للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اِنْتِهَاءُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ بِالتَّفَرُّق

(د) , وَعَنْ أَبِي الْوَضِيءِ (١) قَالَ: غَزَوْنَا غَزْوَةً لَنَا فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا , فَبَاعَ صَاحِبٌ لَنَا فَرَسًا بِغُلَامٍ (٢) ثُمَّ أَقَامَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا فَلَمَّا أَصْبَحَا مِنْ الْغَدِ حَضَرَ الرَّحِيلُ , فَقَامَ إِلَى فَرَسِهِ يُسْرِجُهُ (٣) فَنَدِمَ (٤) فَأَتَى الرَّجُلَ وَأَخَذَهُ بِالْبَيْعِ (٥) فَأَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ , فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَبُو بَرْزَةَ صَاحِبُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَيَا أَبَا بَرْزَةَ - رضي الله عنه - فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ , فَقَالَا لَهُ هَذِهِ الْقِصَّةَ , فَقَالَ: أَتَرْضَيَانِ أَنْ أَقْضِيَ بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ , قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا " [و] مَا أَرَاكُمَا افْتَرَقْتُمَا (٦). (٧)


(١) اِسْمه عَبَّاد بْن نُسَيْب. عون المعبود - (ج ٧ / ص ٤٤٧)
(٢) أَيْ: بِعِوَضِ غُلَام، فَأَعْطَى صَاحِبه فَرَسًا لَهُ وَأَخَذَ الْغُلَام عَنْ الرَّجُل. عون المعبود - (ج ٧ / ص ٤٤٧)
(٣) أَيْ: لِيَضَع السَّرْج عَلَى فَرَسه لِلرُّكُوبِ. عون المعبود - (ج ٧ / ص ٤٤٧)
(٤) أَيْ: صَاحِب الْفَرَس عَلَى فِعْله وَهُوَ آخِذ الْغُلَام عِوَض الْفَرَس. عون المعبود - (ج ٧ / ص ٤٤٧)
(٥) أَيْ: أَخْذ صَاحِبُ الْفَرَسِ صَاحِبَ الْغُلَام لِفَسْخِ الْبَيْع وَلِرَدِّ مَبِيعه. عون المعبود - (ج ٧ / ص ٤٤٧)
(٦) أَيْ: مِنْ مَكَان الْبَيْع وَمَوْضِعه , بَلْ أَنْتُمَا تُقِيمَانِ فِيهِ , فَكَيْف لَا تَرُدَّانِ الْمَبِيع؟ , وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ أَبَا بَرْزَة كَانَ يَرَى التَّفَرُّق بِالْأَبْدَانِ , وَفِيهِ أَنَّ أَبَا بَرْزَة وَسَّعَ فِي الْمَجْلِس وَلَا يَتِمّ التَّفَرُّق بِالْأَبْدَانِ عِنْده حَتَّى يَتَفَرَّقَا جَمِيعًا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِع وَيَتْرُكَاهُ، لِأَنَّ أَبَا الْوَضِيء قَالَ: (ثُمَّ أَقَامَا بَقِيَّة يَوْمهمَا وَلَيْلَتهمَا)
وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ أَبُو بَرْزَة: مَا أَرَاكُمَا اِفْتَرَقْتُمَا , وَمِنْ الْمَعْلُوم أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا لَا بُدّ لَهُمَا أَنْ يَتَفَرَّقَا لِقَضَاءِ حَاجَتهمَا مِنْ أَكْل وَشُرْب وَنَوْم وَبَوْل وَغَائِط وَغَيْرهَا , نَعَمْ لَمْ يَتَفَرَّقَا مِنْ مَوْضِع قِيَامهمَا تَفَرُّق الْخُرُوج وَالِانْتِشَار إِلَّا مِنْ الْغَد، لَكِنْ الْحَدِيث فِي سُنَن التِّرْمِذِيّ بِلَفْظِ آخَر وَهَذِهِ عِبَارَته رُوِيَ عَنْ أَبِي بَرْزَة الْأَسْلَمِيّ " إِنَّ رَجُلَيْنِ اِخْتَصَمَا إِلَيْهِ فِي فَرَس بَعْدَمَا تَبَايَعَا فَكَانُوا فِي سَفِينَة فَقَالَ لَا أَرَاكُمَا اِفْتَرَقْتُمَا وَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا " وَالله أَعْلَم.
قَالَ الْحَافِظ اِبْن حَجَر: فَأَبُو بَرْزَة الصَّحَابِيّ حَمَلَ قَوْله - صلى الله عليه وسلم - (مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَلَى التَّفَرُّق بِالْأَبْدَانِ)، وَكَذَلِكَ حَمَلَهُ اِبْن عُمَر عَلَيْهِ , وَلَا يُعْلَم لَهُمَا مُخَالِف مِنْ الصَّحَابَة اِنْتَهَى.
وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ: وَبِهِ قَالَ اِبْن عُمَر وَشُرَيْح وَالشَّعْبِيّ وَطَاوُسٌ وَعَطَاء وَابْن أَبِي مُلَيْكَة اِنْتَهَى.
وَنَقَلَ اِبْن الْمُنْذِر الْقَوْل بِهِ أَيْضًا عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَالزُّهْرِيّ وَابْن أَبِي ذِئْب مِنْ أَهْل الْمَدِينَة، وَعَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْن جُرَيْجٍ، وَقَالَ اِبْن حَزْم لَا نَعْلَم لَهُمْ مُخَالِفًا مِنْ التَّابِعِينَ إِلَّا إِبْرَاهِيم النَّخَعِيَّ وَحْده، كَذَا فِي الْفَتْح.
قَالَ الْخَطَّابِيّ فِي الْمَعَالِم: أَكْثَر شَيْء سَمِعْت أَصْحَاب مَالِك يَحْتَجُّونَ بِهِ فِي رَدّ الْحَدِيث هُوَ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ الْعَمَل عَلَيْهِ عِنْدنَا , وَلَيْسَ لِلتَّفَرُّقِ حَدّ مَحْدُود يُعْلَم , قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ، أَمَّا قَوْله لَيْسَ الْعَمَل عَلَيْهِ عِنْدنَا فَإِنَّمَا هُوَ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَرُدّ هَذَا الْحَدِيث فَلَا أَعْمَل بِهِ، فَيُقَال لَهُ: الْحَدِيث حُجَّة فَلِمَ رَدَدْته وَلِمَ لَمْ تَعْمَل بِهِ؟ ,
قَالَ الشَّافِعِيّ: رَحِمَ الله مَالِكًا لَسْت أَدْرِي مَنْ اِتَّهَمَ فِي إِسْنَاد هَذَا الْحَدِيث، اِتَّهَمَ نَفْسه أَوْ نَافِعًا , وَأَعْظَمَ أَنْ يَقُول اِتَّهَمَ اِبْنَ عُمَر , وَأَمَّا قَوْله لَيْسَ لِلتَّفَرُّقِ حَدّ يُعْلَم فَلَيْسَ الْأَمْر عَلَى مَا تَوَهَّمَه، وَالْأَصْل فِي هَذَا وَنَظَائِره أَنْ يَرْجِع إِلَى عَادَة النَّاس وَعُرْفهمْ، وَيُعْتَبَر حَال الْمَكَان الَّذِي هُمَا فِيهِ مُجْتَمَعَانِ، فَإِذَا كَانَا فِي بَيْت فَإِنَّ التَّفَرُّق إِنَّمَا يَقَع بِخُرُوجِ أَحَدهمَا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَا فِي دَار وَاسِعَة فَانْتَقَلَ أَحَدهمَا مِنْ مَجْلِسه إِلَى بَيْت أَوْ صِفَة أَوْ نَحْو ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ فَارَقَ صَاحِبه وَإِنْ كَانَا فِي سُوق أَوْ عَلَى حَانُوت فَهُوَ أَنَّ يُوَلِّي عَنْ صَاحِبه وَيَخْطُو خُطُوَات وَنَحْوهَا , وَهَذَا كَالْعُرْفِ الْجَارِي وَالْعَادَة الْمَعْلُومَة فِي التَّقَابُض اِنْتَهَى كَلَام الْخَطَّابِيّ.
قَالَ النَّوَوِيّ تَحْت حَدِيث اِبْن عُمَر: هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِثُبُوتِ خِيَار الْمَجْلِس لِكُلِّ وَاحِد مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَعْد اِنْعِقَاد الْبَيْع حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ ذَلِكَ الْمَجْلِس بِأَبْدَانِهِمَا وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَابْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَأَبُو بَرْزَة الْأَسْلَمِيّ وَطَاوُسٌ وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَعَطَاء وَشُرَيْح الْقَاضِي وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالشَّعْبِيّ وَالزُّهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْن أَبِي ذِئْب وَسُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ وَالشَّافِعِيّ وَابْن الْمُبَارَك وَعَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عُبَيْد وَالْبُخَارِيّ وَسَائِر الْمُحَدِّثِينَ وَآخَرُونَ. قَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك: لَا يُثْبِتُ خِيَار الْمَجْلِس بَلْ يُلْزِم الْبَيْع بِنَفْسِ الْإِيجَاب وَالْقَبُول، وَبِهِ قَالَ رَبِيعَة، وَحُكِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ وَهُوَ رِوَايَة عَنْ الثَّوْرِيّ وَهَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة تَرُدّ عَلَى هَؤُلَاءِ وَلَيْسَ لَهُمْ عَنْهَا جَوَاب صَحِيح , وَالصَّوَاب ثُبُوته كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُور. عون المعبود - (ج ٧ / ص ٤٤٧)
(٧) (د) ٣٤٥٧ , (طل) ٩٢٢ , (هق) ١٠٢١٨