للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ت د) , وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: (قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " يَا أَبَا ذَرٍّ , إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ) (١) (طَهُورُ الْمُسْلِمِ (٢) وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ , فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ (٣) ") (٤)

مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:

أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَبَاحُ بِالتَّيَمُّمِ - عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ - مَا يُسْتَبَاحُ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَالتَّيَمُّمُ يَكُونُ بِالتُّرَابِ الطَّهُورِ إِجْمَاعًا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَاهُ مِنْ أَجْزَاءِ الأَرْضِ، عَلَى تَفْصِيلٍ مَوْطِنُهُ باب التيمم (٥)

قَالَ الْحَافِظُ: خَالَفَ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ، فَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَمْ يَقُولُوا بِالتَّتْرِيبِ أَصْلًا مَعَ إِيجَابِهِمُ التَّسْبِيعَ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّ التَّتْرِيبَ لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، قَالَ الْقَرَافِيُّ مِنْهُمْ: قَدْ صَحَّتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ، فَالْعَجَبُ مِنْهُمْ كَيْفَ لَمْ يَقُولُوا بِهَا. وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّسْبِيعِ لِلنَّدْبِ، وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ لَكِنَّهُ لِلتَّعَبُّدِ لِكَوْنِ الْكَلْبِ طَاهِرًا عِنْدَهُمْ، وَأَبْدَى بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ لَهُ حِكْمَةً غَيْرَ التَّنْجِيسِ كَمَا سَيَاتِي. وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ بِأَنَّهُ نَجِسُ؛ لَكِنَّ قَاعِدَتَهُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ إِلَّا بِالتَّغَيُّرِ، فَلَا يَجِبُ التَّسْبِيعُ لِلنَّجَاسَةِ بَلْ لِلتَّعَبُّدِ، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَهَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تُسْتَعْمَلُ إِمَّا عَنْ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ، وَلَا حَدَثَ عَلَى الْإِنَاءِ فَتَعَيَّنَ الْخَبَثُ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْحَصْرِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَقَدْ قِيلَ لَهُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ؛ وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} وَقَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - {السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ} وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ نَاشِئٌ عَنْ حَدَثٍ فَلَمَّا قَامَ مَقَامَ مَا يُطَهِّرُ الْحَدَثَ سُمِّيَ طَهُورًا. وَمَنْ يَقُولُ بِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ يَمْنَعُ هَذَا الْإِيرَادَ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسَّنَةِ، وَلَيْسَ مَعَ مَنْ مَنَعَ لَكَ حُجَّةٌ يَحْسُنُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا ..

وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي أَنَّ أَلْفَاظَ الشَّرْعِ إِذَا دَارَتْ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ حُمِلَتْ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ إِلَّا إِذَا قَامَ دَلِيلٌ، وَدَعْوَى بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْمَامُورَ بِالْغَسْلِ مِنْ وُلُوغِهِ الْكَلْبُ الْمَنْهِيُّ عَنِ اتِّخَاذِهِ دُونَ الْمَأذُونِ فِيهِ يَحْتَاجُ إِلَى ثُبُوتِ تَقَدُّمِ النَّهْيِ عَنِ الِاتِّخَاذِ عَنِ الْأَمْرِ بِالْغَسْلِ، وَإِلَى قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا لَمْ يُؤْذَنْ فِي اتِّخَاذِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ الْكَلْبُ أَنَّهَا لِلْجِنْسِ أَوْ لِتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ فَيَحْتَاجُ الْمُدَّعِي أَنَّهَا لِلْعَهْدِ إِلَى دَلِيلٍ، وَمِثْلُهُ تَفْرِقَةُ بَعْضِهِمْ بَيْنَ الْبَدَوِيِّ وَالْحَضَرِيِّ، وَدَعْوَى بَعْضِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْكَلْبِ الْكَلِبِ، وَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي الْأَمْرِ بِغَسْلِهِ مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ , لِأَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ السَّبْعَ فِي مَوَاضِعَ , مِنْهُ كَقَوْلِهِ {صُبُّوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ} (٦)، قَوْلُهُ {مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً} (٧). وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْكَلْبَ الْكَلِبَ لَا يَقْرَبُ الْمَاءَ , فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِالْغَسْلِ مِنْ وُلُوغِهِ؟ , وَأَجَابَ حَفِيدُ ابْنِ رُشْدٍ بِأَنَّهُ لَا يَقْرَبُ الْمَاءَ بَعْدَ اسْتِحْكَامِ الْكَلَبِ مِنْهُ، أَمَّا فِي ابْتِدَائِهِ فَلَا يَمْتَنِعُ.

