَشَهَادَةُ الزُّورِ (٥) ") (٦) (قَالَ: " فَمَا زَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكَرِّرُهَا " , حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ) (٧).

الشرح (٨)


(١) يَحْتَمِلُ مُطْلَقَ اَلْكُفْرِ , وَيَكُونُ تَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ لِغَلَبَتِهِ فِي الْوُجُودِ , وَلَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ الْعَرَبِ , فَذَكَرَهُ تَنْبِيهًا عَلَى غَيْرِهِ , فَبَعْضُ اَلْكُفْرِ - وَهُوَ التَّعْطِيلُ -أَعْظَمُ قُبْحًا مِنْ الْإِشْرَاكِ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ مُطْلَقٌ , وَالْإِشْرَاكُ: إِثْبَاتٌ مُقَيَّدٌ , فَيَتَرَجَّحُ هَذَا الِاحْتِمَال. فتح الباري (ج ٨ / ص ١٦٤)
(٢) عُقُوقُ الْوَالِدَيْن: صُدُورُ مَا يَتَأَذَّى بِهِ الْوَالِدُ مِنْ وَلَدِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ , إِلَّا فِي شِرْكٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ , مَا لَمْ يَتَعَنَّتْ الْوَالِدُ، وَضَبَطَهُ اِبْنُ عَطِيَّةَ بِوُجُوبِ طَاعَتِهِمَا فِي الْمُبَاحَاتِ , فِعْلًا وَتَرْكًا، وَاسْتِحْبَابُهَا فِي الْمَنْدُوبَاتِ , وَفُرُوضِ الْكِفَايَةِ كَذَلِكَ. تحفة الأحوذي - (ج ٥ / ص ١٢١)
(٣) (خ) ٢٥١١ , (م) ٨٧
(٤) قَوْلُهُ: " وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا " يُشْعِرُ بِأَنَّهُ اِهْتَمَّ بِذَلِكَ , حَتَّى جَلَسَ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُتَّكِئًا, وَيُفِيدُ ذَلِكَ تَأكِيدَ تَحْرِيمِهِ , وَعِظَمَ قُبْحِهِ، وَسَبَبُ الِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ كَوْنُ قَوْلِ اَلزُّورِ أَوْ شَهَادَة الزُّورِ أَسْهَلُ وُقُوعًا عَلَى النَّاسِ، وَالتَّهَاوُنُ بِهَا أَكْثَر، فَإِنَّ الْإِشْرَاكَ يَنْبُو عَنْهُ قَلْبُ اَلْمُسْلِمِ , وَالْعُقُوقُ يَصْرِفُ عَنْهُ الطَّبْعُ وَأَمَّا الزُّورُ , فَالْحَوَامِلُ عَلَيْهِ كَثِيرَة , كَالْعَدَاوَةِ وَالْحَسَدِ وَغَيْرِهِمَا فَاحْتِيجَ إِلَى الِاهْتِمَامِ بِتَعْظِيمِهِ , وَلَيْسَ ذَلِكَ لِعِظَمِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا ذُكِرَ مَعَهَا مِنْ الْإِشْرَاكِ قَطْعًا , بَلْ لِكَوْنِ مَفْسَدَةِ الزُّورِ مُتَعَدِّيَةٌ إِلَى غَيْرِ الشَّاهِدِ , بِخِلَافِ الشِّرْكِ , فَإِنَّ مَفْسَدَتَهُ قَاصِرَةٌ غَالِبًا. فتح الباري (ج٨ص ١٦٤)
وقَوْلُهُ " وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا " استُدِلَّ به على أنه يجوزُ للمحدِّثِ بالعلمِ أن يحدِّثَ بِهِ وهو مُتَّكِئ.
(٥) قَوْلُهُ: " أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ , لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّأكِيدِ , فَإِنَّا لَوْ حَمَلْنَا الْقَوْلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ , لَزِمَ أَنْ تَكُونَ اَلْكِذْبَةُ اَلْوَاحِدَةُ مُطْلَقًا كَبِيرَةً , وَلَيْسَ كَذَلِكَ , وَلَا شَكَّ أَنَّ عِظَمَ الْكَذِبِ وَمَرَاتِبَهُ مُتَفَاوِتَةٌ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ مَفَاسِدِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدْ اِحْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}.فتح الباري (٨/ ١٦٤)
(٦) (خ) ٥٦٣١ , (م) ٨٧
(٧) (خ) ٥٩١٨ , (م) ٨٧
(٨) " قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ " أَيْ: شَفَقَةً عَلَيْهِ , وَكَرَاهِيَةً لِمَا يُزْعِجُهُ.
وَفِيهِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَدَبِ مَعَهُ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمَحَبَّةِ لَهُ , وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ. فتح الباري (٨/ ١٦٤)