للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اِنْعِقَادُ الْيَمِينِ بِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى

(خ م) , وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (" مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا) (١) (مُتَعَمِّدًا , فَهُوَ كَمَا قَال (٢) ") (٣)


(١) (م) ١٧٦ - (١١٠) , (خ) ١٢٩٧
(٢) قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد: الْحَلِف بِالشَّيْءِ حَقِيقَة هُوَ الْقَسَم بِهِ وَإِدْخَال بَعْض حُرُوف الْقَسَم عَلَيْهِ , كَقَوْلِهِ وَالله , وَالرَّحْمَن، وَقَدْ يُطْلَق عَلَى التَّعْلِيق بِالشَّيْءِ يَمِينٌ , كَقَوْلِهِمْ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ , فَالْمُرَاد تَعْلِيق الطَّلَاق , وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الْحَلِف لِمُشَابَهَتِهِ بِالْيَمِينِ فِي اِقْتِضَاء الْحِنْث وَالْمَنْع، وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد الْمَعْنَى الثَّانِي , لِقَوْلِهِ " كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا " وَالْكَذِب يَدْخُل الْقَضِيَّة الْإِخْبَارِيَّة الَّتِي يَقَع مُقْتَضَاهَا تَارَة وَلَا يَقَع أُخْرَى، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلنَا: وَاللهِ وَمَا أَشْهَدُ , فَلَيْسَ الْإِخْبَار بِهَا عَنْ أَمْر خَارِجِيّ بَلْ هِيَ لِإِنْشَاءِ الْقَسَم , فَتَكُون صُورَة الْحَلِف هُنَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدهمَا: أَنْ يَتَعَلَّق بِالْمُسْتَقْبَلِ كَقَوْلِهِ إِنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ، وَالثَّانِي: يَتَعَلَّق بِالْمَاضِي , كَقَوْلِهِ إِنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ، وَقَدْ يَتَعَلَّق بِهَذَا مَنْ لَمْ يَرَ فِيهِ الْكَفَّارَة لِكَوْنِهِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كَفَّارَةً بَلْ جَعَلَ الْمُرَتَّب عَلَى كَذِبِهِ قَوْله " فَهُوَ كَمَا قَالَ " قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد: وَلَا يَكْفُرُ فِي صُورَة الْمَاضِي إِلَّا إِنْ قَصَدَ التَّعْظِيم، وَفِيهِ خِلَاف عِنْد الْحَنَفِيَّة , لِكَوْنِهِ يَتَخَيَّر مَعْنًى فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنْ كَانَ لَا يَعْلَم أَنَّهُ يَمِين لَمْ يَكْفُر , وَإِنْ كَانَ يَعْلَم أَنَّهُ يَكْفُر بِالْحِنْثِ بِهِ كَفَرَ لِكَوْنِهِ رَضِيَ بِالْكُفْرِ حِين أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْل، وَقَالَ بَعْض الشَّافِعِيَّة: ظَاهِر الْحَدِيث أَنَّهُ يُحْكَم عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ إِذَا كَانَ كَاذِبًا وَالتَّحْقِيق التَّفْصِيل , فَإِنْ اِعْتَقَدَ تَعْظِيم مَا ذَكَرَ كَفَرَ , وَإِنْ قَصَدَ حَقِيقَة التَّعْلِيق فَيُنْظَرُ , فَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَكُون مُتَّصِفًا بِذَلِكَ كَفَرَ؛ لِأَنَّ إِرَادَة الْكُفْرِ كُفْرٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْبُعْد عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكْفُرْ، لَكِنْ هَلْ يَحْرُم عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ يُكْرَه تَنْزِيهًا؟ الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُور , وَقَوْله " كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا " يُسْتَفَاد مِنْهَا أَنَّ الْحَالِف الْمُتَعَمِّدَ إِنْ كَانَ مُطْمَئِنَّ الْقَلْب بِالْإِيمَانِ وَهُوَ كَاذِب فِي تَعْظِيم مَا لَا يَعْتَقِد تَعْظِيمه لَمْ يَكْفُرْ، وَإِنْ قَالَهُ مُعْتَقِدًا لِلْيَمِينِ بِتِلْكَ الْمِلَّة لِكَوْنِهَا حَقًّا كَفَرَ، وَإِنْ قَالَهَا لِمُجَرَّدِ التَّعْظِيم لَهَا اِحْتَمَلَ ,
قُلْت: وَيَنْقَدِح بِأَنْ يُقَال إِنْ أَرَادَ تَعْظِيمهَا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَتْ قَبْل النَّسْخ لَمْ يَكْفُرْ أَيْضًا , وَلِهَذِهِ الْخَصْلَة فِي حَدِيث ثَابِت بْن الضَّحَّاك شَاهِد مِنْ حَدِيث بُرَيْدَة أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ " مَنْ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَام فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْلَام سَالِمًا " , يَعْنِي إِذَا حَلَفَ بِذَلِكَ، وَهُوَ يُؤَيِّد التَّفْصِيلَ الْمَاضِيَ، وَيُخَصَّصُ بِهَذَا عُمُوم الْحَدِيث الْمَاضِي. فتح الباري (ج ١٩ / ص ٨)
(٣) (خ) ١٢٩٧ , (م) ١٧٦ - (١١٠) , (ت) ١٥٤٣ , (س) ٣٧٧٠ , (د) ٣٢٥٧ , (جة) ٢٠٩٨ , (حم) ١٦٤٣٣ , وصححه الألباني في الإرواء: ٢٥٧٥