(٢) الْفِسْقُ فِي اللُّغَةِ: الْخُرُوجُ، وَفِي الشَّرْعِ: الْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ , وَهُوَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ أَشَدُّ مِنْ الْعِصْيَانِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} , فَفِي الْحَدِيثِ تَعْظِيمُ حَقِّ الْمُسْلِمِ , وَالْحُكْمُ عَلَى مَنْ سَبَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ بِالْفِسْقِ. تحفة الأحوذي (٥/ ٢٢٤)(٣) (خ) ٤٨ , (م) ٦٤(٤) إِنْ قِيلَ: هَذَا وَإِنْ تَضَمَّنَ الرَّدَّ عَلَى الْمُرْجِئَة , لَكِنَّ ظَاهِرَهُ يُقَوِّي مَذْهَبَ الْخَوَارِج الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالْمَعَاصِي.فَالْجَوَاب: أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُبْتَدِعِ اِقْتَضَتْ ذَلِكَ، وَلَا مُتَمَسَّكَ لِلْخَوَارِجِ فِيهِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَه غَيْرُ مُرَاد، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْقِتَالُ أَشَدَّ مِنْ السِّبَاب - لِأَنَّهُ مُفْضٍ إِلَى إِزْهَاقِ الرُّوح - عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ أَشَدَّ مِنْ لَفْظِ الْفِسْق , وَهُوَ الْكُفْر، وَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْكُفْرِ , الَّتِي هِيَ الْخُرُوجُ عَنْ الْمِلَّة، بَلْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْكُفْر مُبَالَغَةً فِي التَّحْذِير، مُعْتَمِدًا عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُ عَنْ الْمِلَّةَ، مِثْلَ حَدِيث الشَّفَاعَة , وَمِثْلَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الله لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرِك بِهِ , وَيَغْفِر مَا دُون ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء}.أَوْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْكُفْرَ لِشَبَهِهِ بِهِ؛ لِأَنَّ قِتَالَ الْمُؤْمِنِ مِنْ شَأنِ الْكَافِر.وَقِيلَ: الْمُرَاد هُنَا الْكُفْرُ اللُّغَوِيّ , وَهُوَ التَّغْطِيَة؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُعِينَهُ وَيَنْصُرَهُ , وَيَكُفَّ عَنْهُ أَذَاهُ، فَلَمَّا قَاتَلَهُ كَانَ كَأَنَّهُ غَطَّى عَلَى هَذَا الْحَقّ.وَالْأَوَّلَانِ أَوْلَى بِالْمَقْصُودِ مِنْ التَّحْذِيرِ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ وَالزَّجْرِ عَنْهُ , بِخِلَافِ الثَّالِث.وَقِيلَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ " كُفْر " أَيْ: قَدْ يَئُولُ هَذَا الْفِعْلُ بِشُؤْمِهِ إِلَى الْكُفْر، وَهَذَا بَعِيدٌ.وَأَبْعَد مِنْهُ: حَمْلُهُ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ لِذَلِكَ , وَلَوْ كَانَ مُرَادًا لَمْ يَحْصُلْ التَّفْرِيقُ بَيْن السِّبَابِ وَالْقِتَال، فَإِنَّ مُسْتَحِلَّ لَعْنِ الْمُسْلِم بِغَيْرِ تَأوِيل , يَكْفُرُ أَيْضًا.ثُمَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ تَأوِيل.وَمِثْل هَذَا الْحَدِيث: قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - " لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْض " , فَفِيهِ هَذِهِ الْأَجْوِبَة.وَنَظِيرُهُ قَوْلُه تَعَالَى {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} بَعْدَ قَوْلِه: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ} الْآيَة. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بَعْض الْأَعْمَال يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْكُفْر تَغْلِيظًا.وَأَمَّا قَوْله - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِم: " لَعْن الْمُسْلِم كَقَتْلِهِ " , فَلَا يُخَالِفُ هَذَا الْحَدِيث؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ فَوْقَ الْمُشَبَّه، وَالْقَدْرُ الَّذِي اِشْتَرَكَا فِيهِ: بُلُوُغ الْغَايَة فِي التَّأثِير , هَذَا فِي الْعَرْض، وَهَذَا فِي النَّفْس. فتح (١/ ١٦٧)فَالْمُؤْمِنُ إِذَا اِرْتَكَبَ مَعْصِيَةً , لَا يَكْفُر , لِأَنَّ الَله تَعَالَى أَبْقَى عَلَيْهِ اِسْمَ الْمُؤْمِن , فَقَالَ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا} ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة , فَأَصْلِحُوا بَيْن أَخَوَيْكُمْ}.وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إِذَا اِلْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا " , فَسَمَّاهُمَا مُسْلِمَيْنِ مَعَ التَّوَعُّدِ بِالنَّارِ.وَالْمُرَاد هُنَا: إِذَا كَانَتْ الْمُقَاتَلَةُ بِغَيْرِ تَأوِيل سَائِغ. فتح الباري (١/ ١٢٧)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute