للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م ت س) , وَعَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ: (كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا) (١) (وَجَوَارِيَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ) (٢) (فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى) (٣) (فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ - رضي الله عنها - سَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -؟) (٤) (فِي كَذَا وَكَذَا؟ , قَالَتْ: نَعَمْ بِأَبِي) (٥) (- وَكَانَتْ لَا تَذْكُرُهُ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - إِلَّا قَالَتْ: بِأَبِي - سَمِعْتُهُ يَقُولُ:) (٦) (" لِيَخْرُجْ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضُ) (٧) (فَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ) (٨) (وَلْيَعْتَزِلِ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى ") (٩) (فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللهِ , هَلْ عَلَى إِحْدَانَا بَأسٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ؟) (١٠) (قَالَ: " فَلْتُعِرْهَا أُخْتُهَا مِنْ جَلَابِيبِهَا) (١١) (وَلْتَشْهَدْ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ ") (١٢) (قَالَتْ حَفْصَةُ: فَقُلْتُ لَهَا: الْحُيَّضُ؟ , فَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: نَعَمْ , أَلَيْسَ الْحَائِضُ تَشْهَدُ عَرَفَاتٍ؟ , وَتَشْهَدُ كَذَا؟ , وَتَشْهَدُ كَذَا؟) (١٣).

الشَّرْح:

(عَوَاتِقَنَا) الْعَوَاتِقُ جَمْعُ عَاتِقٍ وَهِيَ مَنْ بَلَغَتِ الْحُلُمَ أَوْ قَارَبَتْ أَوِ اسْتَحَقَّتِ التَّزْوِيجَ أَوْ هِيَ الْكَرِيمَةُ عَلَى أَهْلِهَا أَوِ الَّتِي عَتَقَتْ عَنِ الِامْتِهَانِ فِي الْخُرُوجِ لِلْخِدْمَةِ وَكَأَنَّهُمْ كَانُوا يَمْنَعُونَ الْعَوَاتِقَ مِنَ الْخُرُوجِ لِمَا حَدَثَ بَعْدَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ مِنَ الْفَسَادِ وَلَمْ تُلَاحِظِ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ بَلْ رَأَتِ اسْتِمْرَارَ الْحُكْمِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فتح٣٢٤

(وَجَوَارِيَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ , فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى , فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ - رضي الله عنها - سَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -؟ , فِي كَذَا وَكَذَا؟ , قَالَتْ: نَعَمْ بِأَبِي , وَكَانَتْ لَا تَذْكُرُهُ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - إِلَّا قَالَتْ: بِأَبِي)

كَانَتْ أَيْ: أُمُّ عَطِيَّةَ لَا تَذْكُرُهُ أَيِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَتْ بِأَبِي أَيْ هُوَ مُفَدًّى بِأَبِي. فتح٣٢٤

(ذَوَاتُ الْخُدُورِ) جَمْعُ خِدْرِ , وَهُوَ سِتْرٌ يَكُونُ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ تَقْعُدُ الْبِكْرُ وَرَاءَهُ , وَبَيْنَ الْعَاتِقِ وَالْبِكْرِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ. فتح٣٢٤

(فَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ , وَلْيَعْتَزِلِ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى) أَيْ: وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلَّى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَسْنَ بِحُيَّضٍ. فتح٣٥١

حَمَلَ الْجُمْهُورُ الْأَمْرَ الْمَذْكُورَ عَلَى النَّدْبِ لِأَنَّ الْمُصَلَّى لَيْسَ بِمَسْجِدٍ فَيَمْتَنِعُ الْحُيَّضُ مِنْ دُخُولِهِ.

وَأَغْرَبَ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ الِاعْتِزَالُ وَاجِبٌ وَالْخُرُوجُ وَالشُّهُودُ مَنْدُوبٌ مَعَ كَوْنِهِ نَقَلَ عَنِ النَّوَوِيِّ تصويب عدم وُجُوبه.

وَقَالَ بن الْمُنِيرِ الْحِكْمَةُ فِي اعْتِزَالِهِنَّ أَنَّ فِي وُقُوفِهِنَّ وَهُنَّ لَا يُصَلِّينَ مَعَ الْمُصَلِّيَاتِ إِظْهَارَ اسْتِهَانَةٍ بِالْحَالِ فَاسْتُحِبَّ لَهُنَّ اجْتِنَابُ ذَلِكَ. فتح٣٢٤

قلت: في الحديث دليل واضح على حرمة دخول الحائض والنفساء إلى المساجد , فإذا كُنَّ مأمورات باعتزال المصلى , فالمسجد أولى بالاعتزال. ع

(فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللهِ , هَلْ عَلَى إِحْدَانَا بَأسٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ؟) (١٤)

(قَالَ: " فَلْتُعِرْهَا أُخْتُهَا مِنْ جَلَابِيبِهَا) الْمُرَادُ بِالْأُخْتِ الصَّاحِبَةُ. فتح الباري (٢/ ٤٦٩)

أَيْ: تُعِيرُهَا مِنْ ثِيَابِهَا مَا لَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ.

وَالْجِلْبَابِ: وَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِمُوَحَّدَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ قِيلَ هُوَ الْمُقَنَّعَةُ أَوِ الْخِمَارُ أَوْ أَعْرَضُ مِنْهُ وَقِيلَ الثَّوْبُ الْوَاسِعُ يَكُونُ دُونَ الرِّدَاءِ وَقِيلَ الْإِزَارُ وَقِيلَ الْمِلْحَفَةُ وَقِيلَ الْمُلَاءَةُ وَقِيلَ الْقَمِيصُ. فتح٣٢٤

(وَلْتَشْهَدْ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ , قَالَتْ حَفْصَةُ: فَقُلْتُ لَهَا: الْحُيَّضُ؟) كَأَنَّهَا تَتَعَجَّبُ مِنْ ذَلِكَ. فتح٣٢٤

(فَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: نَعَمْ , أَلَيْسَ الْحَائِضُ تَشْهَدُ عَرَفَاتٍ؟ , وَتَشْهَدُ كَذَا؟ , وَتَشْهَدُ كَذَا؟) أَيْ: وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى , وَغَيْرَهُمَا. فتح٣٢٤

فَوائِدُ الْحَدِيث:

وَفِيهِ أَنَّ الْحَائِضَ لَا تَهْجُرُ ذِكْرَ اللَّهِ وَلَا مَوَاطِنَ الْخَيْرِ كَمَجَالِسِ الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ سِوَى الْمَسَاجِدِ وَفِيهِ امْتِنَاعُ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ جِلْبَابٍ. فتح٣٢٤

وَفِيه جَوَازُ مُدَاوَاةِ الْمَرْأَةِ لِلرِّجَالِ الْأَجَانِبِ إِذَا كَانَتْ بِإِحْضَارِ الدَّوَاءِ مَثَلًا وَالْمُعَالَجَةُ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ , إِلَّا إِنِ احْتِيجَ إِلَيْهَا عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ.

وَفِيهِ أَنَّ مِنْ شَأنِ الْعَوَاتِقِ وَالْمُخَدَّرَاتِ عَدَمُ الْبُرُوزِ إِلَّا فِيمَا أُذِنَ لَهُنَّ فِيهِ.

وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ إِعْدَادِ الْجِلْبَابِ لِلْمَرْأَةِ , وَمَشْرُوعِيَّةُ عَارِيَّةِ الثِّيَابِ.

وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ صَلَاةِ الْعِيدِ , وَفِيهِ نَظَرٌ , لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ أُمِرَ بِذَلِكَ مَنْ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ , فَظَهَرَ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ إِظْهَارُ شِعَارِ الْإِسْلَامِ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الِاجْتِمَاعِ , وَلِتَعُمَّ الْجَمِيعَ الْبَرَكَةُ , وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى شُهُودِ الْعِيدَيْنِ , سَوَاءٌ كُنَّ شَوَابَّ أَمْ لَا , وَذَوَات هيآت أَمْ لَا , وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ. فتح٩٨١

قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْعِيدَيْنِ عَلَى أَقْوَالٍ إِحْدَاهَا أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَحَمَلُوا الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى النَّدْبِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَالْجُرْجَانِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ إِطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ

وَالْقَوْلُ الثَّانِي التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ

قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ تَبَعًا لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ جَائِزٌ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ لَهُنَّ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أحمد فيما نقله عنه بن قُدَامَةَ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَقَدْ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عن الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَحَكَاهُ بن قُدَامَةَ عَنِ النَّخَعِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وروى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ لِلشَّابَّةِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ

وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ أَنَّهُ حَقٌّ عَلَى النِّسَاءِ الْخُرُوجُ إِلَى الْعِيدِ حَكَاهُ القاضي عياض عن أبي بكر وعلي وبن عمر

وقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا حَقٌّ عَلَى كُلِّ ذَاتِ نِطَاقٍ الْخُرُوجُ إِلَى الْعِيدَيْنِ انْتَهَى

وَالْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ الْخُرُوجِ عَلَى الْإِطْلَاقِ رَدٌّ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِالْآرَاءِ الْفَاسِدَةِ وَتَخْصِيصُ الثَّوَابِ يَأبَاهُ صَرِيحُ الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ. تحفة٥٣٩

قال الحافظ: قَوْلُهُ حَقٌّ يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ وَيَحْتَمِلُ تَأَكُّدَ الِاسْتِحْبَابِ , روى بن أبي شيبَة أَيْضا عَن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ إِلَى الْعِيدَيْنِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْ أَهْلِهِ وَهَذَا لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْوُجُوب أَيْضا , بل قد روى عَن بن عُمَرَ الْمَنْعُ , فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَالَيْنِ.

نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُم يقتضى اسْتِثْنَاء ذَوَات الهيآت , قَالَ: وَأُحِبُّ شُهُودَ الْعَجَائِزِ وَغَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَةِ الصَّلَاةَ , وَإِنَّا لِشُهُودِهِنَّ الْأَعْيَادَ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا ..

ورَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ فِيهِ أَنَّ النِّسَاءَ يُتْرَكْنَ إِلَى الْعِيدَيْنِ فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا قُلْتُ بِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَدْ ثَبَتَ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ يَعْنِي حَدِيثَ أُمِّ عَطِيَّةَ هَذَا , فَيَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةَ الْقَوْلُ بِهِ وَنَقله بن الرِّفْعَةِ عَنِ الْبَنْدَنِيجِيِّ , وَقَالَ إِنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ التَّنْبِيهِ.

وَقَدِ ادَّعَى بَعْضُهُمُ النَّسْخَ فِيهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَأَمْرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِخُرُوجِ الْحُيَّضِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ إِلَى الْعِيدِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمُونَ قَلِيلٌ فَأُرِيدَ التَّكْثِيرُ بِحُضُورِهِنَّ إِرْهَابًا لِلْعَدُوِّ وَأَمَّا الْيَوْمُ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ.

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ , قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: تَارِيخُ الْوَقْتِ لَا يُعْرَفُ.

قُلْتُ: بل هُوَ مَعْرُوف بِدلَالَة حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ شَهِدَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ فَلَمْ يَتِمَّ مُرَادُ الطَّحَاوِيِّ , وَقَدْ صَرَّحَ فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ بِعِلَّةِ الْحُكْمِ وَهُوَ شُهُودُهُنَّ الْخَيْرَ وَدَعْوَةُ الْمُسْلِمِينَ وَرَجَاءُ بَرَكَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتِهِ وَقَدْ أَفْتَتْ بِهِ أُمُّ عَطِيَّةَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُدَّةٍ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ , وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مُخَالَفَتُهَا فِي ذَلِكَ.

وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ لَوْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ فَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ لِنُدُورِهِ إِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهَا أَفْتَتْ بِخِلَافِهِ , مَعَ أَنَّ الدَّلَالَةَ مِنْهُ بِأَنَّ عَائِشَةَ أَفْتَتْ بِالْمَنْعِ لَيْسَتْ صَرِيحَةً. فتح٩٨١

قال صاحب التحفة: وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ تَغَيُّرُ الْحُكْمِ لِأَنَّهَا عَلَّقَتْهُ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يُوجَدْ بِنَاءً عَلَى ظَنٍّ ظَنَّتْهُ فَقَالَتْ لَوْ رَأَى لَمَنَعَ فَيُقَالُ عَلَيْهِ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَمْنَعْ فَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ حَتَّى إِنَّ عَائِشَةَ لَمْ تُصَرِّحْ بِالْمَنْعِ وَإِنْ كَانَ كَلَامُهَا يُشْعِرُ بِأَنَّهَا كَانَتْ تَرَى الْمَنْعَ

وَأَيْضًا فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا سَيُحْدِثْنَ فَمَا أَوْحَى إِلَى نَبِيِّهِ بِمَنْعِهِنَّ وَلَوْ كَانَ مَا أَحْدَثْنَ يَسْتَلْزِمُ مَنْعَهُنَّ مِنَ الْمَسَاجِدِ لَكَانَ مَنْعُهُنَّ مِنْ غَيْرِهَا كَالْأَسْوَاقِ أَوْلَى , وَأَيْضًا فَالْإِحْدَاثُ إِنَّمَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ النِّسَاءِ لَا مِنْ جَمِيعِهِنَّ فَإِنْ تَعَيَّنَ الْمَنْعُ فَلْيَكُنْ لِمَنْ أَحْدَثَتْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِيهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُنْظَرَ إِلَى مَا يُخْشَى مِنْهُ الْفَسَادُ فَيُجْتَنَبَ لِإِشَارَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ بِمَنْعِ التَّطَيُّبِ وَالزِّينَةِ وَكَذَلِكَ التَّقْيِيدُ بِاللَّيْلِ. تحفة٥٣٩

وَفِي قَوْلِهِ إِرْهَابًا لِلْعَدُوِّ نَظَرٌ لِأَنَّ الِاسْتِنْصَارَ بِالنِّسَاءِ وَالتَّكَثُّرَ بِهِنَّ فِي الْحَرْبِ دَالٌّ عَلَى الضَّعْفِ , وَالْأَوْلَى أَنْ يُخَصَّ ذَلِكَ بِمَنْ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا وَبِهَا الْفِتْنَةُ , وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى حُضُورِهَا مَحْذُورٌ , وَلَا تُزَاحِمُ الرِّجَالَ فِي الطُّرُقِ , وَلَا فِي الْمَجَامِعِ. فتح٩٨١

