للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م حم هق) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: (بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ (١) فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ) (٢) (سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ) (٣) (فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ (٤) ") (٥) (فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ (٦)؟ " , فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ (٧) إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ (٨)) (٩) (وَإِنْ تَعْفُ تَعْفُ عَنْ شَاكِرٍ) (١٠) (وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ) (١١) (فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - حَتَّى كَانَ الْغَدُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: " مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " , قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ) (١٢) (إِنْ تَعْفُ تَعْفُ عَنْ شَاكِرٍ) (١٣) (وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ , وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ) (١٤) (" فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " , فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ) (١٥) (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " أَطْلِقُوهُ، قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ يَا ثُمَامَةُ " (١٦)) (١٧) (فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ (١٨) قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، يَا مُحَمَّدُ , وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ) (١٩) (وَأَنَا عَلَى دِينِ قَوْمِي) (٢٠) (فَمَاذَا تَرَى؟، " فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - (٢١) وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ (٢٢)) (٢٣) (وَعَلَّمَهُ "، فَخَرَجَ مُعْتَمِرًا) (٢٤) (فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ سَمِعَتْهُ قُرَيْشٌ يَتَكَلَّمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ مِنَ الْإِسْلَامِ، فَقَالُوا لَهُ: صَبَأتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي وَاللهِ مَا صَبَأتُ (٢٥) وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ مُحَمَّدًا وَآمَنْتُ بِهِ) (٢٦) (وَلَا وَاللهِ لَا يَأتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ) (٢٧) (مَا بَقِيتُ) (٢٨) (حَتَّى يَأذَنَ فِيهَا مُحَمَّدٌ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -) (٢٩) (وَانْصَرَفَ إِلَى بَلَدِهِ وَمَنَعَ الْحَمْلَ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى جَهَدَتْ (٣٠) قُرَيْشٌ، فَكَتَبُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -:) (٣١) (تَأمُرُ بِالصِّلَةِ (٣٢)) (٣٣) (ويَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى ثُمَامَةَ يُخَلِّي إِلَيْهِمْ حَمْلَ الطَّعَامِ، " فَفَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - ") (٣٤) (حَتَّى قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: لَقَدْ كَانَ وَاللهِ فِي عَيْنِي أَصْغَرَ مِنْ الْخِنْزِيرِ، وَإِنَّهُ فِي عَيْنِي حِينَ خُلِّيَ عَنْهُ أَعْظَمُ مِنْ الْجَبَلِ) (٣٥).

الشَّرْح:

(بَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - خَيْلًا) أَيْ: بَعَثَ فُرْسَان خَيْل إِلَى جِهَة نَجْد. فتح٤٣٧٢

(قِبَلَ نَجْدٍ) النَّجْدُ: مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ اسْمٌ خَاصٌّ لِمَا دُونَ الْحِجَازِ مِمَّا يَلِي الْعِرَاقَ. عون٢٦٧٩

(فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ) قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ شَهِيرَةٌ يَنْزِلُونَ الْيَمَامَةَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ وَكَانَ وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ كَمَا ذكره بن إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنهم كَانُوا سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فِيهِمْ مُسَيْلِمَةُ. فتح٤٣٧٢

(ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ) وَهُوَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَكَانَتْ قِصَّتُهُ قَبْلَ وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ بِزَمَانٍ فَإِنَّ قِصَّتَهُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ. فتح٤٣٧٢

(سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ) (فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ) أخرجه البخاري في " بَاب الِاغْتِسَالِ إِذَا أَسْلَمَ , وَرَبْطِ الْأَسِيرِ أَيْضًا فِي الْمَسْجِدِ " , و " بَاب دُخُولِ الْمُشْرِكِ الْمَسْجِدَ "

فيه عدم نجاسة الكافر الجسدية , وإلا لم يربطوه في المسجد. ع

وفي هذا: دليل على جواز إدخال المشرك إلى المسجد، لكن بإذن المسلمين.

