للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(م) , وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَا عِبَادِي , إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي , وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا , فلَا تَظَالَمُوا (١) يَا عِبَادِي , كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ (٢) فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ (٣) يَا عِبَادِي , كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ , فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ , يَا عِبَادِي , كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ , فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ (٤) يَا عِبَادِي , إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ , وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا , فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ , يَا عِبَادِي , إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي , يَا عِبَادِي , لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ , وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ , كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ , مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا , يَا عِبَادِي , لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ , وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ , كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ , مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا , يَا عِبَادِي , لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ , وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ , قَامُوا فِي صَعِيدٍ (٥) وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي , فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ , مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يُنْقِصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ (٦) يَا عِبَادِي , إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ , ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا , فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللهَ (٧) وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ , فلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ " (٨)


(١) أَيْ: لَا تَتَظَالَمُوا، وَالْمُرَاد لَا يَظْلِمْ بَعْضكُمْ بَعْضًا. شرح النووي (٨/ ٣٨٤)
(٢) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمْ خُلِقُوا عَلَى الضَّلَالِ , إِلَّا مَنْ هَدَاهُ اللهُ تَعَالَى , وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُور " كُلّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَة " فَيَكُون الْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَوْ تُرِكُوا وَمَا فِي طِبَاعِهِمْ مِنْ إِيثَارِ الشَّهَوَاتِ وَالرَّاحَةِ وَإِهْمَالِ النَّظَرِ , لَضَلُّوا , وَهَذَا الثَّانِي أَظْهَر , وَفِي هَذَا دَلِيل لِمَذْهَبِ أَصْحَابنَا وَسَائِر أَهْلِ السُّنَّة أَنَّ الْمُهْتَدِي هُوَ مَنْ هَدَاهُ اللهُ، وَبِهُدَى اللهِ اِهْتَدَى، وَبِإِرَادَةِ اللهِ تَعَالَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِنَّمَا أَرَادَ هِدَايَةَ بَعْضِ عِبَادِهِ , وَهُمْ الْمُهْتَدُونَ، وَلَمْ يُرِدْ هِدَايَةَ الْآخَرِينَ، وَلَوْ أَرَادَهَا لَاهْتَدَوْا، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلهمْ الْفَاسِد: " أَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَرَادَ هِدَايَة الْجَمِيع " , جَلَّ اللهُ أَنْ يُرِيدَ مَا لَا يَقَعُ، أَوْ يَقَعُ مَا لَا يُرِيدُ. شرح النووي على مسلم (٨/ ٣٨٤)
(٣) أَيْ: اطلبوا مني الهداية أَهْدِكُم. شرح الأربعين النووية (ج ١ / ص ٢٣)
(٤) قوله: " كلكم ضال إلا من هديته وكلكم جائع إلا من أطعمته وكلكم عارٍ إلا من كسوته " تنبيهٌ على فقرِنا وعَجْزِنا عن جلب مَنافعنا , ودفع مَضارِّنا إلا أن يُعيننا الله سبحانه على ذلك , وهو يرجع إلى معنى (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وليعلم العبد أنه إذا رأى آثارَ هذه النعمة عليه , أن ذلك من عند الله , ويتعين عليه شكر الله تعالى , وكلما ازداد من ذلك , يزيد في الحمد والشكر لله تعالى. شرح الأربعين النووية (ج ١ / ص ٢٢)
(٥) الصعيد: الأرض الواسعة المستوية.
(٦) (الْمِخْيَط) هُوَ الْإِبْرَة: قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا تَقْرِيبٌ إِلَى الْأَفْهَام، وَمَعْنَاهُ لَا يَنْقُصُ شَيْئًا أَصْلًا , كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيث الْآخَر: " لَا يَغِيضُهَا نَفَقَة " , أَيْ: لَا يُنْقِصُهَا نَفَقَة؛ لِأَنَّ مَا عِنْدَ اللهِ لَا يَدْخُلُهُ نَقْص، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ النَّقْصُ الْمَحْدُودَ الْفَانِي، وَعَطَاءُ اللهِ تَعَالَى مِنْ رَحْمَتِهِ وَكَرَمِه، وَهُمَا صِفَتَانِ قَدِيمَتَانِ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِمَا نَقْصٌ، فَضَرَبَ الْمَثَلَ بِالْمِخْيَطِ فِي الْبَحْر، لِأَنَّهُ غَايَةَ مَا يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الْقِلَّة، وَالْمَقْصُودُ التَّقْرِيبُ إِلَى الْأَفْهَام بِمَا شَاهَدُوهُ؛ فَإِنَّ الْبَحْرَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَرْئِيَّات عَيَانًا وَأَكْبَرِهَا، وَالْإِبْرَةُ مِنْ أَصْغَرِ الْمَوْجُودَات، مَعَ أَنَّهَا صَقِيلَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَاءٌ. وَالله أَعْلَم. شرح النووي على مسلم - (ج ٨ / ص ٣٨٤)
(٧) أَيْ: لا يُسْنِد طاعتَه وعبادتَه من عمله لنفسه , بل يُسْنِدُها إلى التوفيق , ويَحمد اللهَ على ذلك. شرح الأربعين النووية (ج ١ / ص ٢٣)
(٨) (م) ٥٥ - (٢٥٧٧) , (حم) ٢١٤٥٨