وَهَذَا التَّعْلِيلُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُنَاسَبَةٌ لَكِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ التَّخْصِيصَ بِلَا دَلِيلٍ وَالتَّعْلِيلُ بِالتَّنْجِيسِ أَقْوَى لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْغَسْلَ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ بِأَنَّهُ رِجْسٌ , رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ , وَالْمَشْهُورُ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ إِنَاءِ الْمَاءِ فَيُرَاقُ وَيُغْسَلُ وَبَيْنَ إِنَاءِ الطَّعَامِ فَيُؤْكَلُ ثُمَّ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ تَعَبُّدًا لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِرَاقَةِ عَامٌّ فَيُخَصُّ الطَّعَامُ مِنْهُ بِالنَّهْيِ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، وَعُورِضَ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْإِضَاعَةِ مَخْصُوصٌ بِالْأَمْرِ بِالْإِرَاقَةِ وَيَتَرَجَّحُ هَذَا الثَّانِي بِالْإِجْمَاعِ عَلَى إِرَاقَةِ مَا تَقَعُ فِيهِ النَّجَاسَةُ مِنْ قَلِيلِ الْمَائِعَاتِ وَلَوْ عَظُمَ ثَمَنُهُ، فَثَبَتَ أَنَّ عُمُومَ النَّهْيِ عَنِ الْإِضَاعَةِ مَخْصُوصٌ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْإِرَاقَةِ، وَإِذَا ثَبَتَتْ نَجَاسَةُ سُؤْرِهِ كَانَ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ أَوْ لِنَجَاسَةٍ طَارِئَةٍ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ مَثَلًا؛ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَرْجَحُ إِذْ هُوَ الْأَصْلُ؛ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الثَّانِي مُشَارَكَةُ غَيْرِهِ لَهُ فِي الْحُكْمِ كَالْهِرَّةِ مَثَلًا، وَإِذَا ثَبَتَتْ نَجَاسَةُ سُؤْرِهِ لِعَيْنِهِ لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَجَاسَةِ بَاقِيهِ إِلَّا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ كَأَنْ يُقَالَ: لُعَابُهُ نَجِسٌ فَفَمُهُ نَجِسٌ لِأَنَّهُ مُتَحَلِّبٌ مِنْهُ وَاللُّعَابُ عَرَقُ فَمِهِ وَفَمُهُ أَطْيَبُ بَدَنِهِ فَيَكُونُ عَرَقُهُ نَجِسًا وَإِذَا كَانَ عَرَقُهُ نَجِسًا كَانَ بَدَنُهُ نَجِسًا لِأَنَّ الْعَرَقَ مُتَحَلِّبٌ مِنَ الْبَدَنِ وَلَكِنْ هَلْ يَلْتَحِقُ بَاقِي أَعْضَائِهِ بِلِسَانِهِ فِي وُجُوبِ السَّبْعِ وَالتَّتْرِيبِ أَمْ لَا؟ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةِ إِلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ. فتح١٧٢

وقال ابن دقيق العيد: والحمل على التنجيس أولى , لأنه متى دار الحكم بين كونه تعبدا وكونه معقول المعنى , فالمعقول أولى , لندرة التعبُّد بالنسبة إلى الأحكام المعقولة المعنى. أ. هـ طرح ج١ص١٢٢

قَالَ الْحَافِظُ: وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَمْ يَقُولُوا بِوُجُوبِ السَّبْعِ وَلَا التَّتْرِيبِ، وَاعْتَذَرَ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ بِأُمُورٍ، مِنْهَا كَوْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَاوِيهِ أَفْتَى بِثَلَاثِ غَسَلَاتٍ فَثَبَتَ بِذَلِكَ نَسْخُ السَّبْعِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَفْتَى بِذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِ نَدْبِيَّةَ السَّبْعِ لَا وُجُوبَهَا أَوْ كَانَ نَسِيَ مَا رَوَاهُ، وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا يَثْبُتُ النَّسْخُ، وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَفْتَى بِالْغَسْلِ سَبْعًا وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى عَنْهُ مُوَافِقَةً فُتْيَاهُ لِرِوَايَتِهِ أَرْجَحُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى عَنْهُ مُخَالَفَتُهَا مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادُ وَمِنْ حَيْثُ النَّظَرُ، أَمَّا النَّظَرُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْإِسْنَادُ فَالْمُوَافَقَةُ وَرَدَتْ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْهُ وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ، وَأَمَّا الْمُخَالَفَةُ فَمِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ وَهُوَ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْقُوَّةِ بِكَثِيرٍ، وَمِنْهَا أَنَّ الْعَذِرَةَ أَشَدُّ فِي النَّجَاسَةِ مِنْ سُؤْرِ الْكَلْبِ، وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالسَّبْعِ فَيَكُونُ الْوُلُوغُ كَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا أَشَدَّ مِنْهُ فِي الِاسْتِقْذَارِ أَنْ لَا يَكُونَ أَشَدَّ مِنْهَا فِي تَغْلِيظِ الْحُكْمِ، وَبِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ.

وَمِنْهَا دَعْوَى أَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ كَانَ عِنْدَ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، فَلَمَّا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهَا نُسِخَ الْأَمْرُ بِالْغَسْلِ.

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِهَا كَانَ فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ وَالْأَمْرُ بِالْغَسْلِ مُتَأَخِّرٌ جِدًّا لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَأمُرُ بِالْغَسْلِ وَكَانَ إِسْلَامُهُ سَنَةَ سَبْعٍ كَأَبِي هُرَيْرَةَ، بَلْ سِيَاقُ مُسْلِمٍ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ كَانَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ. أ. هـ

قال في التحفة ٩١: تَنْبِيهٌ ذَكَرَ النِّيمَوِيُّ فِعْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ غَسَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَآخَرُونَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَأَهْرِقْهُ ثُمَّ اغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ انْتَهَى

قُلْتُ مَدَارُ فِعْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَوْلِهِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ لَمْ يَرْوِهِمَا غَيْرُهُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ثقة لكن كان له أوهام وكان يخطىء

قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ

وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ يخطىء

قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ هَذَا مَوْقُوفٌ وَلَمْ يَرْوِهِ هَكَذَا غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ اه

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَصْحَابِ عَطَاءٍ ثُمَّ أَصْحَابُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحُفَّاظُ الثِّقَاتُ مِنْ أَصْحَابِ عَطَاءٍ وَأَصْحَابُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْوُونَ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى خَطَأِ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الثَّلَاثِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ الثِّقَاتِ لِمُخَالَفَتِهِ أَهْلَ الْحِفْظِ وَالثِّقَةِ فِي بَعْضِ رِوَايَتِهِ تَرَكَهُ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ انْتَهَى

كَذَا ذكر العيني كَلَامَ الْبَيْهَقِيِّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ إِلَّا أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ مِنَ الْحُفَّاظِ وَعَنِ الثَّوْرِيِّ هُوَ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مُتْقِنٌ وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فِي الْحَدِيثِ , وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ ثقة يخطىء وَلَهُ أَوْهَامٌ وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَكَيْفَ مَا رَوَاهُ مُخَالِفًا وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ أَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّهُ أَفْتَى بِغَسْلِ الْإِنَاءِ سَبْعَ مَرَّاتٍ مُوَافِقًا لِحَدِيثِهِ الْمَرْفُوعِ فَفِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ ص ٣٣ حَدَّثَنَا الْمَحَامِلِيُّ نَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ نَا عَارِمٌ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ قَالَ يُهْرَاقُ وَيُغْسَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ انْتَهَى

وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَرْجَحُ وَأَقْوَى إِسْنَادًا مِنْ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ الْمَذْكُورَيْنِ الْمُخَالِفَيْنِ لِحَدِيثِهِ الْمَرْفُوعِ كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ

فَقَوْلُهُ الْمُوَافِقُ لِحَدِيثِهِ الْمَرْفُوعِ يُقَدَّمُ عَلَى قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ الْمَذْكُورَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُ النِّيمَوِيِّ فِي التَّعْلِيقِ وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعْنِي أَصْحَابَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَثَرًا مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ خِلَافَ مَا رَوَاهُ مِنْهُ عطاء إلا بن سِيرِينَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ

قَالَ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَرُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ قَوْلِهِ نَحْوَ رِوَايَتِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّنَدَ حَتَّى يَنْظُرَ فِيهِ انْتَهَى فَمَبْنِيٌّ عَلَى قُصُورِ نَظَرِهِ أَوْ عَلَى فَرْطِ تَعَصُّبِهِ فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَنَدَهُ فَالدَّارَقُطْنِيُّ ذَكَرَهُ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ فِي الفتح بأنه سَنَدَهُ أَرْجَحُ وَأَقْوَى مِنْ سَنَدِ قَوْلِهِ الْمُخَالِفِ لِحَدِيثِهِ