وقد أنزل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وفد ثقيف في المسجد؛ ليكون أرق لقلوبهم. خرجه أبو داود من رواية الحسن، عن عثمان بن أبي العاص.

وروى وكيع، عن سفيان، عن يونس، عن الحسن، قال: إن وفدا قدموا على النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ثقيف، فدخلوا عليه المسجد، فقيل له: إنهم مشركون؟ قال: ((الأرض لا ينجسها شيء)).

وخرجه أبو داود في ((المراسيل)) من رواية أشعث، عن الحسن، أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فضرب لهم قبة في مؤخرة المسجد؛ لينظروا صلاة المسلمين، إلى ركوعهم، وسجودهم، فقيل: يا رسول الله، أتنزلهم المسجد وهم مشركون؟ قال: ((أن الأرض لا تنجس، إنما ينجس ابن آدم)).

وكذلك سائر وفود العرب ونصارى نجران، كلهم كانوا يدخلون المسجد إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويجلسون فيه عنده.

ولما قدم مشركو قريش في فداء أسارى بدر كانوا يبيتون في المسجد.

وقد روى ذلك الشافعي بإسناد له.

وقد خرج البخاري حديث جبير بن مطعم - وكان ممن قدم في فداء الاسارى -، أنه سمع النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقرا في المغرب بالطور. قال: وكان ذلك أول ما وقر الأيمان في قلبي.

وخرج البخاري فيما سبق في ((كتاب: العلم)) حديث دخول ضمام بن ثعلبة المسجد، وعقله بعيره فيه، وسؤاله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الإسلام، ثم أسلم عقب ذلك. وروى أبو داود في المراسيل بإسناد عن الزهري، قال: اخبرني سعيد بن المسيب، أن أبا سفيان كان يدخل المسجد بالمدينة وهو كافر، غير أن ذلك لا يصلح في المسجد الحرام؛ لما قَالَ الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: ٢٨]

فتح الباري لابن رجب ٤٦٩

(فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟) أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ عِنْدَكَ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَذَا مَوْصُولَة , أَيْ: مَا الَّذِي اِسْتَقَرَّ فِي ظَنّك أَنْ أَفْعَلهُ بِك؟. فتح٤٣٧٢

(فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ) أَجَابَ بِأَنَّهُ ظَنَّ خَيْرًا فَقَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّد خَيْر، أَيْ: لِأَنَّك لَسْت مِمَّنْ يَظْلِم، بَلْ مِمَّنْ يَعْفُو وَيُحْسِن. فتح٤٣٧٢

(إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ) أَيْ: إِنْ تَقْتُل تَقْتُل صَاحِب دَمٍ , لِدَمِهِ مَوْقِع يَشْتَفِي قَاتِله بِقَتْلِهِ , وَيَدْرِك ثَأره لِرِيَاسَتِهِ وَعَظَمَته. فتح٤٣٧٢

(وَإِنْ تَعْفُ تَعْفُ عَنْ شَاكِرٍ) (وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ) (فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - حَتَّى كَانَ الْغَدُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: " مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " , قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ) أَيْ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ. فتح٤٣٧٢

(" فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ " , فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ)

كَرَّرَ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ هَذَا مِنْ تَألِيفِ الْقُلُوبِ وَمُلَاطَفَةٌ لِمَنْ يُرْجَى إِسْلَامُهُ مِنَ الْأَشْرَافِ الَّذِينَ يَتْبَعُهُمْ عَلَى إِسْلَامِهِمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ. النووي (٥٩ - ١٧٦٤)

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " أَطْلِقُوهُ، قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ يَا ثُمَامَةُ ") واستدل العلماء بفعله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - على جواز المَنِّ للإمام. ع

(فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ) النَّجْلُ: الْمَاءُ الْقَلِيلُ النَّابِعُ , وَقِيلَ: الْجَارِي. فتح٤٦٢

