للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م حم) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: (" لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ ") (١) (فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ حَضْرَمَوْتَ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟، قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ) (٢).

الشَّرْح:

(" لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ) الْمرَاد بِالْقبُولِ هُنَا: مَا يُرَادِفُ الصِّحَّةَ , وَهُوَ الْإِجْزَاءُ , وَحَقِيقَةُ الْقَبُولِ , ثَمَرَةُ وُقُوعِ الطَّاعَةِ مُجْزِئَةً رَافِعَةً لِمَا فِي الذِّمَّةِ , وَلَمَّا كَانَ الْإِتْيَانُ بِشُرُوطِهَا مَظِنَّةَ الْإِجْزَاءِ الَّذِي الْقَبُولُ ثَمَرَتُهُ , عَبَّرَ عَنْهُ بِالْقَبُولِ مَجَازًا.

وَأَمَّا الْقَبُولُ الْمَنْفِيُّ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ) فَهُوَ الْحَقِيقِيُّ , لِأَنَّهُ قَدْ يَصِحُّ الْعَمَلُ , وَيَتَخَلَّفُ الْقَبُولُ لِمَانِعٍ , وَلِهَذَا كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَقُولُ: " لَأَنْ تُقْبَلَ لِي صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ , أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَمِيعِ الدُّنْيَا " , قَالَه ابن عُمَرَ , قَالَ: لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: {إِنَّمَا يتَقَبَّلُ اللهُ من الْمُتَّقِينَ}.فتح (١/ ٢٣٥)

(إِذَا أَحْدَثَ) أَيْ: وُجِدَ مِنْهُ الْحَدَثُ , وَالْمُرَادُ بِهِ: الْخَارِجُ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ. فتح١٣٥

(فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ) فَسَّرَ أَبُو هُرَيْرَةَ الْحَدَثَ بِذَلِكَ تَنْبِيهًا بِالْأَخَفِّ عَلَى الْأَغْلَظِ , وَلِأَنَّهُمَا قَدْ يَقَعَانِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمَا.

وَأَمَّا بَاقِي الْأَحْدَاثِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ , كَمَسِّ الذَّكَرِ , وَلَمْسِ الْمَرْأَةِ وَالْقَيْءِ مِلْءَ الْفَمِ , وَالْحِجَامَةِ , فَلَعَلَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ لَا يَرَى النَّقْضَ بِشَيْءٍ مِنْهَا , وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ كَمَا سَيَأتِي فِي بَابِ مَنْ لَمْ يَرَ الْوُضُوءَ إِلَّا من المخرجَيْن.

وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ اقْتَصَرَ فِي الْجَوَابِ عَلَى مَا ذُكِرَ لِعِلْمِهِ أَنَّ السَّائِلَ كَانَ يَعْلَمُ مَا عَدَا ذَلِكَ. وَفِيهِ بُعْدٌ. فتح١٣٥

(حَتَّى يَتَوَضَّأُ) أَيْ: بِالْمَاءِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا " الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ " (٣) فَأَطْلَقَ الشَّارِعُ عَلَى التَّيَمُّمِ أَنَّهُ وَضُوءٌ لِكَوْنِهِ قَامَ مَقَامَهُ. فتح١٣٥

فَوائِدُ الْحَدِيث:

اسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْحَدَثِ , سَوَاءٌ كَانَ خُرُوجُهُ اخْتِيَارِيًّا أَمِ اضْطِرَارِيًّا.

وَعَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ لِكُلِّ صَلَاةٍ , لِأَنَّ الْقَبُولَ انْتَفَى إِلَى غَايَةِ الْوُضُوءِ , وَمَا بَعْدَهَا مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا , فَاقْتَضَى ذَلِكَ قَبُولَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوُضُوءِ مُطْلَقًا. فتح١٣٥

مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:

قَالَ ابن بَطَّالٍ: فِيهِ رَدٌّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: " إِنَّ الْمُحْدِثَ فِي صَلَاتِهِ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي " , وَوَافَقَهُ ابن أَبِي لَيْلَى.

وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: يَسْتَأنِفُ الصَّلَاةَ , وَاحْتَجَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ , وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ: (لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطُهُورٍ) , فَلَا يَخْلُو حَالَ انْصِرَافِهِ أَنْ يَكُونَ مُصَلِّيًا أَوْ غَيْرِ مُصَلٍّ , فَإِنْ قَالُوا: هُوَ مُصَلٍّ , رُدَّ , لِقَوْلُهُ: (لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطُهُورٍ).

وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ كُلَّ حَدَثٍ مَنَعَ مِنِ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ , مَنَعَ مِنَ الْبِنَاءِ عَلَيْهَا , بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَبَقَهُ الْمَنِيُّ , لَاسْتَأنَفَ اتِّفَاقًا. فتح (١٢/ ٣٢٩)


(١) (خ) ٦٥٥٤ , (م) ٢٢٥
(٢) (حم) ٨٠٦٤ , (خ) ١٣٥
(٣) الترمذي الطهارة (١٢٤) ,النسائي الطهارة (٣٢٢)