(٢) قَالَ اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ الله: تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيث خَمْسَة أَنْوَاع مِنْ الشَّفَاعَة , أَحَدهَا: الشَّفَاعَة الْعَامَّة الَّتِي يَرْغَب فِيهَا النَّاس إِلَى الْأَنْبِيَاء، نَبِيًّا بَعْد نَبِيّ، حَتَّى يُرِيحهُمْ الله مِنْ مَقَامهمْ.النَّوْع الثَّانِي: الشَّفَاعَة فِي فَتْح الْجَنَّة لِأَهْلِهَا.النَّوْع الثَّالِث: الشَّفَاعَة فِي دُخُول مَنْ لَا حِسَاب عَلَيْهِمْ الْجَنَّة.النَّوْع الرَّابِع: الشَّفَاعَة فِي إِخْرَاج قَوْم مِنْ أَهْل التَّوْحِيد مِنْ النَّار.النَّوْع الْخَامِس: فِي تَخْفِيف الْعَذَاب عَنْ بَعْض أَهْل النَّار.وَيَبْقَى نَوْعَانِ يَذْكُرهُمَا كَثِير مِنْ النَّاس , أَحَدهمَا: فِي قَوْم اِسْتَوْجَبُوا النَّار , فَيُشْفَع فِيهِمْ أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا. وَهَذَا النَّوْع لَمْ أَقِف إِلَى الْآن عَلَى حَدِيث يَدُلّ عَلَيْهِ , وَأَكْثَر الْأَحَادِيث صَرِيحَة فِي أَنَّ الشَّفَاعَة فِي أَهْل التَّوْحِيد مِنْ أَرْبَاب الْكَبَائِر إِنَّمَا تَكُون بَعْد دُخُولهمْ النَّار، وَأَمَّا أَنْ يُشْفَع فِيهِمْ قَبْل الدُّخُول فَلَا يَدْخُلُونَ , فَلَمْ أَظْفَر فِيهِ بِنَصٍّ.وَالنَّوْع الثَّانِي: شَفَاعَته - صلى الله عليه وسلم - لِقَوْمٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي زِيَادَة الثَّوَاب، وَرِفْعَة الدَّرَجَات وَهَذَا قَدْ يُسْتَدَلّ عَلَيْهِ بِدُعَاءِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لِأَبِي سَلَمَة، وَقَوْله " اللهمَّ اِغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَة وَارْفَعْ دَرَجَته فِي الْمَهْدِيِّينَ "وَقَوْله فِي حَدِيث أَبِي مُوسَى: " اللهمَّ اِغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِر، وَاجْعَلْهُ يَوْم الْقِيَامَة فَوْق كَثِير مِنْ خَلْقك ".وَفِي قَوْله فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة: " أَسْعَد النَّاس بِشَفَاعَتِي مَنْ قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله " سِرٌّ مِنْ أَسْرَار التَّوْحِيد , وَهُوَ أَنَّ الشَّفَاعَة إِنَّمَا تُنَال بِتَجْرِيدِ التَّوْحِيد , فَمَنْ كَانَ أَكْمَل تَوْحِيدًا , كَانَ أَحْرَى بِالشَّفَاعَةِ , لَا أَنَّهَا تُنَال بِالشِّرْكِ بِالشَّفِيعِ , كَمَا عَلَيْهِ أَكْثَر الْمُشْرِكِينَ , وَبِاللهِ التَّوْفِيق. عون المعبود (١٠/ ٢٥٩)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute