للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حُكْمُ شَعْرِ الإِنْسَانِ

شَعْرُ الإِنْسَانِ طَاهِرٌ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الشَّعْرُ مُتَّصِلا أَمْ مُنْفَصِلا، وَاسْتَدَلُّوا لِطَهَارَتِهِ بِأَنَّ " النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاوَلَ أَبَا طَلْحَةَ شَعْرَهُ فَقَسَمَهُ بَيْنَ النَّاسِ ". (١)

قَال الْبُخَارِيُّ ج١ص٤٥: بَابُ المَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ الإِنْسَانِ

قال الحافظ: قَوْلُهُ: (بَابُ الْمَاءِ) أَيْ: حُكْمِ الْمَاءِ " الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعْرُ الْإِنْسَانِ ". أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إِلَى أَنَّ حُكْمَهُ الطَّهَارَةُ لِأَنَّ الْمُغْتَسِلَ قَدْ يَقَعُ فِي مَاءِ غُسْلِهِ مِنْ شَعْرِهِ، فَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَتَنَجَّسَ الْمَاءُ بِمُلَاقَاتِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَجَنَّبَ ذَلِكَ فِي اغْتِسَالِهِ، بَلْ كَانَ يُخَلِّلُ أُصُولَ شَعْرِهِ كَمَا سَيَاتِي، وَذَلِكَ يُفْضِي غَالِبًا إِلَى تَنَاثُرِ بَعْضِهِ فَدَلَّ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَدِيدِ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْخُرَاسَانِيِّينَ، وَصَحَّحَ جَمَاعَةٌ الْقَوْلَ بِتَنْجِيسِهِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ، وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى طَهَارَتِهِ بِمَا ذَكَرَهُ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ شَعْرَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُكَرَّمٌ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَنَقَضَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ الْخُصُوصِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، قَالُوا: وَيَلْزَمُ الْقَائِلُ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَحْتَجَّ عَلَى طَهَارَةِ الْمَنِيِّ بِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِهِ - صلى الله عليه وسلم - لِإِمْكَانِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: مَنِيُّهُ طَاهِرٌ فَلَا يُقَاسُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْحَقُّ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ إِلَّا فِيمَا خُصَّ بِدَلِيلٍ، وَقَدْ تَكَاثَرَتِ الْأَدِلَّةُ عَلَى طَهَارَةِ فَضَلَاتِهِ وَعَدَّ الْأَئِمَّةُ ذَلِكَ فِي خَصَائِصِهِ، فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا وَقَعَ فِي كُتُبِ كَثِيرٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ بَيْنَ أَئِمَّتُهُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِالطَّهَارَةِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي شَعْرِ الْآدَمِيِّ. فتح (١/ ٢٧٢)

وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الانْتِفَاعِ بِشَعْرِ الآدَمِيِّ بَيْعًا وَاسْتِعْمَالا؛ لأَنَّ الآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}. (٢)

فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ مُهَانًا مُبْتَذَلا. (٣)

قَال الْبُخَارِيُّ ج١ص٤٥: وَكَانَ عَطَاءٌ: لَا يَرَى بِهِ بَأسًا أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا الخُيُوطُ وَالحِبَالُ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ عَطَاءٌ) هَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَاكِهِيُّ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى عَطَاءٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَاسًا بِالِانْتِفَاعِ بِشُعُورِ النَّاسِ الَّتِي تُحْلَقُ بِمِنًى. فتح (١/ ٢٧٢)

طَهَارَةُ الشَّعْرِ عَلَى الْجِلْدِ:

الشَّعْرُ عَلَى جِلْدِ الْحَيِّ الطَّاهِرِ حَالَ حَيَاتِهِ طَاهِرٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.

وَالشَّعْرُ عَلَى جِلْدِ الإِنْسَانِ الْمَيِّتِ طَاهِرٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ. (٤)


(١) (م) ٣٢٦ - (١٣٠٥) , (خ) ١٧١
(٢) سورة الإسراء / ٧٠.
(٣) البناية ٦/ ٤٠٧، حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج ٢/ ٣٣٠، حاشية الدسوقي ١/ ٤٩، ونهاية المحتاج ١/ ٢٢٨، ٢٢٩، كشاف القناع ١/ ٥٦ ـ ٥٧.
(٤) رد المحتار على الدر المختار ١/ ١٣٧، والخرشي ١/ ٩٠، والمجموع ١/ ٢٢٠ ـ ٢٣١ ـ ٢٣٤ ـ ٢٣٦ ـ ٢٣٨، والمغني ١/ ٧٩ ـ ٨٠.