للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى

(خ م حم) , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: (" مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ, فَقَالَ لَهَا: اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي " فَقَالَتْ لَهُ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي - وَلَمْ تَعْرِفْهُ -) (١) (" فَجَاوَزَهَا وَمَضَى " , فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ فَقَالَ: مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ , قَالَتْ: مَا عَرَفْتُهُ , قَالَ: إِنَّهُ لَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم) (٢) (فَأَخَذَ بِهَا مِثْلُ الْمَوْتِ) (٣) (فَجَاءَتْ إِلَى بَابِهِ , فَلَمْ تَجِدْ عَلَيْهِ بَوَّابًا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ , وَاللهِ مَا عَرَفْتُكَ , فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ) (٤)

وفي رواية (٥): " إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى (٦) "


(١) (خ) ١٢٢٣ , (م) ١٥ - (٩٢٦)
(٢) (خ) ١٢٢٣ , (م) ١٥ - (٩٢٦)
(٣) (حم) ١٢٤٨٠ , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(٤) (خ) ٦٧٣٥ , (م) ١٥ - (٩٢٦)
(٥) (خ) ١٢٢٣ , (م) ١٥ - (٩٢٦) , (د) ٣١٢٤ , (ت) ٩٨٨ , (س) ١٨٦٩
(٦) الْمَعْنَى: إِذَا وَقَعَ الثَّبَاتُ أَوَّلَ شَيْءٍ يَهْجُمُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْجَزَعِ , فَذَلِكَ هُوَ الصَّبْرُ الْكَامِلُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ.
وَأَصْلُ الصَّدْمِ: ضَرْبُ الشَّيْءِ الصُّلْبِ بِمِثْلِهِ , فَاسْتُعِيرَ لِلْمُصِيبَةِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقَلْبِ.
قَالَ الْخطابِيّ: الْمَعْنَى أَنَّ الصَّبْرَ الَّذِي يُحْمَدُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ , مَا كَانَ عِنْدَ مُفَاجَأَةِ الْمُصِيبَةِ , بِخِلَافِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ , فَإِنَّهُ عَلَى الْأَيَّامِ يَسْلُو.
وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ غَيْرِهِ: أَنَّ الْمَرْءَ لَا يُؤْجَرُ عَلَى الْمُصِيبَةِ , لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ صُنْعِهِ , وَإِنَّمَا يُؤْجَرْ عَلَى حُسْنِ تَثَبُّتِهِ , وَجَمِيلِ صَبْرِهِ.
وَقَالَ ابن بَطَّالٍ: أَرَادَ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا يَجْتَمِعَ عَلَيْهَا مُصِيبَةُ الْهَلَاكِ , وَفَقْدُ الْأَجْرِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: صَدَرَ هَذَا الْجَوَابُ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِهَا (لَمْ أَعْرِفْكَ) عَلَى أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ , كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا: دَعِي الِاعْتِذَارَ , فَإِنِّي لَا أَغْضَبُ لِغَيْرِ اللهِ, وَانْظُرِي لِنَفْسِكِ.
وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: فَائِدَةُ جَوَابِ الْمَرْأَةِ بِذَلِكَ: أَنَّهَا لَمَّا جَاءَتْ طَائِعَةً لِمَا أَمَرَهَا بِهِ مِنَ التَّقْوَى وَالصَّبْرِ , مُعْتَذِرَةً عَنْ قَوْلِهَا الصَّادِرِ عَنِ الْحُزْنِ , بَيَّنَ لَهَا أَنَّ حَقَّ هَذَا الصَّبْرِ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِ الْحَالِ , فَهُوَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ. انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَتْ: أَنَا أَصْبِرُ , أَنَا أَصْبِرُ.
وَفِي مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْمَذْكُورِ: " فَقَالَ: اذْهَبِي إِلَيْكِ , فَإِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى ". فتح الباري (٣/ ١٥٠)