للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(م) , وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: " بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فِي الْمَسْجِدِ إِذْ قَالَ: يَا عَائِشَةُ نَاوِلِينِي الثَّوْبَ " , فَقَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ: " إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ " , فَنَاوَلَتْهُ. (١)

الشَّرْح:

(يَا عَائِشَةُ نَاوِلِينِي) أَيْ: أَعْطِينِي من الحجرة.

(فَقَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ) قولها: إني حائض، فيه دليل على أنها كانت تعلم أنه لَا يجوز للحائض أن تدخل المسجد، وإلا لَمَا أخبرته أنها حائض عندما أمرها أن تحضر له الثوب، وأما جوابه لها أن حيضتك ليست في يدك، فهذا من باب: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} والله أعلم. ع

(إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ) أَيْ: أَنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي يُصَانُ الْمَسْجِدُ عَنْهَا وَهِيَ دَمُ الْحَيْضِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ. عون٢٦١

قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْحَائِضِ أَنْ تَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنَ الْمَسْجِدِ وَأَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارًا أَوْ مَسْجِدًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِإِدْخَالِ بَعْضِ جَسَدِهِ فِيهِ انتهى. تحفة١٣٤

ذَهَبَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا مِنَ الْمَسْجِدِ أَيْ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ لِتُنَاوِلَهُ إِيَّاهَا مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ , لَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تُخْرِجَ الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُعْتَكِفًا فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَتْ عَائِشَةُ فِي حُجْرَتِهَا وَهِيَ حَائِضٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ فَإِنَّمَا خَافَتْ مِنْ إِدْخَالِ يَدِهَا الْمَسْجِدَ وَلَوْ كَانَ أَمَرَهَا بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ الْيَدِ مَعْنًى قَالَهُ النَّوَوِيُّ

وَذَهَبَ أبوداود والنسائي والترمذي وابن مَاجَهْ وَالْخَطَّابِيُّ وَأَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ أن (نَاوِلِينِي) متعلقة بالمسجد ,

قُلْتُ: هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ لَيْسَ فِيهِ خَفَاءٌ وَهُوَ الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَنْبُوزٍ عَنْ أُمِّهِ أَنَّ مَيْمُونَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ رَأسَهُ فِي حِجْرِ إِحْدَانَا فَيَتْلُو الْقُرْآنَ وَهِيَ حَائِضٌ وَتَقُومُ إِحْدَانَا بِالْخُمْرَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَتَبْسُطَهَا وَهِيَ حَائِضٌ وَالْحَدِيثُ إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ

وَالْمَعْنَى أنه تقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد وتقف خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَتَبْسُطُهَا وَهِيَ حَائِضٌ خَارِجَةٌ مِنَ الْمَسْجِدِ. عون٢٦١

قال في الذخيرة٢٧١: وما ذكره بعضهم احتمالا: أن المراد: ادخلي المسجد , وأعطيني إياها من غير مكث ولا تردد فيه , فحل هذا للحائض إذا أمنت التلويث.

فهذا بعيد كل البعد عن مقتضى حديث عائشة , يبطله قوله: " ليست حيضتك في يدك " فإنه صريح أنه ما أراد إلا إدخال يدها فقط , فتبصَّرْ.


(١) (م) ١٣ - (٢٩٩) , (ت) ١٣٤ , (س) ٣٨٣ , (د) ٢٦١ , (حم) ٢٥٤٤٣