للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خد) , وَعَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو السَّهْمِيَّ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - وَهُوَ بِمِنًى أَوْ بِعَرَفَاتٍ، وَقَدْ أَطَافَ بِهِ النَّاسُ، وَيَجِيءُ الأَعْرَابُ، فَإِذَا رَأَوْا وَجْهَهُ قَالُوا: هَذَا وَجْهٌ مُبَارَكٌ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ اسْتَغْفِرْ لِي، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا "، فَدُرْتُ فَقُلْتُ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا "، فَدُرْتُ فَقُلْتُ: اسْتَغْفِرْ لِي، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا، فَذَهَبَ يَبْزُقُ، فَقَالَ بِيَدِهِ فَأَخَذَ بِهَا بُزَاقَهُ، وَمَسَحَ بِهَا نَعْلَهُ، كَرِهَ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنْ حَوْلِهِ " (١)

مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى طَهَارَةِ الْبَلْغَمِ، فَمَنْ قَاءَ بَلْغَمًا لا يَنْتَقِضُ وُضُوؤُهُ وَإِنْ مَلأَ الْفَمَ لِطَهَارَتِهِ، " لأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَزَقَ فِيهِ وَرَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ "، وَلِهَذَا لا يَنْقُضُ النَّازِلُ مِنَ الرَّأسِ بِالإِجْمَاعِ، هُوَ لِلُزُوجَتِهِ لا تَتَدَاخَلُهُ النَّجَاسَةُ، وَأَمَّا مَا يُجَاوِرُهُ مِنَ النَّجَاسَةِ فَهُوَ قَلِيلٌ، وَالْقَلِيلُ غَيْرُ نَاقِضٍ، بِخِلافِ الصَّفْرَاءِ فَإِنَّهَا تُمَازِجُهَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنْ كَانَ مِنَ الْجَوْفِ نَقَضَ لأَنَّهُ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ فَأَشْبَهَ الصَّفْرَاءَ. (٢)

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ كُلَّ حَيٍّ بَحْرِيًّا كَانَ أَوْ بَرِّيًّا، كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ آدَمِيًّا، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، لُعَابُ ذَلِكَ كُلِّهِ - وَهُوَ مَا سَالَ مِنْ فَمِهِ فِي يَقَظَةٍ أَوْ نَوْمٍ - طَاهِرٌ، مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ الْمَعِدَةِ بِصُفْرَتِهِ وَنُتُونَتِهِ، فَإِنَّهُ نَجِسٌ، وَلا يُسَمَّى حِينَئِذٍ لُعَابًا، وَيُعْفَى عَنْهُ إِذَا لازَمَ وَإِلا فَلا، وَمُخَاطُهُ كَذَلِكَ طَاهِرٌ، وَهُوَ مَا سَالَ مِنْ أَنْفِهِ. (٣)

وَالْبَلْغَمُ طَاهِرٌ، وَهُوَ الْمُنْعَقِدُ كَالْمُخَاطِ يَخْرُجُ مِنَ الصَّدْرِ أَوْ يَسْقُطُ مِنَ الرَّأسِ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، حَيْثُ يَقُولُونَ بِطِهَارَةِ الْمَعِدَةِ لِعِلَّةِ الْحَيَاةِ، فَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا طَاهِرٌ، وَعِلَّةُ نَجَاسَةِ الْقَيْءِ الاسْتِحَالَةُ إِلَى فَسَادٍ. (٤)

وَيَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الْبَلْغَمَ الصَّاعِدَ مِنَ الْمَعِدَةِ نَجِسٌ، بِخِلافِ النَّازِلِ مِنَ الرَّأسِ أَوْ مِنْ أَقْصَى الْحَلْقِ أَوِ الصَّدْرِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ. (٥)

وَيَقُولُ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ رِيقَ الآدَمِيِّ وَمُخَاطَهُ وَنُخَامَتَهُ طَاهِرٌ، فَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُؤِيَ فِي وَجْهِهِ، فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ - أَوْ: إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ - فَلا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ: أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا، وَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَمَا أَمَرَ بِمَسْحِهَا فِي ثَوْبِهِ وَهُوَ فِي الصَّلاةِ , وَلا تَحْتَ قَدَمِهِ.

