للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بَوْلُ مَأكُولِ اللَّحْم

(ت) , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا المَدِينَةَ فَاجْتَوَوْهَا، " فَبَعَثَهُمُ النَّبِيُّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَقَالَ: اشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا " (١)

مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:

قال الشوكاني: وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِطَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْعِتْرَةِ وَالنَّخَعِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَطَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ، وَوَافَقَهُمْ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ حِبَّانَ وَالإِصْطَخْرِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. أَمَّا فِي الإِبِلِ فَبِالنَّصِّ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَبِالْقِيَاسِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِأُولَئِكَ الأَقْوَامِ فَلَمْ يُصِبْ إذْ الْخَصَائِصُ لا تَثْبُتُ إلا بِدَلِيلٍ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ تَقْرِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِمَنْ يَبِيعُ أَبْعَارَ الْغَنَمِ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَاسْتِعْمَالُ أَبْوَالِ الإِبِلِ فِي أَدْوِيَتِهِمْ. وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ الأَشْيَاءَ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى تَثْبُتَ النَّجَاسَةُ.

وَأُجِيبُ عَنْ التَّأيِيدِ الأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ لا يَجِبُ إنْكَارُهُ، وَعَنْ الاحْتِجَاجِ بِالْحَدِيثِ بِأَنَّهَا حَالَةٌ ضَرُورِيَّةٌ وَمَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ لا يُسَمَّى حَرَامًا وَقْتَ تَنَاوُلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} وَمِنْ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِالطَّهَارَةِ حَدِيثُ الإِذْنِ بِالصَّلاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ السَّابِقُ.

وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِأَنَّهَا لا تُؤْذِي كَالإِبِلِ، وَلا دَلالَةَ فِيهِ عَلَى جَوَازِ الْمُبَاشَرَةِ وَإِلا لَزِمَ نَجَاسَةُ أَبْوَالِ الإِبِلِ وَبَعْرِهَا لِلنَّهْيِ عَنْ الصَّلاةِ فِي مَبَارِكِهَا. وَيُرَدُّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ الصَّلاةَ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ تَسْتَلْزِمُ الْمُبَاشَرَةَ لآثَارِ الْخَارِجِ مِنْهَا، وَالتَّعْلِيلُ بِكَوْنِهَا لا تُؤْذِي أَمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ، وَالتَّعْلِيلُ لِلنَّهْيِ عَنْ الصَّلاةِ فِي مَعَاطِنِ الإِبِلِ بِأَنَّهَا تُؤْذِي الْمُصَلِّي، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَانِعُ لا مَا كَانَ فِي الْمَعَاطِنِ مِنْ الأَبْوَالِ وَالْبَعْرِ.

وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِحَدِيثِ " لا بَأسَ بِبَوْلِ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ " عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَالْبَرَاءِ مَرْفُوعًا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ الْحُسَيْنِ الْعُقَيْلِيِّ وَهُوَ وَاهٍ جِدًّا، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ذَاهِبُ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاهِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ الأَزْدِيُّ: ضَعِيفٌ جِدًّا.

وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَ عَنْ الثِّقَاتِ بِغَيْرِ حَدِيثٍ مُنْكَرٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. وَفِي إسْنَادِهِ أَيْضًا يَحْيَى بْنُ الْعَلاءِ أَبُو عُمَرَ الْبَجَلِيُّ الرَّازِيّ، قَدْ ضَعَّفُوهُ جِدًّا، قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَكَانَ وَكِيعٌ شَدِيدُ الْحَمْلِ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: كَذَّابٌ، وَقَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَقَالَ النَّسَائِيّ وَالأَزْدِيُّ: مَتْرُوكٌ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ " إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ " عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ دَوَاءٍ خَبِيثٍ " وَالتَّحْرِيمُ يَسْتَلْزِمُ النَّجَاسَةَ، وَالتَّحْلِيلُ يَسْتَلْزِمُ الطَّهَارَةَ، فَتَحْلِيلُ التَّدَاوِي بِهَا دَلِيلٌ عَلَى طَهَارَتِهَا، فَأَبْوَالُ الإِبِلِ وَمَا يَلْحَق بِهَا طَاهِرَةٌ.

وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الاخْتِيَارِ، وَأَمَّا فِي الضَّرُورَةِ فَلا يَكُونُ حَرَامًا كَالْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، فَالنَّهْيُ عَنْ التَّدَاوِي بِالْحَرَامِ بِاعْتِبَارِ الْحَالَةِ الَّتِي لا ضَرُورَةَ فِيهَا وَالإِذْنُ بِالتَّدَاوِي بِأَبْوَالِ الإِبِلِ بِاعْتِبَارِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ، وَإِنْ كَانَ خَبِيثًا حَرَامًا، وَلَوْ سَلِمَ فَالتَّدَاوِي إنَّمَا وَقَعَ بِأَبْوَالِ الإِبِلِ فَيَكُونُ خَاصًّا بِهَا، وَلا يَجُوزُ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ لِمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا " إنَّ فِي أَبْوَالِ الإِبِلِ شِفَاءً لِلذَّرِبَةِ بُطُونُهُمْ " ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ، وَالذَّرَبُ: فَسَادُ الْمَعِدَةِ، فَلا يُقَاسُ مَا ثَبَتَ أَنَّ فِيهِ دَوَاءً عَلَى مَا ثَبَتَ نَفْيُ الدَّوَاءِ عَنْهُ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ تَحْرِيمِ التَّدَاوِي بِالْحَرَامِ وَقَعَ فِي جَوَابِ مَنْ سَأَلَ عَنْ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَلا يَجُوزُ إلْحَاقُ غَيْرِ الْمُسْكِرِ بِهِ مِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ، لأَنَّ شُرْبَ الْمُسْكِرِ يَجُرُّ إلَى مَفَاسِدَ كَثِيرَةٍ، وَلأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ فِي الْخَمْرِ شِفَاءً، فَجَاءَ الشَّرْعُ بِخِلافِ ذَلِكَ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ قَصْرٌ لِلْعَامِّ عَلَى السَّبَبِ بِدُونِ مُوجِبٍ، وَالْمُعْتَبَرُ عُمُومُ اللَّفْظِ لا خُصُوصُ السَّبَبِ.

وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِنَجَاسَةِ جَمِيعِ الأَبْوَالِ وَالأَزْبَالِ، وَهُمْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ، وَنَسَبَهُ فِي الْفَتْحِ إلَى الْجُمْهُورِ، وَرَوَاهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ بِالْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: " إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَنْزِهُ عَنْ الْبَوْلِ " الْحَدِيثَ.

قَالُوا: يَعُمُّ جِنْسَ الْبَوْلِ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِبَوْلِ الإِنْسَانِ، وَلا أَخْرَجَ عَنْهُ بَوْلَ الْمَأكُولِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ غَايَةُ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ. وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَوْلُ الإِنْسَانِ لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: " كَانَ لا يَسْتَنْزِهُ مِنْ بَوْلِهِ ".

قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاسِ، فَالتَّعْرِيفُ فِي الْبَوْلِ لِلْعَهْدِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَرَادَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ كَانَ لا يَسْتَنْزِهُ مِنْ الْبَوْلِ: بَوْلِ الإِنْسَانِ لا بَوْلَ سَائِرِ الْحَيَوَانِ فَلا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي بَوْلِ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى الْخَطَّابِيِّ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى نَجَاسَةِ الأَبْوَالِ كُلِّهَا، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمُحَصِّلُ الرَّدِّ أَنَّ الْعُمُومَ فِي رِوَايَةِ مِنْ الْبَوْلِ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ لِقَوْلِهِ: " مِنْ بَوْلِهِ " أَوْ الأَلِفُ وَاللامُ بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ انْتَهَى.

وَالظَّاهِرُ طَهَارَةُ الأَبْوَالِ وَالأَزْبَالِ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ يُؤْكَلُ لَحْمه تَمَسُّكًا بِالأَصْلِ وَاسْتِصْحَابًا لِلْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ، وَالنَّجَاسَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ نَاقِلٌ عَنْ الْحُكْمِ الَّذِي يَقْتَضِيه الأَصْلُ وَالْبَرَاءَةُ فَلا يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعِيهَا إلا بِدَلِيلٍ يَصْلُحُ لِلنَّقْلِ عَنْهُمَا، وَلَمْ نَجِدْ لِلْقَائِلِينَ بِالنَّجَاسَةِ دَلِيلا كَذَلِكَ، وَغَايَةُ مَا جَاءُوا بِهِ حَدِيثُ صَاحِبِ الْقَبْرِ وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ مُرَادًا بِهِ الْخُصُوصَ كَمَا سَلَفَ عُمُومٌ ظَنِّيُّ الدَّلالَةِ لا يَنْتَهِضُ عَلَى مُعَارَضَةِ تِلْكَ الأَدِلَّةِ الْمُعْتَضِدَةِ بِمَا سَلَفَ، وَقَدْ طَوَّلَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فِي الْمُحَلَّى الْكَلامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا لَمْ نَجِدْهُ لِغَيْرِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يُدِرْ بَحْثَهُ عَلَى غَيْرِ حَدِيثِ صَاحِبِ الْقَبْرِ.

فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ الْحُكْمُ بِطَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَزَبْلِهِ لِمَا تَقَدَّمَ حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ غَيْرِ الْمَأكُولِ وَزِبْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ؟ قُلْت: قَدْ تَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ " إنَّهَا رِكْسٌ " قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّوْثَةِ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. وَبِمَا تَقَدَّمَ فِي بَوْلِ الآدَمِيِّ وَأَلْحَقُوا سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لا تُؤْكَلُ بِهِ بِجَامِعِ عَدَمِ الأَكْلِ وَهُوَ لا يَتِمُّ إلا بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ عِلَّةَ النَّجَاسَةِ عَدَمُ الأَكْلِ وَهُوَ مُنْتَقِضٌ بِالْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ زِبْلِ الْجَلالَةِ، وَالدَّفْعُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي زِبْلِ الْجَلالَةِ هُوَ الاسْتِقْذَارُ مَنْقُوضٌ بِاسْتِلْزَامِهِ لِنَجَاسَةِ كُلِّ مُسْتَقْذَرٍ كَالطَّاهِرِ إذَا صَارَ مُنْتِنًا، إلا أَنْ يُقَالَ: إنَّ زِبْلَ الْجَلالَةِ هُوَ مَحْكُومٌ بِنَجَاسَتِهِ لا لِلاسْتِقْذَارِ، بَلْ لِكَوْنِهِ عَيْنَ النَّجَاسَةِ الأَصْلِيَّةِ الَّتِي جَلَّتْهَا الدَّابَّةُ لِعَدَمِ الاسْتِحَالَةِ التَّامَّةِ.

وَأَمَّا الاسْتِدْلال بِمَفْهُومِ حَدِيثِ " لا بَأسَ بِبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ " الْمُتَقَدِّمِ فَغَيْرُ صَالِحٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ضَعْفِهِ الَّذِي لا يَصْلُحُ مَعَهُ لِلاسْتِدْلالِ بِهِ حَتَّى قَالَ ابْنُ حَزْمٍ إنَّهُ خَبَرٌ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ قَالَ: لأَنَّ فِي رِجَالِهِ سَوَّارُ بْنُ مُصْعَبٍ، وَهُوَ مَتْرُوكٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ النَّقْلِ مُتَّفَقٌ عَلَى تَرْكِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ، فَاَلَّذِي يَتَحَتَّمُ الْقَوْلُ بِهِ فِي الأَبْوَالِ وَالأَزْبَالِ هُوَ الاقْتِصَارُ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ الآدَمِيِّ وَزِبْلِهِ وَالرَّوْثَةِ.

وَقَدْ نَقَلَ التَّيْمِيُّ أَنَّ الرَّوْثَ مُخْتَصٌّ بِمَا يَكُونُ مِنْ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَلَكِنَّهُ زَادَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي رِوَايَتِهِ " إنَّهَا رِكْسٌ إنَّهَا رَوْثَةُ حِمَارٍ ".

وَأَمَّا سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا فَإِنَّ وَجَدْت فِي بَوْلِ بَعْضِهَا أَوْ زِبْلِهِ مَا يَقْتَضِي إلْحَاقُهُ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ طَهَارَةً أَوْ نَجَاسَةً أَلْحَقْته وَإِنْ لَمْ تَجِدْ، فَالْمُتَوَجِّهُ الْبَقَاءُ عَلَى الأَصْلِ وَالْبَرَاءَةِ كَمَا عَرَفْت.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْكَلامِ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ مَا لَفْظُهُ: فَإِذَا أُطْلِقَ الإِذْنُ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُشْتَرَطْ حَائِلا بَقِيَ مِنْ الأَبْوَالِ وَأُطْلِقَ الإِذْنُ فِي الشُّرْبِ لِقَوْمٍ حَدِيثِي الْعَهْدِ بِالإِسْلامِ جَاهِلِينَ بِأَحْكَامِهِ، وَلَمْ يَأمُرْهُمْ بِغَسْلِ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا يُصِيبُهُمْ مِنْهَا لأَجْلِ صَلاةٍ وَلا غَيْرِهَا مَعَ اعْتِيَادِهِمْ شُرْبَهَا، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِالطَّهَارَةِ انْتَهَى. نيل٣٧


(١) (ت) ١٨٤٥ , (م) ٩ - (١٦٧١) , (خ) ٦٥٠٣ , (جة) ٣٥٠٣ , (حم) ١٢٦٦٠