للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(م حم) , وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: (لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه -) (١) (أَرْسَلَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها - وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - إِلَى أَهْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) (٢) (أَنْ يَمُرُّوا بِجِنَازَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّينَ عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا، فَوُقِفَ بِهِ عَلَى حُجَرِهِنَّ يُصَلِّينَ عَلَيْهِ , وَأُخْرِجَ بِهِ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ الَّذِي كَانَ إِلَى الْمَقَاعِدِ، فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَلِكَ وَقَالُوا: مَا كَانَتْ الْجَنَائِزُ يُدْخَلُ بِهَا الْمَسْجِدَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ:) (٣) (مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إلَى أَنْ يَعِيبُوا مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، عَابُوا عَلَيْنَا أَنْ يُمَرَّ بِجِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ؟) (٤) (" فَوَاللهِ مَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -) (٥) (عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ إِلَّا فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ ") (٦) (مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ) (٧).

شرحه في كتاب الصلاة

مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:

وَأَمَّا الآدَمِيُّ الْمَيِّتُ فَيَرَى عَامَّةُ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ لِمَا فِيهِ مِنَ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ، كَمَا يَتَنَجَّسُ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَهَا دَمٌ سَائِلٌ بِالْمَوْتِ، وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ يُوجِبُ تَنَجُّسَهُ، إِلا أَنَّهُ إِذَا غُسِلَ يُحْكَمُ بِطِهَارَتِهِ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا كَرَامَةً لَهُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّهُ لا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، وَأَنَّهُ لا تَصِحُّ صَلاةُ حَامِلِهِ. (٨)

وَيَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ: مَيْتَةُ الآدَمِيِّ وَلَوْ كَافِرًا طَاهِرَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ شَعْبَانَ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ نَجَاسَتُهُ.

قَالَ عِيَاضٌ: لأَنَّ غَسْلَهُ وَإِكْرَامَهُ يَأبَى تَنْجِيسَهُ، إِذْ لا مَعْنَى لِغَسْلِ الْمَيْتَةِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْعَذِرَةِ " وَلِصَلاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَسْجِدِ "

وَلِمَا رُوِيَ " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ بَعْدَ الْمَوْتِ "، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا فَعَلَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ذَلِكَ. (٩)

وَيَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ كَذَلِكَ بِطَهَارَةِ الآدَمِيِّ الْمَيِّتِ مُسْلِمًا أَوْ غَيْرَ مُسْلِمٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:} وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ {وَتَكْرِيمُهُمْ يَقْتَضِي طَهَارَتَهُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، وَقَضِيَّةُ التَّكْرِيمِ أَنْ لا يُحْكَمَ بِنَجَاسَتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُسْلِمُ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى:} إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ {نَجَسٌ. فَالْمُرَادُ بِهِ نَجَاسَةُ الاعْتِقَادِ أَوِ اجْتِنَابُهُمْ كَالنَّجِسِ لا نَجَاسَةُ الأَبْدَانِ. (١٠)

وَيَقُولُ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الآدَمِيَّ طَاهِرٌ حَيًّا وَمَيِّتًا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْمُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ " , وَلأَنَّهُ آدَمِيٌّ فَلَوْ نَجُسَ بِالْمَوْتِ لَمْ يَطْهُرْ بِالْغُسْلِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تَنْجُسُ.

وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ لاسْتِوَائِهِمَا فِي الآدَمِيَّةِ وَفِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَنْجُسَ الْكَافِرُ بِمَوْتِهِ، لأَنَّ الْخَبَرَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْمُسْلِمِ وَلا يَصِحُّ قِيَاسُ الْكَافِرِ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ لا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ كَحُرْمَةِ الْمُسْلِمِ. (١١)

وَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: أَنَّ حُكْمَ أَجْزَاءِ الآدَمِيِّ وَأَبْعَاضِهِ حُكْمُ جُمْلَتِهِ سَوَاءٌ انْفَصَلَتْ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، لأَنَّهَا أَجْزَاءٌ مِنْ جُمْلَتِهِ وَلأَنَّهَا يُصَلَّى عَلَيْهَا فَكَانَتْ طَاهِرَةً كَجُمْلَتِهِ. (١٢)

