للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ، وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا , وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (١)

(خ م) , عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: (" رَكِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِمَارًا عَلَيْهِ إِكَافٌ (٢) تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ (٣) فَدَكِيَّةٌ (٤) وَأَرْدَفَنِي (٥) وَرَاءَهُ وَهُوَ يَعُودُ (٦) سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ - رضي الله عنه - فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ " - وَذَلِكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ - حَتَّى مَرَّ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ , وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ , وَالْيَهُودِ، وَفِيهِمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ - رضي الله عنه - فَلَمَّا غَشِيَتِ (٧) الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ (٨) الدَّابَّةِ، خَمَّرَ (٩) عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قَالَ: لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا (١٠) " فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ "، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ: أَيُّهَا الْمَرْءُ، لَا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا، فلَا تُؤْذِنَا فِي مَجَالِسِنَا وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ مِنَّا فَاقْصُصْ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ: بَلْ اغْشَنَا (١١) فِي مَجَالِسِنَا , فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ، حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَتَوَاثَبُوا، " فَلَمْ يَزَلِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُخَفِّضُهُمْ، ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ , فَقَالَ: أَيْ سَعْدُ، أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ؟ - يُرِيدُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ - قَالَ كَذَا وَكَذَا " , قَالَ: اعْفُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللهِ وَاصْفَحْ، فَوَاللهِ لَقَدْ أَعْطَاكَ اللهُ الَّذِي أَعْطَاكَ، وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبَحْرَةِ (١٢) عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُونَهُ (١٣) بِالْعِصَابَةِ (١٤) فَلَمَّا رَدَّ اللهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ، شَرِقَ بِذَلِكَ (١٥) فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ، " فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) (١٦) (وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمْ اللهُ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى، قَالَ اللهُ - عز وجل -: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا , وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} وَقَالَ اللهُ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (١٧) فَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَأَوَّلُ الْعَفْوَ مَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ، حَتَّى أَذِنَ اللهُ فِيهِمْ (١٨) فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَدْرًا فَقَتَلَ اللهُ بِهِ صَنَادِيدَ (١٩) كُفَّارِ قُرَيْشٍ , قَالَ ابْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ: هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ (٢٠) فَبَايَعُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا) (٢١).


(١) [آل عمران/١٨٦]
(٢) الإكاف: البرذعة.
(٣) القطيفة: كساء أو فِراش له أهداب.
(٤) فَدَكِيَّة: أي من صنع فَدَك، وهي بلدة مشهورة , على مرحلتين أو ثلاثة من المدينة.
(٥) أردفه: حمله خلفه.
(٦) العيادة: زيارة المريض.
(٧) أَيْ: أصابت.
(٨) العَجَاجة: الغبار.
(٩) خَمَّرَ الشَّيْء: غَطَّاه وستره.
(١٠) أَيْ: لا تثيروا علينا الغُبار.
(١١) أَيْ: جِئْ إلينا واحضُرْنا , وزُرْنا وخَالِطْنا.
(١٢) الْبَحْرَة: الْبَلْدَة , وَالْمُنْخَفَض مِنْ الْأَرْض , وَالرَّوْضَة الْعَظِيمَة , وَمُسْتَنْقَع الْمَاء وَاسْم مَدِينَة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَرْيَة بِالْبَحْرَيْنِ , وَكُلّ قَرْيَة لَهَا نَهَر جَارٍ وَمَاء نَاقِع , كَذَا فِي الْقَامُوس. عون المعبود - (ج ١٠ / ص ٤١)
(١٣) عَصَّبَه: تَوَّجَهُ وجعله مَلِكا.
(١٤) العِصَابة: العِمامة، والمراد أن يُرَئِّسُوهُ عليهم ويُسَوِّدُوه.
(١٥) أَيْ: كرهه وضايقه وغَصَّ به.
(١٦) (خ) ٥٨٩٩، (م) ١١٦ - (١٧٩٨)، (حم) ٢١٨١٥
(١٧) [البقرة/١٠٩]
(١٨) أَيْ: أَذِنَ اللهُ فِي قِتَالهمْ، أَيْ: فَتَرَكَ الْعَفْو عَنْهُمْ، وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهُ تَرَكَهُ أَصْلًا بَلْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَرْك الْقِتَال أَوَّلًا , وَوُقُوعه آخِرًا، وَإِلَّا فَعَفْوه - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَثِير مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُود بِالْمَنِّ وَالْفِدَاء , وَصَفْحه عَنْ الْمُنَافِقِينَ مَشْهُور فِي الْأَحَادِيث وَالسِّيَر. فتح الباري - (ج ١٢ / ص ٤٣٣)
(١٩) الصناديد: سادة الناس، وزعماؤهم، وعظماؤهم، وأشرافهم.
(٢٠) أَيْ: ظَهَرَ وَجْهُه. فتح الباري - (ج ١٢ / ص ٤٣٣)
(٢١) (خ) ٤٢٩٠