للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيق

(خ م ت حم) , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (" الْإِيمَانُ بِضْعٌ (١) وَسِتُّونَ شُعْبَةً (٢)) (٣) وفي رواية: (بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً (٤) وفي رواية: (أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ بَابًا (٥) وفي رواية: (بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَابًا (٦) (أَفْضَلُهَا وفي رواية: (أَعْلَاهَا) (٧) وفي رواية: (أَرْفَعُهَا) (٨) وفي رواية: (أَرْفَعُهَا وَأَعْلَاهَا) (٩) قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله (١٠) وَأَدْنَاهَا (١١) إِمَاطَةُ الْأَذَى (١٢) وفي رواية: (إِمَاطَةُ الْعَظْمِ) (١٣) عَنِ الطَّرِيقِ) (١٤) (وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ (١٥) مِنَ الْإِيمَانِ (١٦) ") (١٧)


(١) (البِضْع): عَدَدٌ مُبْهَمٌ مُقَيَّدٌ بِمَا بَيْن الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ , كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَزَّاز , وَيُرَجِّحُ مَا قَالَهُ الْقَزَّازُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلَبِثَ فِي السِّجْن بِضْع سِنِينَ}. (فتح - ح٩)
(٢) (شُعْبَة) أَيْ: قِطْعَة، وَالْمُرَادُ: الْخَصْلَة , أَوْ الْجُزْء. (فتح - ح٩)
(٣) (خ) ٩ , (م) ٣٥
(٤) (م) ٣٥ , (خد) ٥٩٨
(٥) (حم) ٨٩١٣ , وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
(٦) (ت) ٢٦١٤ , (جة) ٥٧
(٧) (حب) ١٩١ , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(٨) (ت) ٢٦١٤ , (جة) ٥٧
(٩) (حم) ٨٩١٣
(١٠) الْمُرَاد: الشَّهَادَةُ بِالتَّوْحِيدِ عَنْ صِدْقِ قَلْبٍ. حاشية السندي على ابن ماجه - (ج ١ / ص ٤٩)
(١١) أَيْ: أَقَلُّهَا مِقْدَارًا.
(١٢) (إِمَاطَة الْأَذَى): إِزَالَتُهُ، وَالْأَذَى: كُلُّ مَا يُؤْذِي مِنْ حَجَرٍ , أَوْ شَوْكٍ أَوْ غَيْرِهِ. تحفة الأحوذي (ج ٦ / ص ٤١٢)
(١٣) (د) ٤٦٧٦ , (حم) ٩٣٥٠
(١٤) (م) ٣٥ , (ت) ٢٦١٤
(١٥) أَيْ: شُعْبَةٌ عَظِيمَةٌ.
فَإِنْ قِيلَ: الْحَيَاءُ مِنْ الْغَرَائِزِ , فَكَيْفَ جُعِلَ شُعْبَةً مِنْ الْإِيمَان؟ ,
أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَرِيزَةً , وَقَدْ يَكُونُ تَخَلُّقًا، وَلَكِنَّ اِسْتِعْمَالَهُ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ يَحْتَاجُ إِلَى اِكْتِسَابٍ وَعِلْمٍ وَنِيَّةٍ، فَهُوَ مِنْ الْإِيمَانِ لِهَذَا، وَلِكَوْنِهِ بَاعِثًا عَلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ , وَحَاجِزًا عَنْ فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ. وَلَا يُقَالُ: رُبَّ حَيَاءٍ عَنْ قَوْلِ الْحَقِّ أَوْ فِعْلِ الْخَيْرِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ لَيْسَ شَرْعِيًّا.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ هُنَا؟ ,
أُجِيبَ بِأَنَّهُ كَالدَّاعِي إِلَى بَاقِي الشُّعَبِ، إِذْ الْحَيِيُّ يَخَافُ فَضِيحَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , فَيَأتَمِرُ وَيَنْزَجِرُ , وَالله الْمُوَفِّق. (فتح - ح٩)
(١٦) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمُعَلِّم: فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ الْإِيمَانَ الشَّرْعِيَّ اِسْمٌ بِمَعْنًى ذِي شُعَبٍ وَأَجْزَاءٍ , لَهَا أَعْلَى وَأَدْنَى، وَأَقْوَالٌ وَأَفْعَال، وَزِيَادَةٌ وَنُقْصَانٌ، فَالِاسْمُ يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِهَا كَمَا يَتَعَلَّقُ بِكُلِّهَا، وَالْحَقِيقَةُ تَقْتَضِي جَمِيعَ شُعَبِهَا، وَتَسْتَوْفِي جُمْلَةَ أَجْزَائِهَا , كَالصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ , لَهَا شُعَبٌ وَأَجْزَاءٌ، وَالِاسْمُ يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِهَا، وَالْحَقِيقَةُ تَقْتَضِي جَمِيعَ أَجْزَائِهَا وَتَسْتَوْفِيهَا، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْله " الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَان " فَأَخْبَرَ أَنَّ الْحَيَاءَ أَحَدُ الشُّعَب. عون (١٠/ ١٩٤)
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: تَكَلَّفَ جَمَاعَةٌ حَصْرَ هَذِهِ الشُّعَبِ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَاد , وَفِي الْحُكْمِ بِكَوْنِ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ صُعُوبَة، وَلَا يَقْدَحُ عَدَمُ مَعْرِفَةِ حَصْرِ ذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ فِي الْإِيمَان. أ. هـ
وَلَمْ يَتَّفِق مَنْ عَدَّ الشُّعَبَ عَلَى نَمَطٍ وَاحِد، وَأَقْرَبُهَا إِلَى الصَّوَابِ طَرِيقَة اِبْن حِبَّانَ، لَكِنْ لَمْ نَقِفْ عَلَى بَيَانِهَا مِنْ كَلَامه، وَقَدْ لَخَّصْتُ مِمَّا أَوْرَدُوهُ مَا أَذْكُرهُ، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الشُّعَبَ تَتَفَرَّعُ عَنْ أَعْمَالِ الْقَلْب، وَأَعْمَالِ اللِّسَان، وَأَعْمَالِ الْبَدَن , فَأَعْمَالُ الْقَلْب فِيهِ الْمُعْتَقَدَاتُ وَالنِّيَّات، وَتَشْتَمِلُ عَلَى أَرْبَع وَعِشْرِينَ خَصْلَة: الْإِيمَانُ بِاللهِ، وَيَدْخُل فِيهِ الْإِيمَان بِذَاتِهِ , وَصِفَاته , وَتَوْحِيده بِأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَاعْتِقَاد حُدُوث مَا دُونه , وَالْإِيمَان بِمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبه، وَرُسُله، وَالْقَدَر خَيْره وَشَرّه , وَالْإِيمَان بِالْيَوْمِ الْآخِر، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَسْأَلَة فِي الْقَبْر، وَالْبَعْث، وَالنُّشُور وَالْحِسَاب، وَالْمِيزَان، وَالصِّرَاط، وَالْجَنَّة وَالنَّار , وَمَحَبَّة الله , وَالْحُبّ وَالْبُغْض فِيهِ , وَمَحَبَّة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَاعْتِقَاد تَعْظِيمه، وَيَدْخُل فِيهِ الصَّلَاة عَلَيْهِ، وَاتِّبَاعُ سُنَّته , وَالْإِخْلَاص، وَيَدْخُل فِيهِ تَرْك الرِّيَاء وَالنِّفَاق , وَالتَّوْبَة , وَالْخَوْف , وَالرَّجَاء , وَالشُّكْر , وَالْوَفَاء , وَالصَّبْر , وَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالتَّوَكُّل , وَالرَّحْمَة , وَالتَّوَاضُع , وَيَدْخُل فِيهِ تَوْقِير الْكَبِير , وَرَحْمَة الصَّغِير , وَتَرْك الْكِبْر وَالْعُجْب , وَتَرْك الْحَسَد , وَتَرْك الْحِقْد , وَتَرْك الْغَضَب.
وَأَعْمَال اللِّسَان: وَتَشْتَمِل عَلَى سَبْع خِصَال: التَّلَفُّظ بِالتَّوْحِيدِ , وَتِلَاوَة الْقُرْآن , وَتَعَلُّم الْعِلْم , وَتَعْلِيمه , وَالدُّعَاء , وَالذِّكْر، وَيَدْخُل فِيهِ الِاسْتِغْفَار وَاجْتِنَاب اللَّغْو.