قال الترمذي: (وَيُرْوَى عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ الْيَوْمَ الْخُرُوجَ لِلنِّسَاءِ إِلَى الْعِيدِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فِي حَقِّ الشَّوَابِّ , وأما العجائز فقد جوز الشيخ بن الهمام وغيره خروجهن إلى العيد

قال بن الْهُمَامِ وَتَخْرُجُ الْعَجَائِزُ لِلْعِيدِ لَا الشَّوَابُّ انْتَهَى

قال القارىء في المرقاة بعد نقل كلام بن الْهُمَامِ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَهُوَ قَوْلٌ عَدْلٌ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يُقَيَّدَ بِأَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُشْتَهَاةٍ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ بِإِذْنِ حَلِيلِهَا مَعَ الْأَمْنِ مِنَ الْمَفْسَدَةِ بِأَنْ لَا يَخْتَلِطْنَ بِالرِّجَالِ أَوْ يَكُنَّ خَالِيَاتٍ مِنَ الْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ وَالْبَخُورِ وَالشُّمُومِ وَالتَّبَخْتُرِ وَالتَّكَشُّفِ وَنَحْوِهَا مِمَّا أَحْدَثْنَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنَ الْمَفَاسِدِ

وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مُلَازِمَاتُ الْبُيُوتِ لَا يَخْرُجْنَ انْتَهَى

قُلْتُ: لَا دَلِيلَ عَلَى مَنْعِ الْخُرُوجِ إِلَى الْعِيدِ لِلشَّوَابِّ مَعَ الْأَمْنِ مِنَ الْمَفَاسِدِ مِمَّا أَحْدَثْنَ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ لَهُنَّ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ كَمَا عَرَفْتَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. تحفة٥٣٩

قَوْلُهَا فِي الْحَيْضِ يُكَبِّرْنَ مَعَ النِّسَاءِ فِيهِ جَوَازُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ وَقَوْلُهَا يُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّكْبِيرِ لِكُلِّ أَحَدٍ فِي الْعِيدَيْنِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ وَحَالَ الْخُرُوجِ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ الْقَاضِي التَّكْبِيرُ فِي الْعِيدَيْنِ أَرْبَعَةُ مَوَاطِنَ فِي السَّعْيِ إِلَى الصَّلَاةِ إِلَى حِينَ يَخْرُجُ الْإِمَامُ وَالتَّكْبِيرُ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْخُطْبَةِ وَبَعْدَ الصَّلَاةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَاسْتَحَبَّهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ فَكَانُوا يُكَبِّرُونَ إِذَا خَرَجُوا حَتَّى يَبْلُغُوا الْمُصَلَّى يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَزَادَ اسْتِحْبَابُهُ لَيْلَةَ الْعِيدَيْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكَبِّرُ فِي الْخُرُوجِ لِلْأَضْحَى دُونَ الْفِطْرِ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَأَمَّا التَّكْبِيرُ بِتَكْبِيرِ الْإِمَامِ فِي الْخُطْبَةِ فَمَالِكٌ يَرَاهُ وَغَيْرُهُ يَأبَاهُ. النووي (١٠ - (٨٩٠)

وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى حُضُورِ الْعِيدِ لِكُلِّ أَحَدٍ. النووي (١٠ - (٨٩٠)

قَوْلُهَا وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ اسْتِحْبَابُ حُضُورِ مَجَامِعِ الْخَيْرِ وَدُعَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَحِلَقِ الذِّكْرِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِ ذلك. النووي (١٠ - (٨٩٠)


(١) (خ) ٣١٨
(٢) (خ) ٩٣٧
(٣) (م) ١٢ - (٨٩٠)
(٤) (خ) ٣١٨
(٥) (خ) ٩٣٧
(٦) (خ) ٣١٨ , (س) ٣٩٠
(٧) (خ) ٩٣٧ , (م) ١٢ - (٨٩٠)
(٨) (خ) ٣١٨ , (م) ١٢ - (٨٩٠)
(٩) (س) ١٥٥٨ , (خ) ٩٣٧ , (م) ١٢ - (٨٩٠) , (ت) ٥٣٩
(١٠) (خ) ١٥٦٩
(١١) (ت) ٥٣٩ , (خ) ١٥٦٩ , (م) ١٢ - (٨٩٠) , (د) ١١٣٦
(١٢) (خ) ١٥٦٩
(١٣) (خ) ٩٣٧ , (حم) ٢٠٨٠٨
(١٤) (خ) ١٥٦٩