للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(طب) , وَعَنْ زُرَارَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ , إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} , قَالَ: نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ مِنْ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ , يُكَذِّبُونَ بِقَدَرِ اللهِ (١) " (٢)


(١) قال النووي في شرح مسلم - (ج ١ / ص ٧٠): اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَب أَهْل الْحَقّ إِثْبَات الْقَدَر , وَمَعْنَاهُ: أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدَّرَ الْأَشْيَاء فِي الْقِدَم، وَعَلِمَ سُبْحَانه أَنَّهَا سَتَقَعُ فِي أَوْقَات مَعْلُومَة عِنْدَه سُبْحَانَه وَتَعَالَى , وَعَلَى صِفَاتٍ مَخْصُوصَة , فَهِيَ تَقَعُ عَلَى حَسْبِ مَا قَدَّرَهَا سُبْحَانه وَتَعَالَى.
وَأَنْكَرَتْ الْقَدَرِيَّةُ هَذَا , وَزَعَمْت أَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى لَمْ يُقَدِّرْهَا , وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عِلْمُهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِهَا , وَأَنَّهَا مُسْتَأنَفَةُ الْعِلْمِ , أَيْ: إِنَّمَا يَعْلَمُهَا سُبْحَانَهُ بَعْدَ وُقُوعِهَا , وَكَذَبُوا عَلَى اللهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى , وَجَلَّ عَنْ أَقْوَالِهِمْ الْبَاطِلَة عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ قَدَرِيَّةً لِإِنْكَارِهِمْ الْقَدَرَ , قَالَ أَصْحَاب الْمَقَالَات مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ: وَقَدْ اِنْقَرَضَتْ الْقَدَرِيَّة الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْل الشَّنِيع الْبَاطِل، وَلَمْ يَبْقَ أَحَد مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ عَلَيْهِ، وَصَارَتْ الْقَدَرِيَّةُ فِي الْأَزْمَانِ الْمُتَأَخِّرَةِ تَعْتَقِدُ إِثْبَات الْقَدَرِ؛ وَلَكِنَّهُم يَقُولُونَ: الْخَيْرُ مِنْ اللهِ , وَالشَّرُّ مِنْ غَيْره، تَعَالَى اللهُ عَنْ قَوْلِهِمْ , وَقَدْ حَكَى أَبُو الْمَعَالِي إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ (الْإِرْشَاد فِي أُصُول الدِّين) أَنَّ بَعْضَ الْقَدَرِيَّة قَالَ: لَسْنَا بِقَدَرِيَّةٍ , بَلْ أَنْتُمْ الْقَدَرِيَّة , لِاعْتِقَادِكُمْ إِثْبَاتَ الْقَدَر ,
قَالَ الْإِمَام: هَذَا تَمْوِيهٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ وَمُبَاهَتَة؛ فَإِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ يُفَوِّضُونَ أُمُورهُمْ إِلَى الله سُبْحَانه وَتَعَالَى, وَيُضِيفُونَ الْقَدَرَ وَالْأَفْعَالَ إِلَى اللهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَهَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ يُضِيفُونَهُ إِلَى أَنْفُسهمْ، وَمُدَّعِي الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ وَمُضِيفُهُ إِلَيْهَا أَوْلَى بِأَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ مِمَّنْ يَعْتَقِدهُ لِغَيْرِهِ، وَيَنْفِيه عَنْ نَفْسه.
قَالَ الْإِمَامُ: وَقَدْ قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ " شَبَّهَهُمْ بِهِمْ لِتَقْسِيمِهِمْ الْخَيْر وَالشَّرّ فِي حُكْمِ الْإِرَادَةِ , كَمَا قَسَّمَتْ الْمَجُوسُ , فَصَرَفَتْ الْخَيْرَ إِلَى (يزدان) وَالشَّرَّ إِلَى (أهرمن) وَلَا خَفَاءَ بِاخْتِصَاصِ هَذَا الْحَدِيث بِالْقَدَرِيَّةِ. أ. هـ كَلَام الْإِمَام.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا جَعَلَهُمْ - صلى الله عليه وسلم - مَجُوسًا لِمُضَاهَاةِ مَذْهَبِهمْ مَذْهَبَ الْمَجُوسِ فِي قَوْلِهِمْ بِالْأَصْلَيْنِ: النُّورِ وَالظُّلْمَةِ , يَزْعُمُونَ أَنَّ الْخَيْرَ مِنْ فِعْلِ النُّورِ، وَالشَّرَّ مِنْ فِعْلِ الظُّلْمَة، وَكَذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ , يُضِيفُونَ الْخَيْرَ إِلَى الله تَعَالَى , وَالشَّرَّ إِلَى غَيْره، وَاللهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى خَالِقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ جَمِيعًا , لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُمَا إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ فَهُمَا مُضَافَانِ إِلَيْهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى , خَلْقًا وَإِيجَادًا , وَإِلَى الْفَاعِلَيْنِ لَهُمَا مِنْ عِبَاده فِعْلًا وَاكْتِسَابًا , وَالله أَعْلَمُ.
وقال الحافظ في الفتح (ح٥٠): وَالْقَدَرِيَّة الْيَوْم مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ اللهَ عَالِمٌ بِأَفْعَالِ الْعِبَاد قَبْل وُقُوعهَا، وَإِنَّمَا خَالَفُوا السَّلَف فِي زَعْمِهِمْ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَقْدُورَةٌ لَهُمْ , وَوَاقِعَة مِنْهُمْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِقْلَال، وَهُوَ - مَعَ كَوْنه مَذْهَبًا بَاطِلًا - أَخَفُّ مِنْ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ , وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ , فَأَنْكَرُوا تَعَلُّقَ الْإِرَادَةِ بِأَفْعَالِ الْعِبَاد , فِرَارًا مِنْ تَعَلُّقِ الْقَدِيم بِالْمُحْدَثِ، وَهُمْ مَخْصُومُونَ بِمَا قَالَ الشَّافِعِيّ: إِنْ سَلَّمَ الْقَدَرِيُّ بِالْعِلْمِ خُصِمَ , يَعْنِي: يُقَال لَهُ: أَيَجُوزُ أَنْ يَقَع فِي الْوُجُودِ خِلَافُ مَا تَضَمَّنَهُ الْعِلْم؟ , فَإِنْ مَنَعَ وَافَقَ قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّة، وَإِنْ أَجَازَ لَزِمَهُ نِسْبَةُ الْجَهْل، تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ.
(٢) (طب) ٥٣١٦ , انظر الصَّحِيحَة: ١٥٣٩