وَلا فَرْقَ فِي الْبَلْغَمِ بَيْنَ مَا يَخْرُجُ مِنَ الرَّأسِ وَمَا يَخْرُجُ مِنَ الصَّدْرِ. (٦)

الأَصْلُ فِي مَاءِ فَمِ الإِنْسَانِ طَهُورِيَّتُهُ مَا لَمْ يُنَجِّسْهُ نَجَسٌ. (٧)

وَلِلْبُصَاقِ أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ. فَهُوَ حَرَامٌ فِي الْمَسْجِدِ وَمَكْرُوهٌ عَلَى حِيطَانِهِ. (٨)

فَإِذَا بَصَقَ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفِنَهُ، إِذِ الْبَصْقُ فِيهِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ " الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا " (٩)

وَالْمَشْهُورُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَدْفِنَهُ فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ وَرَمْلِهِ، إِنْ كَانَ لَهُ تُرَابٌ أَوْ رَمْلٌ وَنَحْوُهُمَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخَذَهُ بِعُودٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ بِيَدِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْهُ. (١٠)

كَمَا لا يَبْصُقُ عَلَى حِيطَانِهِ، وَلا بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الْحَصَى، وَلا فَوْقَ الْبَوَارِي (أَيِ الْحُصْرِ) وَلا تَحْتَهَا. وَلَكِنْ يَأخُذُهُ بِطَرَفِ ثَوْبٍ وَيَحُكُّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَلا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلاةُ إِلا أَنْ يَتَوَالَى وَيَكْثُرَ. وَإِنْ كَانَ قَدْ بَصَقَ فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفِنَهُ. فَإِنِ اضْطُرَّ إِلَى ذَلِكَ، كَانَ الإِلْقَاءُ فَوْقَ الْحَصِيرِ أَهْوَنَ مِنَ الإِلْقَاءِ تَحْتَهُ. لأَنَّ الْبَوَارِيَ لَيْسَتْ بِمَسْجِدٍ حَقِيقَةً، وَمَا تَحْتَهَا مَسْجِدٌ حَقِيقَةً. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ الْبَوَارِي يَدْفِنُهُ فِي التُّرَابِ، وَلا يَتْرُكُهُ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ. (١١)

وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَبْصُقْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وَلا عَنْ يَمِينِهِ، بَلْ يَبْصُقُ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى، أَوْ عَنْ يَسَارِهِ. (١٢)

وَمَنْ رَأَى مَنْ يَبْصُقُ فِي الْمَسْجِدِ لَزِمَهُ الإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَمَنْعُهُ مِنْهُ إِنْ قَدَرَ. وَمَنْ رَأَى بُصَاقًا وَنَحْوَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُزِيلَهُ بِدَفْنِهِ أَوْ إِخْرَاجِهِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَطْيِيبُ مَحَلِّهِ.

وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِذَا بَصَقَ أَوْ رَأَى بُصَاقًا دَلَكَهُ بِأَسْفَلِ مَدَاسِهِ الَّذِي دَاسَ بِهِ النَّجَاسَةَ وَالأَقْذَارَ فَحَرَامٌ، لأَنَّهُ تَنْجِيسٌ لِلْمَسْجِدِ وَتَقْذِيرٌ لَهُ.

وَعَلَى مَنْ رَآهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ الإِنْكَارُ عَلَيْهِ بِشَرْطِهِ. (١٣)

وَلا يَسُوغُ مَسْحُ لَوْحِ الْقُرْآنِ أَوْ بَعْضِهِ بِالْبُصَاقِ. وَيَتَعَيَّنُ عَلَى مُعَلِّمِ الصِّبْيَانِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ. (١٤)

وَمِنْ أَحْكَامِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّائِمِ: أَنَّ مَنِ ابْتَلَعَ رِيقَ نَفْسِهِ، وَهُوَ فِي فِيهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لا يُفْطِرُ، حَتَّى لَوْ جَمَعَهُ فِي الْفَمِ وَابْتَلَعَهُ. (١٥)

وَإِنْ صَارَ خَارِجَ فِيهِ وَانْفَصَلَ عَنْهُ، وَأَعَادَهُ إِلَيْهِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ وَابْتَلَعَهُ، فَسَدَ صَوْمُهُ. كَمَا لَوِ ابْتَلَعَ بُزَاقَ غَيْرِهِ. (١٦)

وَمَنْ تَرَطَّبَتْ شَفَتَاهُ بِلُعَابِهِ عِنْدَ الْكَلامِ أَوِ الْقِرَاءَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَابْتَلَعَهُ لا يَفْسُدُ صَوْمُهُ لِلضَّرُورَةِ. (١٧)