وَذَكَرَ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهَا نَجِسَةٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً لأَنَّهَا لا حُرْمَةَ لَهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لا يُصَلَّى عَلَيْهَا. (١٣)

مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الآدَمِيَّ طَاهِرٌ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَأَنَّ مَوْتَ الآدَمِيِّ فِي الْمَاءِ لا يُنَجِّسُهُ إِلا إِنْ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمَاءِ تَغَيُّرًا فَاحِشًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْمُؤْمِنُ لا يَنْجُسُ ".

وَلأَنَّهُ لا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ، كَالشَّهِيدِ؛ لأَنَّهُ لَوْ نَجُسَ بِالْمَوْتِ لَمْ يَطْهُرْ بِالْغُسْلِ. وَلا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ لاسْتِوَائِهِمَا فِي الآدَمِيَّةِ. (١٤)

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ نَزْحَ كُلِّ مَاءِ الْبِئْرِ بِمَوْتِ الآدَمِيِّ فِيهِ، إِذْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ بِمَوْتِ سِنَّوْرَيْنِ أَوْ كَلْبٍ أَوْ شَاةٍ , أَوْ آدَمِيٍّ. وَمَوْتُ الْكَلْبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ , حَتَّى لَوْ انْغَمَسَ وَأُخْرِجَ حَيًّا , يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ. (١٥)

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ عَظْمَ الآدَمِيِّ طَاهِرٌ سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} الآيَةَ، وَمِنَ التَّكْرِيمِ أَنْ لا يُحْكَمَ بِنَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ. (١٦)


(١) (م) ١٠٠ - (٩٧٣)
(٢) (حم) ٢٥٣٩٦ , (م) ١٠٠ - (٩٧٣) , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: صحيح.
(٣) (م) ١٠٠ - (٩٧٣)
(٤) (م) ١٠٠ - (٩٧٣) , (حم) ٢٤٥٤٢
(٥) (حم) ٢٥٣٩٦ , (م) ١٠١ - (٩٧٣) , (س) ١٩٦٨ , (د) ٣١٨٩
(٦) (م) ١٠٠ - (٩٧٣) , (س) ١٩٦٨ , (ت) ١٠٣٣ , (د) ٣١٨٩ , (جة) ١٥١٨ , (حم) ٢٥٣٩٦
(٧) (م) ٩٩ - (٩٧٣)
(٨) الاختيار شرح المختار ١/ ١٥ ط حجازي، وبدائع الصنائع ١/ ٢٩٩، وحاشية ابن عابدين ١/ ١٤١.
(٩) أسهل المدارك شرح إرشاد السالك ١/ ٦٤ ـ ٦٥ ط دار الفكر، والشرح الكبير ١/ ٥٣، ٥٤.
(١٠) الإقناع للشربيني الخطيب ١/ ٣٠.
(١١) المغني لابن قدامة ١/ ٤٦.
(١٢) الاختيار شرح المختار ١/ ١٥، ومراقي الفلاح ص ٤٩، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ١/ ٥٤، والإقناع للشربيني ١/ ٣٠، المغني لابن قدامة ١/ ٤٦.
(١٣) المغني لابن قدامة ١/ ٤٥ ـ ٤٦.
(١٤) المغني ١/ ٤٣ ـ ٤٥ ط ١٣٤٦ هـ، وفتح المعين بحاشية إعانة الطالبين ١/ ٢٩
(١٥) مجمع الأنهر ١/ ٣٤ ط سنة ١٣٢٧هـ، وتبيين الحقائق ١/ ٣١
(١٦) حاشية ابن عابدين ١/ ١٣٨، وجواهر الإكليل ١/ ٨، ٩، ومغني المحتاج ١/ ٧٨، والمجموع للنووي ١/ ٢٣٦، والمغني لابن قدامة ١/ ٧٢.