للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م حم خز) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: (اسْتَفْتَى عُمَرُ النَّبِيَّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فَقَالَ: هَلْ يَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟) (١) (قَالَ: " نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ) (٢) (وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) (٣) وفي رواية: (نَعَم، وَيَتَوَضَّأُ إِنْ شَاءَ) (٤) وفي رواية: (اغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ تَوَضَّأ) (٥) (ثُمَّ نَمْ ") (٦) (قَالَ نَافِعٌ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَلَاةِ مَا خَلَا رِجْلَيْهِ) (٧).

الشَّرْح:

(اغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ تَوَضَّأ) هَذَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ عَلَى غَسْلِ الذَّكَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوُضُوءٍ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَإِنَّمَا هُوَ لِلتَّعَبُّدِ إِذِ الْجَنَابَةُ أَشَدُّ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَتَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي نُوحٍ أَنَّ غسله مقدم على الْوضُوء. فتح٢٩٠

فَوائِدُ الْحَدِيث:

وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّمَا يتضيق عِنْد الْقيام الىلصلاة واستحباب التَّنْظِيف عِنْد النّوم قَالَ ابن الْجَوْزِيِّ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَبْعُدُ عَنِ الْوَسَخِ وَالرِّيحِ الْكَرِيهَةِ بِخِلَافِ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهَا تَقْرُبُ من ذَلِك وَالله أعلم. فتح٢٩٠

وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ لِأَنَّهَا لَوِ اغْتَسَلَتْ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ لَكِنْ إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا اسْتُحِبَّ لَهَا ذَلِكَ. فتح٢٩٠

مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:

قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ جَاءَ الْحَدِيثُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَجَاءَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَهُوَ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى إِيجَابِهِ وَهُوَ شُذُوذٌ وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَاسْتَنْكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا النَّقْلَ وَقَالَ لَمْ يَقُلِ الشَّافِعِيُّ بِوُجُوبِهِ وَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ وَهُوَ كَمَا قَالَ. فتح٢٩٠

وَقَالَ الزُّرْقَانِيُّ وَلَا يُعْرَفُ عَنْهُمَا وُجُوبُهُ وَقَدْ نَصَّ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. عون٢٢١

لَكِن كَلَام بن الْعَرَبِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ الْإِبَاحَةِ الْمُسْتَوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ لَا إِثْبَاتَ الْوُجُوبِ أَوْ أَرَادَ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ وُجُوبَ سُنَّةٍ أَيْ مُتَأَكَّدُ الِاسْتِحْبَابِ وَيدل عَلَيْهِ أَنه قابله بقول بن حَبِيبٍ هُوَ وَاجِبٌ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي عبارَة الْمَالِكِيَّة كثيرا وَأَشَارَ بن الْعَرَبِيّ إِلَى تَقْوِيَة قَول بن حَبِيبٍ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ إِيجَاب الْوضُوء على الْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ ثُمَّ اسْتَدَلَّ بَعْدَ ذَلِك هُوَ وبن خُزَيْمَة على عدم الْوُجُوب بِحَدِيث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَابِ إِذَا جَامَعَ ثُمَّ عَادَ وَقَدْ قَدَحَ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَال بن رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ وَتَمَسَّكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُجْنِبُ ثُمَّ يَنَامُ وَلَا يَمَسُّ مَاءً رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحُفَّاظَ قَالُوا إِنَّ أَبَا إِسْحَاقٍ غَلِطَ فِيهِ وَبِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ تَرَكَ الْوُضُوءَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ لِئَلَّا يُعْتَقَدَ وُجُوبُهُ أَوْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَمَسُّ مَاءً أَيْ لِلْغُسْلِ وَأَوْرَدَ الطَّحَاوِيُّ مِنَ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ جَنَحَ الطَّحَاوِيُّ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوضُوءِ التَّنْظِيف وَاحْتج بِأَن بن عُمَرَ رَاوِيَ الْحَدِيثِ وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ كَانَ يَتَوَضَّأُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ ثَبَتَ تَقْيِيدُ الْوُضُوءِ بِالصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَتِهِ وَمِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فَيُعْتَمَدُ وَيُحْمَلُ ترك بن عُمَرَ لِغَسْلِ رِجْلَيْهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِعُذْرٍ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ الْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ هُنَا الشَّرْعِيُّ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُ يُخَفِّفُ الْحَدَثَ وَلَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَفْرِيقِ الْغُسْلِ فَيَنْوِيهِ فَيَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عَنْ تِلْكَ الْأَعْضَاءِ الْمَخْصُوصَةِ عَلَى الصَّحِيح وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ الصَّحَابِيِّ قَالَ إِذَا أَجْنَبَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ فَلْيَتَوَضَّأ فَإِنَّهُ نِصْفُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُ إِحْدَى الطِّهَارَتَيْنِ فَعَلَى هَذَا يَقُومُ التَّيَمُّمُ مَقَامَهُ. فتح٢٩٠

قَالَ الشَّوْكَانِيُّ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ بِحَمْلِ الْأَمْرِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ويؤيد ذلك أنه أخرج بن خزيمة وبن حبان في صحيحهما من حديث بن عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ قَالَ نَعَمْ وَيَتَوَضَّأُ إِنْ شَاءَ انْتَهَى. تحفة١٢٠

قال النووي: حَاصِلُ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ وَيَأكُلَ وَيَشْرَبَ وَيُجَامِعَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أن بدن الجنب وغرقه طَاهِرَانِ وَفِيهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَغْسِلَ فَرْجَهُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا وَلَا سِيَّمَا إِذَا أَرَادَ جِمَاعَ مَنْ لَمْ يُجَامِعْهَا فَإِنَّهُ يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ غَسْلِ ذَكَرِهِ وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يُكْرَهُ النَّوْمُ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْجِمَاعُ قَبْلَ الْوُضُوءِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَبِهَذَا قَالَ مالك والجمهور وذهب بن حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِلَى وُجُوبِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ وُضُوءُ الصلاة الكامل. النووي (٢١ - ٣٠٥)


(١) (م) ٢٤ - (٣٠٦) , (خ) ٢٨٥
(٢) (خ) ٢٨٣ , (م) ٢٣ - (٣٠٦) , (جة) ٥٨٥ , (حم) ٤٦٦٢
(٣) (حم) ٤٩٢٩ , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
(٤) (خز) ٢١١ , (حب) ١٢١٦ , صححه الألباني في آداب الزفاف ص٤٣، وقال: وهذه الرواية تدل على عدم وجوب هذا الوضوء , وهو مذهب جمهور العلماء، وإذا كان كذلك , فبالأولى أن لَا يجب هذا الوضوء على غير الجنب , فتنبه. أ. هـ
(٥) (حم) ٣٥٩ , (خ) ٢٨٦ , (م) ٢٥ - (٣٠٦) , (ت) ١٢٠
(٦) (خ) ٢٨٦ , (م) ٢٥ - (٣٠٦) , (س) ٢٦٠ , (د) ٢٢١
(٧) (حم) ٤٩٢٩