قال النووي: (فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ) هَكَذَا هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا نَخْلٌ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَقْدِيرُهُ انْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ فِيهِ مَاءٌ فَاغْتَسَلَ مِنْهُ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُهُمْ صَوَابُهُ نَجْلٌ بِالْجِيمِ وَهُوَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ الْمُنْبَعِثُ وَقِيلَ الْجَارِي قُلْتُ بَلِ الصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ صَحَّتْ بِهِ وَلَمْ يُرْوَ إِلَّا هَكَذَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ. النووي (٥٩ - ١٧٦٤)

فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، يَا مُحَمَّدُ , وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ) وهذا إخبار منه لحالته التي هو عليها بعد هداية الله له , فقد انقلبت تلك العداوة إلى الصداقة والمحبة بسبب العفو والحلم منه ص وشرح الله صدره للإسلام. ذخيرة١٨٩

(وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي) أَيْ: أسرتني. ذخيرة١٨٩

(وَأَنَا عَلَى دِينِ قَوْمِي , فَمَاذَا تَرَى؟) أَيْ: ما حكم هذا الاعتمار قبل الإسلام , هل صحيح فأمضي فيه , أم غير صحيح فأرفضه؟.ذخيرة١٨٩

(فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -) أَيْ: بَشَّرَهُ بِمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ الْعَظِيمِ بِالْإِسْلَامِ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ. .النووي (٥٩ - ١٧٦٤)

(وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ) أَمْره بِالْعُمْرَةِ على الاسْتِحْبَاب؛ لِأَنَّ الْعُمْرَة مُسْتَحَبَّة فِي كُلّ وَقْت , لَا سِيَّمَا مِنْ هَذَا الشَّرِيف الْمُطَاع إِذَا أَسْلَمَ، وَجَاءَ مُرَاغِمًا لِأَهْلِ مَكَّة فَطَافَ وَسَعَى وَأَظْهَرَ إِسْلَامه وَأَغَاظَهُمْ بِذَلِكَ. النووي (٥٩ - ١٧٦٤)

وفيه دليل أن من نوى قربة قبل إسلامه , ينبغي أن يفعلها بعده , كما في حديث عمر ر في نذره أن يعتكف في المسجد الحرام في الجاهلية , فأمره ص أن يوفي بنذره عام الفتح , رواه البخاري وغيره.

(وَعَلَّمَهُ "، فَخَرَجَ مُعْتَمِرًا) (فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ سَمِعَتْهُ قُرَيْشٌ يَتَكَلَّمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ مِنَ الْإِسْلَامِ، فَقَالُوا لَهُ: صَبَأتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي وَاللهِ مَا صَبَأتُ وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ مُحَمَّدًا وَآمَنْتُ بِهِ)

كَأَنَّهُ قَالَ: لَا , مَا خَرَجْت مِنْ الدِّين، لِأَنَّ عِبَادَة الْأَوْثَان لَيْسَتْ دِينًا، فَإِذَا تَرَكْتهَا لَا أَكُون خَرَجْت مِنْ دِين، بَلْ اِسْتَحْدَثْت دِين الْإِسْلَام. فتح٤٣٧٢

(وَلَا وَاللهِ لَا يَأتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ) (مَا بَقِيتُ) (حَتَّى يَأذَنَ فِيهَا مُحَمَّدٌ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -) (وَانْصَرَفَ إِلَى بَلَدِهِ وَمَنَعَ الْحَمْلَ إِلَى مَكَّةَ) (حَتَّى جَهَدَتْ قُرَيْشٌ) جَهَدَ: أصابه الجوع.

(فَكَتَبُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -:) (تَأمُرُ بِالصِّلَةِ) أَيْ: إِنَّك تَأمُر بِصِلَةِ الرَّحِم. فتح الباري (ج ١٢ / ص ١٨٩)

(ويَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى ثُمَامَةَ يُخَلِّي إِلَيْهِمْ حَمْلَ الطَّعَامِ، " فَفَعَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - ")

(حَتَّى قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه -: لَقَدْ كَانَ وَاللهِ فِي عَيْنِي أَصْغَرَ مِنْ الْخِنْزِيرِ، وَإِنَّهُ فِي عَيْنِي حِينَ خُلِّيَ عَنْهُ أَعْظَمُ مِنْ الْجَبَلِ)

فَوائِدُ الْحَدِيث:

وَفِي قِصَّةِ ثُمَامَةَ مِنَ الْفَوَائِدِ رَبْطُ الْكَافِرِ فِي الْمَسْجِدِ .. وَتَعْظِيمُ أَمْرِ الْعَفْوِ عَنِ الْمُسِيءِ لِأَنَّ ثُمَامَةَ أَقْسَمَ أَنَّ بُغْضَهُ انْقَلَبَ حُبًّا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ لِمَا أَسَدَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ مِنَ الْعَفْوِ وَالْمَنِّ بِغَيْرِ مُقَابِلٍ وَفِيهِ الِاغْتِسَالُ عِنْدَ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ الْإِحْسَانَ يُزِيلُ الْبُغْضَ وَيُثَبِّتُ الْحُبَّ وَأَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَرَادَ عَمَلَ خَيْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ شَرَعَ لَهُ أَنْ يَسْتَمِرَّ فِي عَمَلِ ذَلِكَ الْخَيْرِ وَفِيهِ الْمُلَاطَفَةُ بِمَنْ يُرْجَى إِسْلَامُهُ مِنَ الْأُسَارَى إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْإِسْلَامِ وَلَا سِيَّمَا مَنْ يَتْبَعُهُ عَلَى إِسْلَامِهِ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ مِنْ قَوْمِهِ وَفِيهِ بَعْثُ السَّرَايَا إِلَى بِلَادِ الْكُفَّارِ وَأَسْرُ مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ وَالتَّخْيِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي قَتْلِهِ أَوِ الْإِبْقَاءِ عَلَيْهِ. فتح٤٣٧٢

وَفِي هَذَا جَوَازُ رَبْطِ الْأَسِيرِ وحبسه وجواز إدخال المسجد الكافر وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ جَوَازُهُ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ سَوَاءٌ كَانَ الكافر كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَهُ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ لَا يَجُوزُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجُوزُ لِكِتَابِيٍّ دُونَ غَيْرِهِ وَدَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ هَذَا الْحَدِيثُ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الحرام فَهُوَ خَاصٌّ بِالْحَرَمِ وَنَحْنُ نَقُولُ لَا يَجُوزُ إِدْخَالُهُ الْحَرَمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. النووي (٥٩ - ١٧٦٤)

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ) فِيهِ جَوَازُ الْمَنِّ عَلَى الْأَسِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ. النووي (٥٩ - ١٧٦٤)

مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:

ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى طَهَارَةِ الآدَمِيِّ الْحَيِّ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} " وَلأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْزَلَ وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي الْمَسْجِدِ " (٣٦)، وَلَوْ كَانَتْ أَبْدَانُهُمْ نَجِسَةً لَمْ يُنْزِلْهُمْ فِيهِ تَنْزِيهًا لَهُ. (٣٧)


