للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(قط) عَنْ عَطَاءٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ النُّخَامَةِ وَالْبُزَاقِ , أَمِطْهُ عَنْكَ بِإِذْخِرَةٍ. (١)

قال الطحاوي: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَرَاهُ طَاهِرًا. (٢)

مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْمَنِيَّ نَجِسٌ (٣) وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ.

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الْمَنِيَّ نَجِسٌ سَوَاءٌ مِنَ الإِنْسَانِ أَوْ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ كُلِّهَا دُونَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَأكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ مَأكُولِهِ. (٤)

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الْمَنِيُّ نَجِسٌ إِذَا كَانَ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ مِنْ حَيَوَانٍ مُحَرَّمِ الأَكْلِ بِغَيْرِ خِلافٍ، أَمَّا مَنِيُّ مُبَاحِ الأَكْلِ فَفِيهِ خِلافٌ.

فَقِيلَ بِطَهَارَتِهِ وَقِيلَ بِنَجَاسَتِهِ لِلاسْتِقْذَارِ وَالاسْتِحَالَةِ إِلَى فَسَادٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. (٥)

وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: " كُنْتُ أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاةِ وَإِنْ بَقَّعَ الْمَاءُ فِي ثَوْبِهِ ".

وَجْهُ الدَّلالَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَدْ غَسَلَتِ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْغُسْلُ شَأنُ النَّجَاسَاتِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ بِهَذَا فَأَقَرَّهُ وَلَمْ يَقُلْ لَهَا أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ فَكَانَ نَجِسًا كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ. (٦)

وَاسْتَدَلُّوا بِآثَارٍ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ: إِنْ رَأَيْتَهُ فَاغْسِلْهُ وَإِلا فَاغْسِلِ الثَّوْبَ كُلَّهُ وَمِنِ التَّابِعِينَ مَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ الْمَنِيَّ بِمَنْزِلَةِ الْبَوْلِ. (٧)

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ سَبَبَ نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ أَنَّهُ دَمٌ مُسْتَحِيلٌ إِلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ (٨) فَحُكِمَ بِنَجَاسَةِ الْمَنِيِّ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ كُلِّهَا لأَنَّ مَنَاطَ التَّنْجِيسِ كَوْنُهُ دَمًا مُسْتَحِيلا إِلَى نَتْنٍ وَفَسَادٍ وَهَذَا لا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْحَيَوَانَاتِ كُلِّهَا كَمَا قَالَ الدَّرْدِيرُ.

وَبِأَنَّ الْمَنِيَّ يَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ مُوجِبًا لِتَنْجِيسِهِ فَأُلْحِقَ الْمَنِيُّ بِالْبَوْلِ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً. (٩)

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ: إِنَّ مَنِيَّ الإِنْسَانِ طَاهِرٌ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنَ الذَّكَرِ أَمِ الأُنْثَى.

لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا " أَنَّهَا كَانَتْ تَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ " فَدَلَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَعَ فِي الصَّلاةِ وَالْمَنِيُّ عَلَى ثَوْبِهِ وَهَذَا شَأنُ الطَّاهِرَاتِ (١٠) وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبُصَاقِ أَوِ الْمُخَاطِ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَمْسَحَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ إِذْخِرٍ.

فَيَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ ابن عباس قَدْ شَبَّهَ الْمَنِيَّ بِالْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ , مِمَّا يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ وَأَمَرَ بِإِمَاطَتِهِ بِأَيِّ كَيْفِيَّةٍ كَانَتْ - وَلَوْ بِإِذْخِرٍ - لأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ طَبْعًا , وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهُ الْمَنِيُّ إِنْ كَانَ رَطْبًا مَسَحَهُ وَإِنْ كَانَ يَابِسًا حَتَّهُ ثُمَّ صَلَّى فِيهِ (١١) وَلأَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ الإِنْسَانِ فَكَانَ طَاهِرًا كَالطِّينِ وَكَذَلِكَ مَنِيُّ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ حَالَ حَيَاتِهَا فَإِنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِهَا وَيُخْلَقُ مِنْهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ.

وَفِي مُقَابِلِ الأَظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ نَجِسٌ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ نَجِسٌ مِنَ الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ رُطُوبَةِ فَرْجِهَا وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. (١٢)

أَمَّا مَنِيُّ غَيْرِ الآدَمِيِّ فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَصَحِّ إِلَى أَنَّ مَنِيَّ غَيْرِ الآدَمِيِّ وَنَحْوِ الْكَلْبِ نَجِسٌ كَسَائِرِ الْمُسْتَحِيلاتِ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّ الأَصَحَّ طَهَارَةُ مَنِيِّ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا لأَنَّهُ أَصْلُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فَأَشْبَهَ مَنِيَّ الآدَمِيِّ.

وَفِي مُقَابِلِ الأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْلِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ طَاهِرٌ مِنَ الْمَأكُولِ نَجِسٌ مِنْ غَيْرِهِ كَلَبَنِهِ. (١٣)

نَظَرًا لأَنَّهُ قَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ وَطَهَارَتِهِ فَقَدْ بَيَّنَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ نَجِسٌ وَسِيلَةَ تَطْهِيرِهِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَنِيَّ إِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ فَإِنْ كَانَ رَطْبًا يَجِبُ غَسْلُهُ وَإِنْ جَفَّ عَلَى الثَّوْبِ أَجْزَأَ فِيهِ الْفَرْكُ. (١٤)

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَطْهِيرَ مَحَلِّ الْمَنِيِّ يَكُونُ بِغَسْلِهِ. (١٥) لِمَا وَرَدَ عَنْ زُبَيْدِ بْنِ الصَّلْتِ: أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الْجُرُفِ فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ قَدِ احْتَلَمَ وَصَلَّى وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَانِي إِلا احْتَلَمْتُ وَمَا شَعَرْتُ وَصَلَّيْتُ وَمَا اغْتَسَلْتُ قَالَ: فَاغْتَسَلَ وَغَسَلَ مَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ وَنَضَحَ مَا لَمْ يَرَ وَأَذَّنَ أَوْ أَقَامَ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى مُتَمَكِّنًا. (١٦)

أَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ فَقَدْ بَيَّنُوا كَيْفِيَّةَ تَنْظِيفِهِ.

فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الأَظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْمَنِيِّ لِلأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِيهِ وَخُرُوجًا مِنَ الْخِلافِ.


(١) (قط) ج١ص١٢٥ح٢ , (عب) ١٤٣٨ , (ش) ٩٢٣ , (طح) ٢٩٨ , وصححه الألباني في الضعيفة تحت حديث: ٩٤٨
(٢) (طح) ٢٩٨
(٣) البناية على الهداية ١/ ٧٢٠، وحاشية ابن عابدين ١/ ٢٠٨، وبدائع الصنائع ١/ ٦٠ ـ ٦١، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ١/ ٥٦، والخرشي ١/ ٩٢، والحطاب ١/ ١٠٤، وشرح منتهى الإرادات ١/ ١٠٢، والمبدع شرح المقنع ١/ ٣٣٨، والفروع ١/ ٢٤٧، والإنصاف ١/ ٣٤٠، ومغني المحتاج ١/ ٨٠.
(٤) البناية ١/ ٧٢٠، وابن عابدين ١/ ٢٠٨، والبحر الرائق ١/ ٢٣٦.
(٥) الخرشي ١/ ٩٢، والدسوقي ١/ ٥٦.
(٦) بدائع الصنائع ١/ ٦٠، وتبيين الحقائق ١/ ٧١، والبناية على الهداية ١/ ٧٢٢، وانتصار الفقير السالك ٢٥٦.
(٧) البناية على الهداية ١/ ٧٢٢.
(٨) حاشية الدسوقي ١/ ٥١.
(٩) الحطاب ١/ ١٠٤، والخرشي ١/ ٩٢، وحاشية الدسوقي ١/ ٥٦.
(١٠) مغني المحتاج ١/ ٧٩ ـ ٨٠، وتحفة المحتاج ١/ ٢٩٧، وكفاية الأخيار ١/ ٤١، ونهاية المحتاج ١/ ٢٢٥، وحاشية القليوبي وعميرة على شرح المنهاج ١/ ٧٠، وشرح منتهى الإرادات ١/ ١٠٢، والمبدع شرح المقنع ١/ ٢٥٤، والفروع ١/ ٢٤٧، والإنصاف ١/ ٣٤٠.
(١١) أخرجه الشافعي في المسند (١/ ٢٦ ترتيبه)
(١٢) نهاية المحتاج ١/ ٢٢٦، والإنصاف ١/ ٣٣٩.
(١٣) مغني المحتاج ١/ ٧٩ ـ ٨٠، الإنصاف ١/ ٣٣٩.
(١٤) الفتاوى الهندية ١/ ٤٤.
(١٥) المنتقى شرح الموطأ ١/ ٩٩ ـ ١٠٠.
(١٦) أثر عمر " أنه احتلم وصلى. . . ". أخرجه مالك في الموطأ (١/ ٤٩).