للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا، وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ، فَإِنْ خَرَجْنَ فلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ , وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (١)

(خ) , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (٢) قَالَ: نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَة عِدَّتَهَا (٣) عِنْدَ أَهْلِهَا , فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ (٤) لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} (٥) قَالَ عَطَاءٌ: إِنْ شَاءَتْ (٦) اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهِ (٧) وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا (٨) وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ (٩) لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ (١٠) فَنَسَخَ السُّكْنَى (١١) فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ , وَلَا سُكْنَى لَهَا. (١٢)

الشرح (١٣)


(١) [البقرة/٢٤٠]
(٢) [البقرة/٢٤٠]
(٣) أَيْ: عِدَّةَ الْمَرْأَة الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجهَا.
(٤) لِأَنَّ السُّكْنَى تَبَعٌ لِلْعِدَّةِ، فَلَمَّا نُسِخَ الْحَوْل بِأَرْبَعَةِ الْأَشْهُر وَالْعَشْر , نُسِخَتْ السُّكْنَى أَيْضًا. عون المعبود (ج٥ص١٧١)
(٥) فَهَذِهِ الْآيَة الثَّانِيَة الَّتِي فِيهَا {غَيْر إِخْرَاج} مَنْسُوخَةٌ بِالْآيَةِ الْأُولَى.
(٦) أَيْ: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجهَا.
(٧) أَيْ: عِنْد أَهْل زَوْجهَا، وَلَفْظ الْبُخَارِيّ (عِنْد أَهْلهَا).عون المعبود (ج٥ص١٧١)
(٨) أَيْ: سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتهَا الْمُشَار إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّة لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْل}.عون المعبود (ج٥ص١٧١)
(٩) أَيْ: مِنْ بَيْت زَوْجهَا. عون المعبود - (ج ٥ / ص ١٧١)
(١٠) أَيْ: قَوْله تَعَالَى: {وَلَهُنَّ الرُّبُع مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَد , فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَد فَلَهُنَّ الثُّمُن}. عون المعبود
(١١) كَمَا نَسَخَتْ آيَة الْخُرُوج وَهِيَ {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاح عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ} وُجُوب الِاعْتِدَاد عِنْد أَهْل الزَّوْج. عون المعبود - (ج ٥ / ص ١٧١)
(١٢) (خ) ٤٢٥٧ , ٥٠٢٩ , (س) ٣٥٣١ , (د) ٢٣٠١
(١٣) قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة: أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجهَا , لَا سُكْنَى لَهَا , وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ , كَالنَّفَقَةِ , وَأَظْهَرهُمَا: الْوُجُوب.
وَمَذْهَب مَالِك أَنَّ لَهَا السُّكْنَى إِذَا كَانَتْ الدَّار مِلْكًا لِلْمَيِّتِ.
وقَالَ اِبْن بَطَّالٍ: أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ آيَة الْحَوْل مَنْسُوخَة , وَأَنَّ السُّكْنَى تَبَعٌ لِلْعِدَّةِ، فَلَمَّا نُسِخَ الْحَوْل فِي الْعِدَّة بِالْأَرْبَعَةِ أَشْهُر وَعَشْر , نُسِخَتْ السُّكْنَى أَيْضًا.
وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: لَمْ يَخْتَلِف الْعُلَمَاء أَنَّ الْعِدَّة بِالْحَوْلِ نُسِخَتْ إِلَى أَرْبَعَة أَشْهُر وَعَشْر , وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي قَوْله (غَيْرَ إِخْرَاج) فَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّهُ نُسِخَ أَيْضًا. فتح الباري - (ج ١٥ / ص ١٩٦)
وقَالَ اِبْن الْقَيِّم: اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي وُجُوب اِعْتِدَاد الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي مَنْزِلهَا، فَأَوْجَبَهُ عُمَر , وَعُثْمَان، وَرُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود , وَابْن عُمَر , وَأُمّ سَلَمَة , وَبِهِ يَقُول الثَّوْرِيّ , وَالْأَوْزاَعِيّ , وَإِسْحَاق , وَالْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة.
قَالَ ابْن عَبْد الْبَرّ: وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة فُقَهَاء الْأَمْصَار بِالْحِجَازِ وَالشَّام وَالْعِرَاق وَمِصْر.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس وَجَابِر وَعَائِشَة: تَعْتَدّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَقَالَ بِهِ جَابِر بْن زَيْد , وَالْحَسَن , وَعَطَاء.
ثُمَّ اِخْتَلَفَ الْمُوجِبُونَ لِمُلَازَمَةِ الْمَنْزِل فِيمَا إِذَا جَاءَهَا خَبَر وَفَاته فِي غَيْر مَنْزِلهَا , فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: تَعْتَدّ فِي مَنْزِلهَا.
وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيُّ , وَسَعِيد بْن الْمُسَيَّب: لَا تَبْرَح مِنْ مَكَانهَا الَّذِي أَتَاهَا فِيهِ نَعْي زَوْجهَا , وَحَدِيث الْفُرَيْعَة حُجَّة ظَاهِرَة لَا مُعَارِض لَهَا , وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاح عَلَيْكُمْ} فَإِنَّهَا نَسَخَتْ الِاعْتِدَاد فِي مَنْزِل الزَّوْج , فَالْمَنْسُوخ حُكْمٌ آخَر غَيْر الِاعْتِدَاد فِي الْمَنْزِل، وَهُوَ اِسْتِحْقَاقهَا لِلسُّكْنَى فِي بَيْت الزَّوْج الَّذِي صَارٍ لِلْوَرَثَةِ , وَصِيَّة أَوْصَى اللهُ بِهَا الْأَزْوَاج , تَقَدَّمَ بِهِ عَلَى الْوَرَثَة , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْمِيرَاثِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهَا اِسْتِحْقَاق فِي السُّكْنَى الْمَذْكُورَة.
فَإِنْ كَانَ الْمَنْزِل الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ الزَّوْج لَهَا , أَوْ بَذَلَ الْوَرَثَة لَهَا السُّكْنَى لَزِمَهَا الِاعْتِدَاد فِيهِ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ.
فَالْوَاجِب عَلَيْهَا فِعْل السُّكْنَى , لَا تَحْصِيل الْمَسْكَن، فَالَّذِي نُسِخَ إِنَّمَا هُوَ اِخْتِصَاصهَا بِسُكْنَى السُّنَّة , دُون الْوَرَثَة، وَاَلَّذِي أُمِرَتْ بِهِ أَنْ تَمْكُث فِي بَيْتهَا حَتَّى تَنْقَضِي عِدَّتهَا , وَلَا تَنَافِي بَيْن الْحُكْمَيْنِ وَالله أَعْلَم. عون المعبود (ج٥ص١٧١)