وَالْعَجَبُ مِنْ النِّيمَوِيِّ إِنَّهُ رَأَى فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُخَالِفَ لِرِوَايَتِهِ وَنَقَلَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَرَ فِيهِ قَوْلَهُ الْمُوَافِقَ لِحَدِيثِهِ وَكِلَاهُمَا مَذْكُورَانِ فِي صَفْحَةٍ وَاحِدَةٍ

تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ وَجَوَابُ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِنَا أَنَّ التَّسْبِيعَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ شَارِحُ الْكَنْزِ ثُمَّ وَجَدْتُهُ مَرْوِيًّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تحرير بن الْهُمَامِ انْتَهَى

قُلْتُ فَبَطَلَ بِهَذَا قَوْلُكُمْ بِادِّعَاءِ نَسْخِ التَّسْبِيعِ يَا مَعْشَرَ الْحَنَفِيَّةِ ثُمَّ حَمْلُ الْأَمْرِ بِالتَّسْبِيعِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ الْحَدِيثَ

ثُمَّ قَالَ وَلَوْ كَانَ التَّسْبِيعُ وَاجِبًا كَيْفَ اكْتَفَى بِالتَّثْلِيثِ قُلْتُ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ

ثُمَّ قَالَ وَفَتْوَى التَّثْلِيثِ مَرْفُوعَةٌ فِي كامل بن عَدِيٍّ عَنِ الْكَرَابِيسِيِّ وَهُوَ حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ تِلْمِيذُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ حَافِظٌ إِمَامٌ فَالْحَدِيثُ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ

قُلْتُ تَفَرَّدَ بِرَفْعِهَا الْكَرَابِيسِيُّ وَلَمْ يتابعه على ذلك أحد وقد صرح بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ بِأَنَّ الْمَرْفُوعَ مُنْكَرٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي لِسَانِ الْمِيزَانِ مَا لَفْظُهُ قَالَ يعني بن عَدِيٍّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا الْكَرَابِيسِيُّ ثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ رَفَعَهُ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُهْرِقْهُ وَلْيَغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثم أخرجه بن عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ عَنْ إِسْحَاقَ مَوْقُوفًا ثُمَّ قَالَ تَفَرَّدَ الْكَرَابِيسِيُّ بِرَفْعِهِ وَلِلْكَرَابِيسِيِّ كُتُبٌ مُصَنَّفَةٌ ذَكَرَ فِيهَا الِاخْتِلَافَ وَكَانَ حَافِظًا لَهَا وَلَمْ أَجِدْ لَهُ مُنْكَرًا غَيْرَ مَا ذَكَرْتُ انْتَهَى مَا فِي اللِّسَانِ فَقَوْلُ صَاحِبِ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ فَالْحَدِيثُ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ لَيْسَ مِمَّا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ تَنْبِيهٌ آخَرُ لِلْعَيْنِيِّ تَعَقُّبَاتٌ عَلَى كَلَامِ الْحَافِظِ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنِ الْفَتْحِ كُلُّهَا مَخْدُوشَةٌ وَاهِيَةٌ لَا حَاجَةَ إِلَى نَقْلِهَا ثُمَّ دَفْعِهَا لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَهَا صَاحِبُ بَذْلِ الْمَجْهُودِ وَصَاحِبُ الطِّيبِ الشَّذِيِّ وَغَيْرُهُمَا وَاعْتَمَدُوا عَلَيْهَا فَعَلَيْنَا أَنْ نَذْكُرَهَا وَنُظْهِرَ مَا فِيهَا مِنَ الْخَدَشَاتِ قَالَ الْعَيْنِيُّ كَوْنُ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يكون أبو هريرة وبن الْمُغَفَّلِ قَدْ سَمِعَا ذَلِكَ مِنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ فَأَخْبَرَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاعْتِمَادِهِمَا صِدْقَ الرَّاوِي عَنْهُ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ رَدَّ هَذَا التَّعَقُّبَ الْمَوْلَوِيُّ عَبْدُ الْحَيِّ اللَّكْنَوِيُّ فِي السِّعَايَةِ رَدًّا حَسَنًا فَقَالَ وَهَذَا تَعَقُّبٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ عِنْدِي فإن كون رواية أبي هريرة وبن الْمُغَفَّلِ بِوَاسِطَةِ صَحَابِيٍّ آخَرَ احْتِمَالٌ مَرْدُودٌ لِوُرُودِ سَمَاعِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهَادَتِهِ عَلَى أَبْلَغِ وَجْهٍ بِسَمَاعِهِ أخرجه بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَضْرِبُ جَبْهَتَهُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنِّي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ لَكُمْ الْهَنَاءُ وَعَلَيَّ الْإِثْمُ أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وكذا بن الْمُغَفَّلِ سَمِعَ أَمْرَ قَتْلِ الْكِلَابِ كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ وَحَسَّنَهُ قَالَ لِمَنْ يَرْفَعُ أَغْصَانَ الشَّجَرَةِ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ لَوْلَا أَنَّ الكلاب أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ وَمَا مِنْ بَيْتٍ يَرْتَبِطُونَ كَلْبًا إِلَّا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ بِلَا وَاسِطَةٍ نَسْخَ عُمُومِ الْقَتْلِ وَالرُّخْصَةَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَنَحْوَهُ وَظَاهِرُ سِيَاقِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ سَبْعًا وَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحًا رِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ عَنْهُ

قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ثُمَّ قَالَ مَالِي وَلِلْكِلَابِ ثُمَّ قَالَ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ فَدَلَّ ذَلِكَ صَرِيحًا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ سَبْعًا كَانَ بَعْدَ نَسْخِ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ لَا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ انْتَهَى مَا فِي السِّعَايَةِ

قَالَ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ احْتِمَالِ اعْتِقَادِ النَّدْبِ وَالنِّسْيَانِ هَذَا إساءة الظن بأبي هريرة فالاحتمال الناشىء مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ لَا يُسْمَعُ انْتَهَى

قُلْتُ قَدَّرَهُ صَاحِبُ السِّعَايَةِ فَقَالَ إِنَّ احْتِمَالَ النِّسْيَانِ وَاعْتِقَادَ النَّدْبِ لَيْسَ بِإِسَاءَةِ ظَنٍّ وَلَيْسَ فِيهِ قَدْحٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ انْتَهَى

قُلْتُ وَفِي احْتِمَالِ اعْتِقَادِ النَّدْبِ كَيْفَ يَكُونُ إِسَاءَةُ الظَّنِّ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ وَجَوَابُ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِنَا أَنَّ التَّسْبِيعَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْكَنْزِ ثُمَّ وَجَدْتُهُ مرويا عن أبي حنيفة في تحرير بن الهمام انتهى

قال العيني بعد ما ذَكَرَ أَنَّ قِيَاسَ سُؤْرِ الْكَلْبِ عَلَى الْعَذِرَةِ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ مَا لَفْظُهُ لَيْسَ هُوَ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ انْتَهَى

قُلْتُ قَدْ رَدَّهُ صَاحِبُ السِّعَايَةِ فَقَالَ هَذَا لَوْ تَمَّ لَدَلَّ عَلَى تَطْهِيرِ الْإِنَاءِ مِنْ سُؤْرِ الْكَلْبِ وَاحِدًا أَوْ ثَلَاثًا بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَأَحَادِيثُ السَّبْعِ دَالَّةٌ بِعِبَارَتِهَا عَلَى اشْتِرَاطِ السَّبْعِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعِبَارَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّلَالَةِ قَالَ وَأَيْضًا هَذَا مَنْقُوضٌ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ عَدَمِ نَقْضِهِ بِسَبِّ الْمُسْلِمِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ أَشَدُّ مِنْهُ فَالْجَوَابَ الْجَوَابَ انْتَهَى

وَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ تَعَقُّبَاتِهِ مَعَ بَيَانِ مَا فِيهَا مِنَ الْخَدَشَاتِ فَارْجِعْ إلى السعاية

تنبيه اعلم أن الشيخ بن الْهُمَامِ قَدْ تَصَدَّى لِإِثْبَاتِ نَسْخِ أَحَادِيثِ السَّبْعِ فَذَكَرَ فِيهِ تَقْرِيرَاتٍ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ رَدَّ تِلْكَ التَّقْرِيرَاتِ صَاحِبُ السِّعَايَةِ رَدًّا حَسَنًا وَقَالَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ عَلَيْهَا مَا

لَفْظُهُ وَفِيهِ عَلَى مَا أَقُولُ خَدَشَاتٌ تُنَبِّهُكَ على أن تقريره كله من خرافة ناشيء عَنْ عَصَبِيَّةٍ مَذْهَبِيَّةٍ وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ عَلَيْهَا مَا لَفْظُهُ فَتَأَمَّلْ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّ الْمَقَامَ مِنْ مَزَالِّ الْأَقْدَامِ حَتَّى زَلَّ قَدَمُ الْهَجَّامِ بْنِ الْهُمَامِ انْتَهَى

وَلَعَلَّ صَاحِبَ بَذْلِ الْمَجْهُودِ عَنْ هَذَا غَافِلٌ فَذَكَرَ تِلْكَ التَّقْرِيرَاتِ الْمَرْدُودَةَ وَكَذَا ذَكَرَ تَعَقُّبَاتِ الْعَيْنِيِّ الْمَرْدُودَةَ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا وَاغْتَنَمَهُمَا

وَكَذَلِكَ يَأتِي فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ بِالتَّقْرِيرَاتِ الْمَخْدُوشَةِ وَلَا يَظْهَرُ مَا فِيهَا مِنَ الْخَدَشَاتِ وَلَا يُشِيرُ إِلَى مَنْ ردها فلا أدري أنه يَأتِي بِهَا مَعَ الْوُقُوفِ عَلَى رَدِّهَا أَوْ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ ذَلِكَ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

فَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ وَإِنْ كَانَ يَدْرِي فَالْمُصِيبَةُ أَعْظَمُ وَقَدْ أَطَالَ فِي هذا البحث الفاضل للكنوي فِي السِّعَايَةِ الْكَلَامَ وَأَجَادَ وَقَالَ فِي آخِرِ الْبَحْثِ مَا لَفْظُهُ وَلَعَلَّ الْمُنْصِفَ غَيْرَ الْمُتَعَسِّفِ يَعْلَمُ بَعْدَ مُلَاحَظَةِ هَذَا الْبَحْثِ ضَعْفَ كَلَامِ أَرْبَابِ التَّثْلِيثِ وَقُوَّةَ كَلَامِ أَصْحَابِ التَّسْبِيعِ وَالتَّثْمِينِ انْتَهَى

قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَ هَذَا وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ إِذَا وَلَغَتِ الْهِرَّةُ غُسِلَ مَرَّةً) قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَذَكَرَ قَوْلَهُ هَذَا وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَبَيَّنَ أَنَّ الْهِرِّ مَوْقُوفٌ انْتَهَى

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا وَلَغَ الْهِرُّ غُسِلَ مَرَّةً

فَقَدْ أَدْرَجَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ فِي حَدِيثِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ وَوَهَمُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ مَرْفُوعٌ وَفِي وُلُوغِ الْهِرِّ مَوْقُوفٌ مَيَّزَهُ عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيُّ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ انْتَهَى

وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ عَنْ حَمَّادٍ وَبَكَّارٍ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَهُورُ الْإِنَاءِ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ يُغْسَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ الْأُولَى بِالتُّرَابِ وَالْهِرَّةُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ قُرَّةُ يَشُكُّ

ثُمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ كَذَا رَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ مَرْفُوعًا وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ قُرَّةَ وُلُوغَ الكلب مرفوعا وولوغ الهر موقوفا. أ. هـ

قَالَ الْحَافِظُ: وَمِنْهَا إِلْزَامُ الشَّافِعِيَّةِ بِإِيجَابِ ثَمَانِ غَسَلَاتٍ عَمَلًا بِظَاهِرِ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ " فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ " وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ " بِالتُّرَابِ " وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَقُولُونَ بِظَاهِرِ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنْ يَتْرُكُوا هُمُ الْعَمَلَ بِالْحَدِيثِ أَصْلًا وَرَأسًا؛ لِأَنَّ اعْتِذَارَ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ ذَلِكَ إِنْ كَانَ مُتَّجِهًا فَذَاكَ، وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مَلُومٌ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ، قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ.

وَقَدِ اعْتَذَرَ بَعْضُهُمْ عَنِ الْعَمَلِ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ الْكِرْمَانِيِّ عَنْهُ. فتح١٧٢

قَال النَّوَوِيُّ (٨٩ - (٢٧٩): وَأَمَّا الْجَمْع بَيْن الرِّوَايَات فَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة (سَبْع مَرَّات)، وَفِي رِوَايَة (سَبْع مَرَّات أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ)، وَفِي رِوَايَة (أُخْرَاهُنَّ أَوْ أُولَاهُنَّ)، وَفِي رِوَايَة (سَبْع مَرَّات السَّابِعَة بِالتُّرَابِ)، وَفِي رِوَايَة (سَبْع مَرَّات وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَة بِالتُّرَابِ). وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْره هَذِهِ الرِّوَايَات كُلّهَا وَفِيهَا دَلِيل عَلَى أَنَّ التَّقْيِيد بِالْأُولَى وَبِغَيْرِهَا لَيْسَ عَلَى الِاشْتِرَاط بَلْ الْمُرَاد إِحْدَاهُنَّ، وَأَمَّا رِوَايَة (وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَة بِالتُّرَابِ) فَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجَمَاهِير: أَنَّ الْمُرَاد اِغْسِلُوهُ سَبْعًا وَاحِدَة مِنْهُنَّ بِالتُّرَابِ مَعَ الْمَاء، فَكَأَنَّ التُّرَاب قَائِم مَقَام غَسْلَة فَسُمِّيَتْ ثَامِنَة لِهَذَا. أ. هـ

قَالَ الْحَافِظُ: وَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ حَدِيثٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى صِحَّتِهِ؛ وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُثْبِتُ الْعُذْرَ لِمَنْ وَقَفَ عَلَى صِحَّتِهِ. وَجَنَحَ بَعْضُهُمْ إِلَى التَّرْجِيحِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ مُغَفَّلٍ، وَالتَّرْجِيحُ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ مَعَ عدم إِمْكَانِ الْجَمْعِ، وَالْأَخْذُ بِحَدِيثِ ابْنِ مُغَفَّلٍ يَسْتَلْزِمُ الْأَخْذَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ دُونَ الْعَكْسِ، وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ.

وَلَوْ سَلَكْنَا التَّرْجِيحَ فِي هَذَا الْبَابِ لَمْ نَقُلْ بِالتَّتْرِيبِ أَصْلًا لِأَنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ بِدُونِهِ أَرْجَحُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ أَثْبَتَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقُلْنَا بِهِ أَخْذًا بِزِيَادَةِ الثِّقَةِ. وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِضَرْبٍ مِنَ الْمَجَازِ فَقَالَ: لَمَّا كَانَ التُّرَابُ جِنْسًا غَيْرَ الْمَاءِ جُعِلَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ مَعْدُودًا بِاثْنَتَيْنِ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ قَوْلَهُ " وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ " ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهَا غَسْلَةً مُسْتَقِلَّةً، لَكِنْ لَوْ وَقَعَ التَّعْفِيرُ فِي أَوَّلِهِ قَبْلَ وُرُودِ الْغَسَلَاتِ السَّبْعِ كَانَتِ الْغَسَلَاتُ ثَمَانِيَةً وَيَكُونُ إِطْلَاقُ الْغَسْلَةِ عَلَى التَّتْرِيبِ مَجَازًا. وَهَذَا الْجَمْعُ مِنْ مُرَجِّحَاتِ تَعَيُّنِ التُّرَابِ فِي الْأُولَى.

وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا يَتَفَرَّعُ مِنْهُ مُنْتَشِرٌ جِدًّا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُفْرَدَ بِالتَّصْنِيفِ؛ وَلَكِنَّ هَذَا الْقَدْرَ كَافٍ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ. وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ. فتح١٧٢

قَال النَّوَوِيُّ (٨٩ - (٢٧٩): وَلَا فَرْقَ بَيْن الْكَلْب الْمَأذُون فِي اِقْتِنَائِهِ وَغَيْره وَلَا بَيْن كَلْب الْبَدَوِيّ وَالْحَضَرِيّ لِعُمُومِ اللَّفْظ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدنَا بَيْن وُلُوغ الْكَلْب وَغَيْره مِنْ أَجْزَائِهِ فَإِذَا أَصَابَ بَوْله أَوْ رَوْثه أَوْ دَمه أَوْ عَرَقه أَوْ شَعْره أَوْ لُعَابه أَوْ عُضْو مِنْ أَعْضَائِهِ شَيْئًا طَاهِرًا فِي حَال رُطُوبَة أَحَدهمَا وَجَبَ غَسْله سَبْع مَرَّات إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، وَلَوْ وَلَغَ كَلْبَانِ أَوْ كَلْب وَاحِد مَرَّات فِي إِنَاء فَفِيهِ ثَلَاثَة أَوْجُه لِأَصْحَابِنَا: الصَّحِيح أَنَّهُ يَكْفِيه لِلْجَمِيعِ سَبْع مَرَّات. وَالثَّانِي: يَجِب لِكُلِّ وَلْغَة سَبْع. وَالثَّالِث: يَكْفِي لِوَلَغَاتِ الْكَلْب الْوَاحِد سَبْع، وَيَجِب لِكُلِّ كَلْب سَبْع.

وَلَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَة أُخْرَى فِي الْإِنَاء الَّذِي وَلَغَ فِيهِ الْكَلْب كَفَى عَنْ الْجَمِيع سَبْع.

وَلَا تَقُوم الْغَسْلَة الثَّامِنَة بِالْمَاءِ وَحْده وَلَا غَمْس الْإِنَاء فِي مَاء كَثِير وَمُكْثه فِيهِ قَدْر سَبْع غَسَلَات مَقَام التُّرَاب عَلَى الْأَصَحّ.

