الأول: مذهب الجمهور أنه لا عبرة باختلاف المطالع لعموم قوله - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " متفق عليه. الثاني: أن لكل بلد رؤيتهم ولا يلزمهم رؤية غيرهم , واحتج لهم بحديث ابن عباس عند مسلم وغيره. الثالث: لزوم أهل بلد الرؤية وما يتصل بها من الجهات التي على سمتها. واختار المؤلف هذا المذهب الأخير معلِّقا عليه بقوله: " هذا هو المشاهَد ويتفق مع الواقع " قلت: وهذا كلام عجيب غريب , لأنه إن صح أنه مشاهَد موافِق للواقع , فليس فيه أنه موافق للشرع أولا , ولأن الجهات - كالمطالع - أمور نسبية ليس لها حدود مادية يمكن للناس أن يتبينوها ويقفوا عندها ثانيا. وأنا والله لا أدري ما الذي حمل المؤلف على اختيار هذا الرأي الشاذ , وأن يُعرض عن الأخذ بعموم الحديث الصحيح , وبخاصة أنه مذهب الجمهور كما ذكره هو نفسه , وقد اختاره كثير من العلماء المحققين , مثل شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى) , والشوكاني في " نيل الأوطار " , وصديق حسن خان في " الروضة الندية "وغيره , فهو الحق الذي لا يصح سواه , ولا يعارضه حديث ابن عباس , لأمور ذكرها الشوكاني. ولعل الأقوى أن يقال: إن حديث ابن عباس ورد فيمن صام على رؤية بلده , ثم بلغه في أثناء رمضان أنهم رأوا الهلال في بلد آخر قبله بيوم , ففي هذه الحالة يستمر في الصيام مع أهل بلده حتى يكملوا ثلاثين أو يروا هلالهم , وبذلك يزول الإشكال , ويبقى حديث أبي هريرة وغيره على عمومه , يشمل كل من بلغه رؤية الهلال من أي بلد أو إقليم من غير تحديد مسافة أصلا كما قال ابن تيمية في " الفتاوى " , وهذا أمر متيسر اليوم للغاية كما هو معلوم , ولكنه يتطلب شيئا من اهتمام الدول الإسلامية , حتى تجعله حقيقة واقعية إن شاء الله تبارك وتعالى. وإلى أن تجتمع الدول الإسلامية على ذلك , فإني أرى على شعب كل دولة أن يصوم مع دولته ولا ينقسم على نفسه , فيصوم بعضهم معها وبعضهم مع غيرها ممن تقدمت في صيامها أو تأخرت , لما في ذلك من توسيع دائرة الخلاف في الشعب الواحد , كما وقع في بعض الدول العربية منذ بضع سنين , والله المستعان. أ. هـ (٢) (م) ٢٨ - (١٠٨٧) , (ت) ٦٩٣ , (س) ٢١١١ , (د) ٢٣٣٢ , (حم) ٢٧٩٠