(١) أَيْ: بَعَثَ فُرْسَان خَيْل إِلَى جِهَة نَجْد. فتح الباري لابن حجر - (ج ١٢ / ص ١٨٩)
(٢) (خ) ٤٥٠ , (م) ١٧٦٤
(٣) (خ) ٢٢٩٠ , (م) ١٧٦٤
(٤) فيه عدم نجاسة الكافر الجسدية , وإلا لم يربطوه في المسجد. ع
(٥) (خ) ٤٥٠ , (م) ١٧٦٤
(٦) أَيْ: مَا الَّذِي اِسْتَقَرَّ فِي ظَنّك أَنْ أَفْعَلهُ بِك؟. فتح الباري لابن حجر - (ج ١٢ / ص ١٨٩)
(٧) أَجَابَ بِأَنَّهُ ظَنَّ خَيْرًا فَقَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّد خَيْر، أَيْ: لِأَنَّك لَسْت مِمَّنْ يَظْلِم، بَلْ مِمَّنْ يَعْفُو وَيُحْسِن. فتح الباري لابن حجر - (ج ١٢ / ص ١٨٩)
(٨) أَيْ: إِنْ تَقْتُل تَقْتُل صَاحِب دَمٍ , لِدَمِهِ مَوْقِع يَشْتَفِي قَاتِله بِقَتْلِهِ , وَيَدْرِك ثَأره لِرِيَاسَتِهِ وَعَظَمَته. فتح الباري لابن حجر - (ج ١٢ / ص ١٨٩)
(٩) (م) ١٧٦٤ , (خ) ٤١١٤
(١٠) (هق) ١٧٨١٠ , وحسنه الألباني في الإرواء تحت حديث: ١٢١٦ , (خ) ٤١١٤
(١١) (م) ١٧٦٤ , (خ) ٤١١٤
(١٢) (خ) ٤١١٤ , (م) ١٧٦٤
(١٣) (هق) ١٧٨١٠
(١٤) (م) ١٧٦٤
(١٥) (خ) ٤١١٤ , (م) ١٧٦٤
(١٦) واستدل العلماء بفعله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - على جواز المَنِّ للإمام. ع
(١٧) (هق) ١٧٨١٠
(١٨) النَجْل: هو الماء الذي في بُطون الأودية.
(١٩) (خ) ٤١١٤ , (م) ١٧٦٤
(٢٠) (هق) ١٧٨١٠
(٢١) أَيْ: بَشَّرَهُ بِخَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. فتح الباري لابن حجر - (ج ١٢ / ص ١٨٩)
(٢٢) أَمْره بِالْعُمْرَةِ على الاسْتِحْبَاب؛ لِأَنَّ الْعُمْرَة مُسْتَحَبَّة فِي كُلّ وَقْت , لَا سِيَّمَا مِنْ هَذَا الشَّرِيف الْمُطَاع إِذَا أَسْلَمَ، وَجَاءَ مُرَاغِمًا لِأَهْلِ مَكَّة فَطَافَ وَسَعَى وَأَظْهَرَ إِسْلَامه وَأَغَاظَهُمْ بِذَلِكَ. شرح النووي على مسلم - (ج ٦ / ص ٢١٤)
(٢٣) (خ) ٤١١٤ , (م) ١٧٦٤
(٢٤) (هق) ١٧٨١٠
(٢٥) كَأَنَّهُ قَالَ: لَا مَا خَرَجْت مِنْ الدِّين، لِأَنَّ عِبَادَة الْأَوْثَان لَيْسَتْ دِينًا، فَإِذَا تَرَكْتهَا لَا أَكُون خَرَجْت مِنْ دِين، بَلْ اِسْتَحْدَثْت دِين الْإِسْلَام. فتح الباري لابن حجر - (ج ١٢ / ص ١٨٩)
(٢٦) (هق) ١٧٨١٠
(٢٧) (خ) ٤١١٤ , (م) ١٧٦٤
(٢٨) (هق) ١٧٨١٠
(٢٩) (خ) ٤١١٤ , (م) ١٧٦٤
(٣٠) جَهَدَ: أصابه الجوع.
(٣١) (هق) ١٧٨١٠
(٣٢) أَيْ: إِنَّك تَأمُر بِصِلَةِ الرَّحِم. فتح الباري لابن حجر - (ج ١٢ / ص ١٨٩)
(٣٣) (حم) ٧٣٥٥ , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي.
(٣٤) (هق) ١٧٨١٠
(٣٥) (حم) ٧٣٥٥
(٣٦) (د) ٣٠٢٦ , (حم) ١٧٩٤٢ وقال الألباني: ضعيف , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: رجاله ثقات رجال الصحيح , غير أن في سماع الحسن من عثمان اختلاف.
(٣٧) الاختيار شرح المختار ١/ ١٧، والإقناع للشربيني الخطيب ١/ ٣٠، والمغني لابن قدامة ١/ ٤٣ ط دار الكتاب العربي.