وَلَوْ بَقِيَ بَلَلٌ فِي فَمِهِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ فَابْتَلَعَهُ مَعَ الْبُزَاقِ لَمْ يُفَطِّرْهُ. (١٨)

وَلَوْ بَلَّ الْخَيَّاطُ خَيْطًا بِرِيقِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إِلَى فِيهِ عَلَى عَادَتِهِمْ حَالَ الْفَتْلِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى الْخَيْطِ رُطُوبَةٌ تَنْفَصِلُ لَمْ يُفْطِرْ بِابْتِلاعِ رِيقِهِ، بِخِلافِ مَا إِذَا كَانَتْ تَنْفَصِلُ. (١٩)

ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى طَهَارَةِ عَرَقِ الإِنْسَانِ مُطْلَقًا، لا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، الصَّاحِي وَالسَّكْرَانِ، وَالطَّاهِرِ وَالْحَائِضِ وَالْجُنُبِ. (٢٠)


(١) (خد) ١١٤٨ , (طب) ج ٣/ ص٢٦٢ح٣٣٥١ , انظر صَحْيح الْأَدَبِ الْمُفْرَد: ٨٧٩
(٢) مراقي الفلاح ص ١٨ ط الحلبي، والاختيار شرح المختار ١/ ٩ ط الحلبي.
(٣) حاشية الدسوقي ١/ ٥٠، وجواهر الإكليل ١/ ٨، وأسهل المدارك شرح إرشاد السالك ١/ ٦٤ ـ ٦٥.
(٤) حاشية الدسوقي ١/ ٥١، والشرح الصغير ١/ ٤٤، وجواهر الإكليل ١/ ٩.
(٥) روضة الطالبين ١/ ١٦ ط المكتب الإسلامي، والإقناع للشربيني الخطيب ١/ ٣٢، وقليوبي مع المنهاج ١/ ٦٩ وحاشية الجمل ١/ ١٧٤.
(٦) المغني لابن قدامة مع الشرح ١/ ٧٣٣ ـ ٧٣٤.
(٧) حاشية ابن عابدين ١/ ٩٣.
(٨) الأشباه والنظائر لابن نجيم ٣٧٠، وإعلام الساجد بأحكام المساجد ص ٣٠٨.
(٩) (خ) ٤٠٥ , (م) ٥٥ - (٥٥٢) , (ت) ٥٧٢ , (س) ٧٢٣
(١٠) المجموع شرح المهذب ٤/ ١٠١، وإعلام الساجد بأحكام المساجد ص ٣٠٨ ـ ٣٠٩.
(١١) الفتاوى الهندية ١/ ١١٠، وبدائع الصنائع ١/ ٢١٦.
(١٢) المغني لابن قدامة ٢/ ٢١٣ ط الرياض الحديثة، وقليوبي وعميرة ١/ ١٩٤، والمجموع شرح المهذب ٤/ ١٠٠.
(١٣) المجموع شرح المهذب ٤/ ١٠١، وإعلام الساجد بأحكام المساجد ص٣٠٨.
(١٤) حاشية البناني على شرح الزرقاني على مختصر خليل ١/ ٩٣.
(١٥) شرح الزرقاني على مختصر خليل ٢/ ٢٠٥، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ١/ ٥٢٥، والفواكه الدواني ١/ ٣٥٩، والفتاوى الهندية ١/ ٢٠٣.
(١٦) الفتاوى الهندية ١/ ٢٠٣.
(١٧) الفتاوى الهندية ١/ ٢٠٣، ورد المحتار على الدر المختار ٢/ ١٠١ ط دار إحياء التراث العربي.
(١٨) الفتاوى الهندية ١/ ٢٠٣، ورد المحتار على الدر المختار ٢/ ٩٨ ط دار إحياء التراث العربي.
(١٩) الفتاوى الهندية١/ ٢٠٣، ورد المحتار على الدر المختار وحاشية ابن عابدين ٢/ ٩٨، ١٠١ ط دار إحياء التراث العربي، والمجموع شرح المهذب ٦/ ٣١٨، وقليوبي وعميرة ٢/ ٥٧.
(٢٠) تبيين الحقائق ١/ ٣١، حاشية الدسوقي ١/ ٥٠، كشاف القناع ١/ ١٩٣، ١٩٤، المغني ١/ ٤٩.