وَأَعْمَال الْبَدَن: وَتَشْتَمِل عَلَى ثَمَان وَثَلَاثِينَ خَصْلَة، مِنْهَا مَا يَخْتَصّ بِالْأَعْيَانِ , وَهِيَ خَمْس عَشْرَة خُصْلَة: التَّطْهِير حِسًّا وَحُكْمًا، وَيَدْخُل فِيهِ اِجْتِنَاب النَّجَاسَات وَسَتْر الْعَوْرَة , وَالصَّلَاة فَرْضًا وَنَفْلًا , وَالزَّكَاة كَذَلِكَ , وَفَكّ الرِّقَاب , وَالْجُود، وَيَدْخُل فِيهِ إِطْعَام الطَّعَام , وَإِكْرَام الضَّيْف , وَالصِّيَام فَرْضًا وَنَفْلًا , وَالْحَجّ، وَالْعُمْرَة كَذَلِكَ , وَالطَّوَاف , وَالِاعْتِكَاف , وَالْتِمَاس لَيْلَة الْقَدْر , وَالْفِرَار بِالدِّينِ وَيَدْخُل فِيهِ الْهِجْرَة مِنْ دَار الشِّرْك , وَالْوَفَاء بِالنَّذْرِ، وَالتَّحَرِّي فِي الْإِيمَان، وَأَدَاء الْكَفَّارَات.
وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالِاتِّبَاعِ، وَهِيَ سِتّ خِصَال: التَّعَفُّفُ بِالنِّكَاحِ، وَالْقِيَامُ بِحُقُوقِ الْعِيَال؛ وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ , وَيَدْخُلُ فِيهِ اِجْتِنَابُ الْعُقُوق , وَتَرْبِيَةُ الْأَوْلَاد , وَصِلَة الرَّحِم , وَطَاعَةُ السَّادَة , أَوْ الرِّفْق بِالْعَبِيدِ.
وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَامَّةِ، وَهِيَ سَبْعُ عَشْرَة خَصْلَة: الْقِيَامُ بِالْإِمْرَةِ مَعَ الْعَدْل وَمُتَابَعَة الْجَمَاعَة , وَطَاعَةُ أُولِي الْأَمْر , وَالْإِصْلَاحُ بَيْن النَّاس، وَيَدْخُلُ فِيهِ قِتَالُ الْخَوَارِج وَالْبُغَاة , وَالْمُعَاوَنَةُ عَلَى الْبِرّ، وَيَدْخُل فِيهِ الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ , وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر , وَإِقَامَة الْحُدُود , وَالْجِهَاد، وَمِنْهُ الْمُرَابَطَة , وَأَدَاء الْأَمَانَة، وَمِنْهُ أَدَاء الْخُمُس , وَالْقَرْضُ مَعَ وَفَائِهِ , وَإِكْرَام الْجَار , وَحُسْن الْمُعَامَلَة، وَفِيهِ جَمْعُ الْمَال مِنْ حِلِّه , وَإِنْفَاقُ الْمَالِ فِي حَقِّه.
وَمِنْهُ تَرْكُ التَّبْذِير وَالْإِسْرَاف , وَرَدِّ السَّلَام , وَتَشْمِيتِ الْعَاطِس , وَكَفِّ الْأَذَى عَنْ النَّاس , وَاجْتِنَابِ اللهو , وَإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيق.
فَهَذِهِ تِسْع وَسِتُّونَ خَصْلَة، وَيُمْكِن عَدّهَا تِسْعًا وَسَبْعِينَ خَصْلَة بِاعْتِبَارِ إِفْرَاد مَا ضُمَّ بَعْضه إِلَى بَعْض مِمَّا ذُكِرَ , وَالله أَعْلَم.
(فَائِدَة): فِي رِوَايَة مُسْلِم مِنْ الزِّيَادَة: " أَعْلَاهَا لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَة الْأَذَى عَنْ الطَّرِيق ", وَفِي هَذَا إِشَارَة إِلَى أَنَّ مَرَاتِبهَا مُتَفَاوِتَة. فتح الباري -ح٩
(١٧) (خ) ٩ , (م) ٣٥