قَال الْبُخَارِيُّ ج١ص٤٦: وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ , فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَنَزَفَهُ الدَّمُ، فَرَكَعَ، وَسَجَدَ وَمَضَى فِي صَلَاتِهِ»
الشَّرْح:
قَوْلُهُ: (وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ) وَصَلَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي قَالَ: حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ عَقِيلِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ مُطَوَّلًا. وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَشَيْخُهُ صَدَقَةُ ثِقَةٌ، وَعَقِيلٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ لَا أَعْرِفُ رَاوِيًا عَنْهُ غَيْرَ صَدَقَةَ، وَلِهَذَا لَمْ يَجْزِمْ بِهِ الْمُصَنِّفُ، أَوْ لِكَوْنِهِ اخْتَصَرَهُ، أَوْ لِلْخِلَافِ فِي ابْنِ إِسْحَاقَ.
قَوْلُهُ: (فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ) سَيَاتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (فَرُمِيَ) بِضَمِّ الرَّاءِ.
قَوْلُهُ: (رَجُلٌ) تَبَيَّنَ مِنْ سِيَاقِ الْمَذْكُورِينَ سَبَبُ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَمُحَصَّلُهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَزَلَ بِشِعْبٍ فَقَالَ: مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَبَاتَا بِفَمِ الشِّعْبِ فَاقْتَسَمَا اللَّيْلَ لِلْحِرَاسَةِ، فَنَامَ الْمُهَاجِرِيُّ وَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْعَدُوِّ فَرَأَى الْأَنْصَارِيَّ فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَأَصَابَهُ فَنَزَعَهُ وَاسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ، ثُمَّ رَمَاهُ بِثَانٍ فَصَنَعَ كَذَلِكَ، ثُمَّ رَمَاهُ بِثَالِثٍ فَانْتَزَعَهُ وَرَكَعَ وَسَجَدَ وَقَضَى صَلَاتَهُ، ثُمَّ أَيْقَظَ رَفِيقَهُ فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِ مِنَ الدِّمَاءِ قَالَ لَهُ: لِمَ لَا أَنْبَهْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَى؟ قَالَ: كُنْتُ فِي سُورَةٍ فَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَقْطَعَهَا.
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَسَمَّى الْأَنْصَارِيَّ الْمَذْكُورَ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ، وَالْمُهَاجِرِيَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، وَالسُّورَةَ الْكَهْفَ.
قَوْلُهُ: (فَنَزَفَهُ) قَالَ ابْنُ طَرِيفٍ هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ طَرِيفٍ الْأَنْدَلُسِيُّ، مَاتَ فِي حُدُودِ الْأَرْبَعِمِائَةِ. قَالَهُ السُّيُوطِيُّ فِي بُغْيَةِ الْوُعَاةِ. فِي الْأَفْعَالِ: يُقَالُ نَزَفَهُ الدَّمُ وَأَنْزَفَهُ إِذَا سَالَ مِنْهُ كَثِيرًا حَتَّى يُضْعِفَهُ فَهُوَ نَزِيفٌ وَمَنْزُوفٌ. وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الرَّدَّ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ الدَّمَ السَّائِلَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ مَضَى فِي صَلَاتِهِ مَعَ وُجُودِ الدَّمِ فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ وَاجْتِنَابُ النَّجَاسَةِ فِيهَا وَاجِبٌ؟ أَجَابَ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ جَرَى مِنَ الْجِرَاحِ عَلَى سَبِيلِ الدَّفْقِ بِحَيْثُ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا مِنْ ظَاهِرِ بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ، وَفِيهِ بُعْدُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ أَصَابَ الثَّوْبَ فَقَطْ فَنَزَعَهُ عَنْهُ وَلَمْ يَسِلْ عَلَى جِسْمِهِ إِلَّا قَدْرٌ يَسِيرٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. ثُمَّ الْحُجَّةُ قَائِمَةٌ بِهِ عَلَى كَوْنِ خُرُوجِ الدَّمِ لَا يَنْقُضُ، وَلَوْ لَمْ يَظْهَرِ الْجَوَابُ عَنْ كَوْنِ الدَّمِ أَصَابَهُ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ كَانَ يَرَى أَنَّ خُرُوجَ الدَّمَ فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ ذَكَرَ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ أَثَرَ الْحَسَنِ وَهُوَ الْبَصْرِيُّ قَالَ: مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى وَجُرْحُهُ يَنْبُعُ دَمًا. فتح (١/ ٢٨١)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute