للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(س) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: كَانَتْ مُلُوكٌ بَعْدَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - عليه السلام - بَدَّلُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ , وَكَانَ فِيهِمْ مُؤْمِنُونَ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ , فَقِيلَ لِمُلُوكِهِمْ: مَا نَجِدُ شَتْمًا أَشَدَّ مِنْ شَتْمِ هَؤُلَاءِ , إِنَّهُمْ يَقْرَءُونَ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} (١) وَهَؤُلَاءِ الْآيَاتِ يَعِيبُونَ بِهَا أَعْمَالَنَا فِي قِرَاءَتِهِمْ , فَادْعُهُمْ فَلْيَقْرَءُوا كَمَا نَقْرَأُ , وَلْيُؤْمِنُوا كَمَا آمَنَّا , فَدَعَاهُمْ فَجَمَعَهُمْ , وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلَ , أَوْ يَتْرُكُوا قِرَاءَةَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ , إِلَّا مَا بَدَّلُوا مِنْهَا , فَقَالُوا: مَا تُرِيدُونَ إِلَى ذَلِكَ؟ , دَعُونَا , فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: ابْنُوا لَنَا أُسْطُوَانَةً , ثُمَّ ارْفَعُونَا إِلَيْهَا , ثُمَّ أَعْطُونَا شَيْئًا نَرْفَعُ بِهِ طَعَامَنَا وَشَرَابَنَا , فلَا نَرِدُ عَلَيْكُمْ , وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: دَعُونَا نَسِيحُ فِي الْأَرْضِ وَنَهِيمُ , وَنَشْرَبُ كَمَا يَشْرَبُ الْوَحْشُ , فَإِنْ قَدَرْتُمْ عَلَيْنَا فِي أَرْضِكُمْ فَاقْتُلُونَا , وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مِنْهُمْ ابْنُوا لَنَا دُورًا فِي الْفَيَافِي (٢) وَنَحْتَفِرُ الْآبَارَ , وَنَحْتَرِثُ الْبُقُولَ , فلَا نَرِدُ عَلَيْكُمْ وَلَا نَمُرُّ بِكُمْ - وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْقَبَائِلِ إِلَّا وَلَهُ حَمِيمٌ فِيهِمْ - قَالَ: فَفَعَلُوا ذَلِكَ , فَأَنْزَلَ اللهُ - عز وجل -: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ , فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} وَالْآخَرُونَ قَالُوا: نَتَعَبَّدُ كَمَا تَعَبَّدَ فُلَانٌ , وَنَسِيحُ كَمَا سَاحَ فُلَانٌ , وَنَتَّخِذُ دُورًا كَمَا اتَّخَذَ فُلَانٌ , وَهُمْ عَلَى شِرْكِهِمْ , لَا عِلْمَ لَهُمْ بِإِيمَانِ الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِ , فَلَمَّا بَعَثَ اللهُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ , انْحَطَّ رَجُلٌ مِنْ صَوْمَعَتِهِ , وَجَاءَ سَائِحٌ مِنْ سِيَاحَتِهِ , وَصَاحِبُ الدَّيْرِ مِنْ دَيْرِهِ, فَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ فَقَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} , يَعْنِي: أَجْرَيْنِ , بِإِيمَانِهِمْ بِعِيسَى , وَبِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ , وَبِإِيمَانِهِمْ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وَتَصْدِيقِهِمْ {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} قَالَ: الْقُرْآنَ وَاتِّبَاعَهُمْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} قَالَ: يَتَشَبَّهُونَ بِكُمْ {أَنْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ , وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ , وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}. (٣)


(١) [المائدة/٤٤]
(٢) الفيافي: جمع الفيفاء , وهي الصحاري الواسعة.
(٣) قال الألباني في (س) ٥٤٠٠: صحيح