وَقِيلَ: يَقُوم الصَّابُون وَالْأُشْنَان وَمَا أَشْبَهَهُمَا مَقَام التُّرَاب عَلَى الْأَصَحّ.

وَلَا فَرْقَ بَيْن وُجُود التُّرَاب وَعَدَمه عَلَى الْأَصَحّ.

وَلَا يَحْصُل الْغَسْل بِالتُّرَابِ النَّجَس عَلَى الْأَصَحّ.

وَلَوْ كَانَتْ نَجَاسَة الْكَلْب دَمه أَوْ رَوْثه فَلَمْ يَزُلْ عَيْنه إِلَّا بِسِتِّ غَسَلَات مَثَلًا فَهَلْ يُحْسَب ذَلِكَ غَسَلَات أَمْ غَسْلَة وَاحِدَة؟ , أَمْ لَا يُحْسَب مِنْ السَّبْع أَصْلًا؟ , فِيهِ ثَلَاثَة أَوْجُه , أَصَحُّهَا: وَاحِدَة. وَأَمَّا الْخِنْزِير , فَحُكْمه حُكْم الْكَلْب فِي هَذَا كُلّه , هَذَا مَذْهَبنَا. وَذَهَبَ أَكْثَر الْعُلَمَاء إِلَى أَنَّ الْخِنْزِير لَا يَفْتَقِر إِلَى غَسْله سَبْعًا , وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ , وَهُوَ قَوِيّ فِي الدَّلِيل.

قَالَ أَصْحَابنَا: وَمَعْنَى الْغَسْلِ بِالتُّرَابِ: أَنْ يُخْلَط التُّرَاب فِي الْمَاء حَتَّى يَتَكَدَّر، وَلَا فَرْقَ بَيْن أَنْ يَطْرَحَ الْمَاء عَلَى التُّرَاب أَوْ التُّرَاب عَلَى الْمَاء أَوْ يَأخُذ الْمَاء الْكَدِر مِنْ مَوْضِع فَيَغْسِل بِهِ، فَأَمَّا مَسْح مَوْضِع النَّجَاسَة بِالتُّرَابِ فَلَا يُجْزِي، وَلَا إِدْخَال الْيَد فِي الْإِنَاء؛ بَلْ يَكْفِي أَنْ يُلْقِيه فِي الْإِنَاء وَيُحَرِّكهُ.

وَيُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون التُّرَاب فِي غَيْر الْغَسْلَة الْأَخِيرَة لِيَأتِيَ عَلَيْهِ مَا يُنَظِّفهُ، وَالْأَفْضَل أَنْ يَكُون فِي الْأُولَى.

وَلَوْ وَلَغَ الْكَلْب فِي مَاء كَثِير بِحَيْثُ لَمْ يَنْقُص وَلُوغه عَنْ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسهُ، وَلَوْ وَلَغَ فِي مَاء قَلِيل أَوْ طَعَام فَأَصَابَ ذَلِكَ الْمَاء أَوْ الطَّعَام ثَوْبًا أَوْ بَدَنًا أَوْ إِنَاء آخَر وَجَبَ غَسْله سَبْعًا إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ.

وَلَوْ وَلَغَ فِي إِنَاء فِيهِ طَعَام جَامِد , أُلْقِي مَا أَصَابَهُ وَمَا حَوْله , وَانْتُفِعَ بِالْبَاقِي عَلَى طَهَارَته السَّابِقَة , كَمَا فِي الْفَأرَة تَمُوت فِي السَّمْن الْجَامِد. أ. هـ


(١) (د) ٣٣٣
(٢) أَطْلَقَ الشَّارِعُ عَلَى التَّيَمُّمِ أَنَّهُ وَضُوءٌ , لِكَوْنِهِ قَامَ مَقَامَهُ. فتح١٣٥
(٣) لاحِظ أنه لم يأمره بإعادة ما صلى بدون وضوء. ع
(٤) (ت) ١٢٤ , (د) ٣٣٢ , (س) ٣٢٢ , (حم) ٢١٤٠٨ , صححه الألباني في الإرواء: ١٥٣
(٥) فتح القدير ١/ ١٣٥، ١٣٦، والاختيار ١/ ٤٥، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ١/ ٧٥، ٨٣، ٨٤، والمغني ١/ ٥٢، ٥٣ و ٢/ ٨٣، ٨٤، والمحلى ١/ ٩٤ وما بعدها، ونيل الأوطار ١/ ٣٩، ٨٣، ٨٤، ومعاني الآثار للطحاوي ١/ ١٣، وسنن الدارقطني ص ٢٤، ٢٥
(٦) (خ) ١٩٨
(٧) (خ) ٥٤٤٥