للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تَطْهِيرُ مَا يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اللَّحْمِ الَّذِي طُبِخَ بِنَجِسٍ، هَلْ يَطْهُرُ أَمْ لا؟

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - عَدَا أَبِي يُوسُفَ - وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ اللَّحْمَ الَّذِي طُبِخَ بِنَجِسٍ لا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلا عَنِ الْخَانِيَّةِ: إِذَا صَبَّ الطَّبَّاخُ فِي الْقِدْرِ مَكَانَ الْخَلِّ خَمْرًا غَلَطًا، فَالْكُلُّ نَجِسٌ لا يَطْهُرُ أَبَدًا، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُغْلَى ثَلاثًا لا يُؤْخَذُ بِهِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ اللَّحْمَ الَّذِي طُبِخَ بِنَجِسٍ مِنْ مَاءٍ، أَوْ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ حَالَ طَبْخِهِ قَبْلَ نُضْجِهِ، فَإِنَّهُ لا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ، أَمَّا إِنْ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ بَعْدَ نُضْجِهِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَغْسِلَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنَ الْمَرَقِ.

وَقَيَّدَ الدُّسُوقِيُّ ذَلِكَ بِمَا إِذَا لَمْ تَطُلْ إِقَامَةُ النَّجَاسَةِ فِيهِ، بِحَيْثُ يَظُنُّ أَنَّهَا سَرَتْ فِيهِ، وَإِلا فَلا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ اللَّحْمَ الَّذِي طُبِخَ بِنَجِسٍ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ، وَفِي كَيْفِيَّةِ طَهَارَتِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُغْسَلُ ثُمَّ يُعْصَرُ كَالْبِسَاطِ، الثَّانِي: يُشْتَرَطُ أَنْ يَغْلِيَ بِمَاءٍ طَهُورٍ. وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي بِوُجُوبِ السَّقْي مَرَّةً ثَانِيَةً وَالْغَلْيِ، وَاخْتَارَ الشَّاشِيُّ الاكْتِفَاءَ بِالْغُسْلِ. (١)

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا فِي الْفَخَّارِ الَّذِي يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ، هَلْ يَطْهُرُ أَمْ لا؟

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْفَخَّارَ الَّذِي يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ لا يَطْهُرُ.

وَنَقَلَ الدُّسُوقِيُّ عَنِ الْبُنَانِيِّ أَنَّ الْفَخَّارَ الْبَالِيَ إِذَا حَلَّتْ فِيهِ نَجَاسَةُ غَوَّاصَةٍ يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ، وَاَلَّذِي لا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ هُوَ الْفَخَّارُ الَّذِي لَمْ يُسْتَعْمَلْ قَبْلَ حُلُولِ الْغَوَّاصِ فِيهِ، أَوِ اسْتُعْمِلَ قَلِيلا، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَهُوَ أَوْلَى.

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ مِثْلَ الْفَخَّارِ أَوَانِي الْخَشَبِ الَّذِي يُمْكِنُ سَرَيَانُ النَّجَاسَةِ إِلَى دَاخِلِهِ.

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَطْهِيرُ الْخَزَفِ الَّذِي يَتَشَرَّبُ النَّجَاسَةَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُنْقَعَ فِي الْمَاءِ ثَلاثًا، وَيُجَفَّفَ كُلَّ مَرَّةٍ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَقْيَسُ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوْسَعُ. (٢)

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لا يَطْهُرُ بَاطِنُ حَبٍّ تَشَرَّبَ النَّجَاسَةَ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: لَوْ طُبِخَتِ الْحِنْطَةُ فِي الْخَمْرِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُطْبَخُ ثَلاثًا بِالْمَاءِ وَتُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا طُبِخَتْ فِي الْخَمْرِ لا تَطْهُرُ أَبَدًا، وَبِهِ يُفْتَى، إِلا إِذَا صُبَّ فِيهِ الْخَلُّ، وَتُرِكَ حَتَّى صَارَ الْكُلُّ خَلا. (٣)

وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الزَّيْتُونَ الَّذِي مُلِّحَ بِنَجِسٍ، بِأَنْ جُعِلَ عَلَيْهِ مِلْحٌ نَجِسٌ يُصْلِحُهُ، إِمَّا وَحْدَهُ أَوْ مَعَ مَاءٍ لا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ، أَمَّا لَوْ طَرَأَتْ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ بَعْدَ تَمْلِيحِهِ وَاسْتِوَائِهِ، فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ، وَذَلِكَ بِغَسْلِهِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ.

قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الْجُبْنِ وَاللَّيْمُونِ وَالنَّارِنْجِ وَالْبَصَلِ وَالْجَزَرِ الَّذِي يَتَخَلَّلُ، وَمَحَلُّ عَدَمِ الضَّرَرِ إِذَا لَمْ تَمْكُثِ النَّجَاسَةُ مُدَّةً يُظَنُّ أَنَّهَا سَرَتْ فِيهِ، وَإِلا فَلا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ. (٤)

كَمَا نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْبَيْضَ الَّذِي سُلِقَ بِنَجِسٍ لا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ.

قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَلا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ الْمَسْلُوقُ فِيهِ مُتَغَيِّرًا بِالنَّجَاسَةِ أَمْ لا.

وَقَالَ الْبُنَانِيِّ: الظَّاهِرُ - كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ - أَنَّ الْمَاءَ إِذَا حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ، ثُمَّ سُلِقَ فِيهِ الْبَيْضُ، فَإِنَّهُ لا يُنَجِّسُهُ، حَيْثُ إِنَّ الْمَاءَ حِينَئِذٍ طَهُورٌ وَلَوْ قَلَّ عَلَى الْمَشْهُورِ.

أَمَّا لَوْ طَرَأَتْ عَلَى الْبَيْضِ الْمَسْلُوقِ نَجَاسَةٌ بَعْدَ سَلْقِهِ وَاسْتِوَائِهِ فَإِنَّهُ لا يَتَنَجَّسُ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ شُوِيَ الْبَيْضُ الْمُتَنَجِّسُ قِشْرُهُ فَإِنَّهُ لا يَنْجُسُ. (٥)

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ اللَّبِنَ الْمُخْتَلِطَ بِنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ - كَالرَّوْثِ وَعِظَامِ الْمَيْتَةِ - نَجِسٌ، وَلا طَرِيقَ إِلَى تَطْهِيرِهِ لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: فَإِنْ طُبِخَ فَالْمَذْهَبُ - وَهُوَ الْجَدِيدُ - أَنَّهُ عَلَى نَجَاسَتِهِ. أَمَّا اللَّبِنُ غَيْرُ الْمُخْتَلِطِ بِنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ، بِأَنْ نَجِسَ بِسَبَبِ عَجْنِهِ بِمَاءٍ نَجِسٍ أَوْ بَوْلٍ، فَيَطْهُرُ ظَاهِرُهُ بِإِفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَيَطْهُرُ بَاطِنُهُ بِأَنْ يُنْقَعَ فِي الْمَاءِ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إِلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ. (٦)

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لا يَطْهُرُ عَجِينٌ تَنَجَّسَ؛ لأَنَّهُ لا يُمْكِنُ غَسْلُهُ. (٧)


(١) حاشية ابن عابدين ١/ ٢٢٣، حاشية الدسوقي ١/ ٥٩، روضة الطالبين ١/ ٣٠، المجموع ٢/ ٦٠٠، كشاف القناع ١/ ١٨٨.
(٢) حاشية ابن عابدين ١/ ٢٢١، حاشية الدسوقي ١/ ٦٠، كشاف القناع ١/ ١٨٨.
(٣) حاشية ابن عابدين ١/ ٢٢٣، كشاف القناع ١/ ١٨٨.
(٤) حاشية الدسوقي ١/ ٥٩، ٦٠.
(٥) حاشية الدسوقي ١/ ٦٠.
(٦) روضة الطالبين ١/ ٢٩، ٣٠.
(٧) كشاف القناع ١/ ١٨٨.