للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إسْلَامُ قَائِلِ الشَّهَادَتَيْن (١)

(م س حم) , عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: (كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ (٢) فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ , فَإِذَا الذِّئْبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا , وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ , آسَفُ (٣) كَمَا يَاسَفُونَ) (٤)

(فَصَكَكْتُهَا صَكَّةً (٥)) (٦) (فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - " فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ " , فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟ , قَالَ: " ائْتِنِي بِهَا " , فَأَتَيْتُهُ بِهَا , فَقَالَ لَهَا: " أَيْنَ اللهُ؟ " , قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ (٧) قَالَ: " مَنْ أَنَا؟ " , قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ) (٨) (قَالَ: " أَتُؤْمِنِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ " , قَالَتْ: نَعَمْ) (٩) (قَالَ: " أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ (١٠) ") (١١) وفي رواية (١٢): قَالَ: " ائْتِنِي بِهَا " , فَأَتَيْتُهُ بِهَا , فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " مَنْ رَبُّكِ؟ " , قَالَتْ: اللهُ , قَالَ: " مَنْ أَنَا؟ " , قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ , قَالَ: " أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ "


(١) أَيْ: المُقِرُّ بِهِما يُصَدِّقُ قَلْبُه لِسَانَه , وأن لا يأتي بِناقِضٍ من نَواقِض التوحيد بعد نُطْقِهِ بالشهادتين. ع
(٢) الْجَوَّانِيَّة - بِقُرْبِ أُحُد - مَوْضِع فِي شَمَالِي الْمَدِينَة، وَفِيهِ: دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اِسْتِخْدَامِ السَّيِّدِ جَارِيَتَهُ فِي الرَّعْي , وَإِنْ كَانَتْ تَنْفَرِدُ فِي الْمَرْعَى، وَإِنَّمَا حَرَّمَ الشَّرْعُ مُسَافَرَةَ الْمَرْأَةِ وَحْدهَا، لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ فِيهَا , وَانْقِطَاعُ نَاصِرِهَا وَالذَّابِّ عَنْهَا , وَبَعْدِهَا مِنْهُ، بِخِلَافِ الرَّاعِيَة، وَمَعَ هَذَا , فَإِنْ خِيفَ مَفْسَدَةٌ مِنْ رَعْيِهَا - لِرِيبَةٍ فِيهَا أَوْ لِفَسَادِ مَنْ يَكُونُ فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي تَرْعَى فِيهَا أَوْ نَحْو ذَلِكَ - لَمْ يَسْتَرْعِهَا، وَلَمْ تُمَكَّنْ الْحُرَّةُ وَلَا الْأَمَةُ مِنْ الرَّعْي حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِير فِي مَعْنَى السَّفَرِ الَّذِي حَرَّمَ الشَّرْعُ عَلَى الْمَرْأَة. شرح النووي (ج ٢ / ص ٢٩٨)
(٣) أَيْ: أَغْضَب. شرح النووي على مسلم - (ج ٢ / ص ٢٩٨)
(٤) (م) ٥٣٧ , (س) ١٢١٨
(٥) أَيْ: لَطَمْتُهَا. شرح النووي على مسلم - (ج ٢ / ص ٢٩٨)
(٦) (س) ١٢١٨ , (م) ٥٣٧
(٧) هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَات، وَفِيهَا مَذْهَبَانِ: أَحَدُهُمَا: الْإِيمَانُ بِهِ مِنْ غَيْرِ خَوْضٍ فِي مَعْنَاهُ، مَعَ اِعْتِقَادِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء , وَتَنْزِيهُهُ عَنْ سِمَات الْمَخْلُوقَات.
وَالثَّانِي: تَاوِيلُهُ بِمَا يَلِيق بِهِ، فَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ: كَانَ الْمُرَاد اِمْتِحَانهَا، هَلْ هِيَ مُوَحِّدَةٌ تُقِرُّ بِأَنَّ الْخَالِقَ الْمُدَبِّرَ الْفَعَّالَ هُوَ اللهُ وَحْدَه، وَهُوَ الَّذِي إِذَا دَعَاهُ الدَّاعِي اِسْتَقْبَلَ السَّمَاءَ كَمَا إِذَا صَلَّى الْمُصَلِّي اِسْتَقْبَلَ الْكَعْبَة.
ومَنْ قَالَ بِإِثْبَاتِ جِهَةِ فَوْقٍ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَلَا تَكْيِيفٍ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ تَأَوَّلَ " فِي السَّمَاء "، أَيْ: عَلَى السَّمَاء. شرح النووي (٢/ ٢٩٨)
(٨) (م) ٥٣٧ , (س) ١٢١٨
(٩) (حم) ١٥٧٨١ , انظر الصَّحِيحَة: ٣١٦١
(١٠) فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ إِعْتَاقَ الْمُؤْمِنِ أَفْضَلُ مِنْ إِعْتَاقِ الْكَافِر، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ عِتْقِ الْكَافِرِ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَات، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْكَافِر فِي كَفَّارَةِ الْقَتْل، كَمَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآن , وَاخْتَلَفُوا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ , وَالْيَمِينِ , وَالْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَان، فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَالْجُمْهُور: لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا مُؤْمِنَة , حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْل، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالْكُوفِيُّونَ: يُجْزِئُهُ الْكَافِرُ لِلْإِطْلَاقِ , فَإِنَّهَا تُسَمَّى رَقَبَة.
وقَوْله - صلى الله عليه وسلم -: (أَيْنَ الله؟ , قَالَتْ: فِي السَّمَاء قَالَ: مَنْ أَنَا؟ , قَالَتْ: أَنْتَ رَسُول الله , قَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَة) فِيهِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَصِيرُ مُؤْمِنًا إِلَّا بِالْإِقْرَارِ بِاللهِ تَعَالَى , وَبِرِسَالَةِ النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وَفِيهِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ جَزْمًا , كَفَاهُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ إِيمَانِهِ , وَكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَالْجَنَّة، وَلَا يُكَلَّفُ مَعَ هَذَا إِقَامَةَ الدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ عَلَى ذَلِكَ , وَلَا يَلْزَمُهُ مَعْرِفَةُ الدَّلِيل، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور، وَبِاللهِ التَّوْفِيق. شرح النووي على مسلم - (ج ٢ / ص ٢٩٨)
(١١) (م) ٥٣٧ , (س) ١٢١٨
(١٢) (س): ٣٦٥٣ , وقال الشيخ الألباني: حسن الإسناد.