للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ بَعْدَ الصَّلَاة

قَالَ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ، وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ، وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} (١)

(د حم) , عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - قَالَ: " صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - الْعَصْرَ " , فَقَامَ رَجُلٌ يُصَلِّي , فَرَآهُ عُمَرُ - رضي الله عنه - فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ , فَإِنَّمَا هَلَكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ [بَيْنَ صَلَوَاتِهِمْ] (٢) فَصْلٌ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " أَحْسَنَ ابْنُ الْخَطَّابِ " (٣)


(١) [ق: ٣٩، ٤٠]
(٢) (د) ١٠٠٧
(٣) (حم) ٢٣١٧٠ , (د) ١٠٠٧ , (عب) ٣٩٧٣ , (يع) ٧١٦٦، انظر الصَّحِيحَة:٢٥٤٩ , ٣١٧٣، والحديث ضعفه الألباني في (د) لكنه تراجع عن تضعيفه في الصحيحة ٣١٧٣ , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
قال الألباني في الصحيحة تحت حديث ٢٥٤٩: والحديث نص صريح في تحريم المبادرة إلى صلاة السنة بعد الفريضة دون تكلم أو خروج، كما يفعله كثير من الأعاجم , وبخاصة منهم الأتراك، فإننا نراهم في الحرمين الشريفين لا يكاد الإمام يسلم من الفريضة إلا بادر هؤلاء من هنا وهناك قياما إلى السنة!
وفي الحديث فائدة أخرى هامة، وهي جواز الصلاة بعد العصر، لأنه لو كان غير جائز، لأُنكِر ذلك على الرجل أيضا كما هو ظاهر، وهو مطابق لما ثبت عن النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين، ويدل على أن ذلك ليس من خصوصياته - صلى اللهُ عليه وسلَّم - وما صح عنه - صلى اللهُ عليه وسلَّم - أنه قال: " لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس " محمول على ما إذا كانت الشمس مصفرة، لأحاديث صحت مقيدة بذلك. أ. هـ
وقال في الصحيحة تحت حديث ٣١٧٣: وفى الحديث فائدتان هامتان: الأولى: أنه لا بد من الفصل بين الفريضة والنافلة التي بعدها , إما بالكلام
أو بالتحول من المكان , وفى ذلك أحاديث صحيحة أحدها في (صحيح مسلم) من حديث معاوية - رضي الله عنه - وهو مخرج في (الإرواء) (٢/ ١٩٠/٣٤٤) و (صحيح أبي داود) (١٠٣٤) وفيه أحاديث أخري برقم (٦٣١و٩٢٢) ولذلك؛ تكاثرت الآثار عن السلف بالعمل بها وقد روي الكثير الطيب منها عبد الرزاق في (المصنف) (٢/ ٤١٦ - ٤١٨) وكذا ابن أبي شيبة (٢/ ١٣٨ - ١٣٩) والبيهقي في (سننه) فما يفعله اليوم بعض المصلين في بعض البلاد من تبادلهم أماكنهم حين قياهم إلي السنة البعدية: هو من التحول المذكور , وقد فعله السلف فروي ابن أبي شيبة عن عاصم قال: صليت معه الجمعة فلما قضيت صلاتي أخذ بيدي فقام في مقامي وأقامني في مقامه. وسنده صحيح وروي نحوه عن أبي مجِلزٍ وصفوان بن ُمحرِزِ.
والفائدة الأخرى: جواز التطوع بعد صلاة العصر؛ لإقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عمر الرجل على الصلاة بعدها مع أنه أنكر عليه ترك الفصل وصوّبه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، فدل ذلك على جواز الصلاة بعد العصر دون الوصل، وقد جاء ما يدل على الجواز من فعله - صلى الله عليه وسلم - من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدع ركعتين بعد العصر. رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "الإرواء" (٢/ ١٨٨ - ١٨٩) من طرق عنها، ويأتي طريق آخر عقب هذا.
وقد ثبت العمل به عن جماعة من السلف رضي الله عنهم.
فإن قيل: كيف يصح الاستدلال بهذا الإقرار من عمر، وقد صح عنه أنه كان يضرب من يصلي الركعتين بعد العصر؟
والجواب: أن ضرْبَهُ عليهما إنما كان من باب سد الذريعة، وخشية أن يتوسع الناس مع الزمن فيصلوهما في وقت الاصفرار المنهي عنه، وهو المراد بالأحاديث الناهية عن الصلاة بعد العصر نهياً مطلقاً كما سيأتي في الحديث بعده، وليس لأنه لا يجوِّز صلاتهما قبل الاصفرار، ولذلك لم ينكر على الرجل صلاته بعد العصر مباشرة، وقد جاء عن عمر نفسه ما يؤكد هذا، فقال الحافظ في "الفتح " (٢/ ٦٥): " (تنبيه): روى عبد الرزاق [٢/ ٤٣١ - ٤٣٢] من حديث زيد بن خالد [الجهني] سبب ضرب عمر الناس على ذلك، فقال ... عن زيد بن خالد: أن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه، فذكر الحديث، وفيه: "فقال عمر: يا زيد! لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس سُلَّماً إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما".
فلعل عمر كان يرى أن النهي عن الصلاة إنما هو خشية إيقاع الصلاة عند غروب الشمس، وهذا يوافق قول ابن عمر الماضي , وما نقلناه عن ابن المنذر وغيره.
وقد روى يحيى بن بُكير عن الليث عن أبي الأسود عن عروة عن تميم الداري نحو رواية زيد بن خالد، وجواب عمر له، وفيه:"ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب، حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلى فيها". وهذا أيضاً يدل لما قلناه ".
قلت: ومثله ما رواه الطحاوي (١/ ١٨٠) عن البراء بن عازب قال: بعثني سلمان بن ربيعة بريداً إلى عمر بن الخطاب في حاجة له، فقدمت عليه، فقال لي: لا تصلوا بعد العصر؛ فإني أخاف عليكم أن تتركوها إلى غيرها.
قلت: يعني إلى وقت الاصفرار المحرم، وإسناده صحيح.
فهذه الآثار تؤكد ما ذكرته من قبل أن نهيه اجتهاد منه سدّاً للذريعة، فلا ينبغي أن يعارَض به إقراره للرجل اتباعاً منه للنبي - صلى الله عليه وسلم - على صلاته بعد العصر، فضلاً عن معارضة الأحاديث الصحيحة في صلاته- صلى الله عليه وسلم - الركعتين، أو معارضتها بالعموم في قوله - صلى الله عليه وسلم -:"لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس "؛ فإنه يُخَصُّ بحديث علي الذي صححه الحافظ كما تقدم. وحديث الترجمة تقدم تخريجه برقم (٢٥٤٩) باختصار عما هنا.
ثم وجدت من صحيح حديث عائشة ما يشهد لرواية عبد الرزاق ويؤيدها، فخرجته في ما يأتي برقم (٣٤٨٩). أ. هـ