للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م) , وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ (١) قَالَ: (مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ (٢) فَإِذَا أَنَا بِأَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه -) (٣) (فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْزَلَكَ بِهَذِهِ الْأَرْضِ؟) (٤) (فَقَالَ: كُنْتُ بِالشَّامِ (٥) فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ} (٦)) (٧) (فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا نَزَلَتْ هَذِهِ فِينَا , إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ) (٨) (فَقُلْتُ لَهُ: نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ , فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي ذَاكَ , فَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ - رضي الله عنه - يَشْكُونِي , فَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَانُ أَنْ اقْدَمْ الْمَدِينَةَ , فَقَدِمْتُهَا , فَكَثُرَ عَلَيَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ (٩) فَذَكَرْتُ ذَاكَ لِعُثْمَانَ , فَقَالَ لِي: إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ فَكُنْتَ قَرِيبًا , فَذَاكَ الَّذِي أَنْزَلَنِي هَذَا الْمَنْزِلَ , وَلَوْ أَمَّرُوا عَلَيَّ حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ) (١٠) (فَإِنَّ خَلِيلِي " أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ , وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ ") (١١)

الشرح (١٢)


(١) هُوَ التَّابِعِيُّ الْكَبِيرُ الْكُوفِيّ , أَحَد الْمُخَضْرَمِينَ. فتح الباري (٤/ ٤٩٥)
(٢) (الرَّبَذَة) قرية بقرب المدينة على ثلاث مراحل منها, بقرب ذات عِرْق. فيض القدير - (ج ٤ / ص ٣٣٥)
(٣) (خ) ١٣٤١
(٤) (خ) ٤٣٨٤
(٥) يَعْنِي بِدِمَشْق، وَمُعَاوِيَةُ إِذْ ذَاكَ عَامِلُ عُثْمَانَ عَلَيْهَا , وَقَدْ بَيَّنَ السَّبَبَ فِي سُكْنَاهُ الشَّامَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْف عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ:
" اِسْتَأذَنَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى عُثْمَان , فَقَالَ: إِنَّهُ يُؤْذِينَا، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ لَهُ عُثْمَان: أَنْتَ الَّذِي تَزْعُم أَنَّك خَيْرٌ مِنْ أَبِي بَكْر وَعُمَر؟ , قَالَ: لَا، وَلَكِنْ سَمِعْت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُول: إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبكُمْ مِنِّي , مَنْ بَقِيَ عَلَى الْعَهْد الَّذِي عَاهَدْتُه عَلَيْهِ، وَأَنَا بَاقٍ عَلَى عَهْده " , قَالَ: فَأَمَرَ أَنْ يَلْحَقَ بِالشَّامِ , فَكَانَ يُحَدِّثُهُمْ وَيَقُول: لَا يَبِيتَنَّ عِنْدَ أَحَدِكُمْ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِلَّا مَا يُنْفِقُهُ فِي سَبِيل الله , أَوْ يُعِدُّهُ لِغَرِيمٍ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عُثْمَان: إِنْ كَانَ لَكَ بِالشَّامِ حَاجَةٌ فَابْعَثْ إِلَى أَبِي ذَرّ, فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ أَنْ اِقْدَمْ عَلَيَّ، فَقَدِم. فتح الباري (ج ٤ / ص ٤٩٥)
(٦) [التوبة/٣٤]
(٧) (خ) ١٣٤١
(٨) (خ) ٤٣٨٤
(٩) أَيْ: كَثُرُوا عَلَيْهِ يَسْأَلُونَهُ عَنْ سَبَبِ خُرُوجِهِ مِنْ الشَّام، فَخَشِيَ عُثْمَانُ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَا خَشِيَهُ مُعَاوِيَةُ عَلَى أَهْلِ الشَّام. فتح الباري (٤/ ٤٩٥)
(١٠) (خ) ١٣٤١
(١١) (م) ٦٤٨
(١٢) أَيْ: مَقْطُوعَ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ، وَالْمُجَدَّع: أَرْدَأُ الْعَبِيد , لِخِسَّتِهِ وَقِلَّةِ قِيمَتِه وَمَنْفَعَتِه , وَنُفْرَةِ النَّاسِ مِنْهُ.
وَفِي هَذَا الحديثِ الْحَثُّ عَلَى طَاعَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَة.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْف يَكُونُ الْعَبْدُ إِمَامًا؟ , وَشَرْطُ الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا قُرَشِيًّا سَلِيم الْأَطْرَاف؟.
فَالْجَوَاب مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا: أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَغَيْرُهَا إِنَّمَا تُشْتَرَطُ فِيمَنْ تُعْقَدُ لَهُ الْإِمَامَةُ بِاخْتِيَارِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْد، وَأَمَّا مَنْ قَهَرَ النَّاسَ لِشَوْكَتِهِ وَقُوَّةِ بَأسِهِ وَأَعْوَانِه , وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ , وَانْتَصَبَ إِمَامًا, فَإِنَّ أَحْكَامَهُ تَنْفُذ، وَتَجِبُ طَاعَتُه , وَتَحْرُمُ مُخَالَفَتُه فِي غَيْرِ مَعْصِيَة , عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا أَوْ فَاسِقًا , بِشَرْطِ أَنْ يَكُون مُسْلِمًا.
والْجَوَاب الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَكُونُ إِمَامًا، بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يُفَوِّضُ إِلَيْهِ الْإِمَامُ أَمْرًا مِنْ الْأُمُور , أَوْ اِسْتِيفَاءَ حَقٍّ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. (النووي - ج ٢ / ص ٤٤٥)
وَقَدْ عَكَسَهُ بَعْضُهُمْ , فَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْإِمَامَةِ فِي غَيْرِ قُرَيْش، وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ، إِذْ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْإِجْزَاءِ وَالْجَوَاز، وَاللهُ أَعْلَم. فتح الباري (٣/ ٣٢)
وفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ: مُلَاطَفَةُ الْأَئِمَّةِ لِلْعُلَمَاءِ، فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَجْسُرْ عَلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ حَتَّى كَاتَبَ مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ فِي أَمْرِه، وَعُثْمَانُ لَمْ يَحْنَقْ عَلَى أَبِي ذَرٍّ , مَعَ كَوْنِهِ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي تَأوِيلِه , وَلَمْ يَأمُرْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ , لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ مُجْتَهِدًا.
وَفِيهِ التَّحْذِيرُ مِنْ الشِّقَاقِ وَالْخُرُوجِ عَلَى الْأَئِمَّة، وَالتَّرْغِيبِ فِي الطَّاعَةِ لِأُولِي الْأَمْر. وَأَمْرُ الْأَفْضَلِ بِطَاعَةِ الْمَفْضُول , خَشْيَةَ الْمَفْسَدَة.
وَجَوَازُ الِاخْتِلَافِ فِي الِاجْتِهَاد. وَالْأَخْذُ بِالشِّدَّةِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ , وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى فِرَاقِ الْوَطَن. فتح الباري (ج ٤ / ص ٤٩٥)