للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السَّلَامُ عَلَى الْكَافِر

(م د) , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (" لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ) (١) (وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي الطَّرِيقِ , فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ") (٢)

الشرح (٣)


(١) (م) ١٣ - (٢١٦٧) , (د) ٥٢٠٥ , (ت) ١٦٠٢
(٢) (د) ٥٢٠٥ , (خد) ١١٠٣ , (م) ١٣ - (٢١٦٧) , (ت) ١٦٠٢
(٣) قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّمَا مَعْنَى الْكَرَاهِيَةِ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَعْظِيمًا لَهُمْ , وَإِنَّمَا أُمِرَ الْمُسْلِمُونَ بِتَذْلِيلِهِمْ , وَكَذَلِكَ إِذَا لَقِيَ أَحَدَهُمْ فِي الطَّرِيقِ , فَلَا يَتْرُكْ الطَّرِيقَ لَهُ , لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمًا لَهُمْ.
قال الألباني في الصَّحِيحَة تحت حديث ٧٠٤: جَمَعَنا مجلسٌ فيه طائفةٌ من أصحابنا أهل الحديث , فوردَ سؤالٌ عن جواز بَدء غيرِ المسلم بالسلام، فأجبت بالنفي محتجا بهذا الحديث، فأبدى أحدُهم فهما للحديث مؤدَّاه أن النهي الذي فيه , إنما هو إذا لقيه في الطريق , وأما إذا أتاه في حانوته أو منزله , فلا مانع من بدئه بالسلام! , ثم جرى النقاشُ حوله طويلا , وكلٌّ يُدلي بما عنده مِن رأي، وكان مِن قولي يومئذ: أن قوله: " لَا تبدؤوا " مُطْلق، ليس مقيدا بالطريق , وأن قوله: " وإذا لقيتم أحدهم في طريق ... " لَا يقيِّده، فإنه من عطف الجملة على الجملة، ودعمتُ ذلك بالمعنى الذي تضَمَّنَتْهُ هذه الجملة، وهو أن اضطرارهم إلى أضيق الطرق , إنما هو إشارة إلى ترك إكرامهم لكفرهم، فناسبَ أن لَا يُبادؤوا من أجل ذلك بالسلام لهذا المعنى، وذلك يقتضي تعميمَ الحكم.
هذا ما ذكرته يومئذ، ثم وجدتُ ما يقويه ويشهد له في عدة روايات:
الأولى: قول راوي الحديث سهيل بن أبي صالح: " خرجت مع أبي إلى الشام، فكان أهل الشام يمرُّون بأهل الصوامع , فيسلمون عليهم، فسمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ... " فذكره. أخرجه أحمد (٢/ ٣٤٦) وأبو داود بسند صحيح على شرط مسلم. فهذا نصٌّ من راوي الحديث - وهو أبو صالح , واسمه ذكوان , تابعي ثقة - أن النهي يشمل الكتابِيَّ , ولو كان في منزله ولم يكن في الطريق , وراوي الحديث أدرى بمرويِّه من غيره، فلا أقلَّ من أن يصلُح للاستعانة به على الترجيح.
ولا يُشْكِل على هذا لفظ الحديث عند البخاري في " أدبه " (١١١١) وأحمد في " مسنده " (٢/ ٤٤٤): " إذا لقيتم المشركين في الطريق، فلا تبدؤوهم بالسلام , واضطروهم إلى أضيقها " , فإنه شاذ بهذا اللفظ، فقد أخرجه البخاري أيضا (١١٠٣) ومسلم وأحمد (٢/ ٢٦٦، ٤٥٩) وغيرهما من طرق عن سهيل بن أبي صالح باللفظ المذكور أعلاه.
الثانية: عن أبي عثمان النهدي قال: " كتب أبو موسى إلى رهبان يسلم عليه في كتابه، فقيل له: أتسلم عليه وهو كافر؟! , قال: إنه كَتَب إليَّ، فسلم عليَّ ورددتُ عليه ". أخرجه البخاري في " أدبه " (١١٠١) بسند جيد.
ووجه الاستدلال به أن قول القائل" أتسلم عليه وهو كافر " يشعر بأن بَدْءَ الكافر بالسلام كان معروفا عندهم أنه لَا يجوز على وجه العموم , وليس خاصا بلقائه في الطريق، ولذلك استنكر ذلك السائل على أبي موسى , وأقره هذا عليه ولم ينكره , بل اعتذر بأنه فَعلَ ذلك ردًّا عليه , لَا مُبتدئا به، فثبت المُراد.
الثالثة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كتب إلى هرقل ملك الروم وهو في الشام , لم يبدأه بالسلام، وإنما قال فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى ... " أخرجه البخاري ومسلم وهو في " الأدب المفرد " (١١٠٩) , فلو كان النهي المذكور خاصًّا بالطريق لبادأه صلى الله عليه وسلم بالسلام الإسلامي، ولم يقل له: " سلام على من اتبع الهدى ". أ. هـ