للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اِشْتِبَاه اَلْأَوَانِي الطَّاهِرَة بِالنَّجِسَة

إِذَا اخْتَلَطَتِ الأَوَانِي الَّتِي فِيهَا مَاءٌ طَاهِرٌ بِالأَوَانِي الَّتِي فِيهَا مَاءٌ نَجِسٌ، وَاشْتَبَهَ الأَمْرُ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ سِوَى ذَلِكَ، وَلا يُعْرَفُ الطَّاهِرُ مِنَ النَّجِسِ:

فَإِنْ كَانَتِ الْغَلَبَةُ لِلأَوَانِي الطَّاهِرَةِ، يَتَحَرَّى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ؛ لأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ، وَبِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الطَّاهِرِ، وَإِصَابَتُهُ بِتَحَرِّيهِ مَأمُولَةٌ، وَلأَنَّ جِهَةَ الإِبَاحَةِ قَدْ تَرَجَّحَتْ.

وَإِنْ كَانَتِ الْغَلَبَةُ لِلأَوَانِي النَّجِسَةِ أَوْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى إِلا لِلشُّرْبِ حَالَةَ الضَّرُورَةِ، إِذْ لا بَدِيلَ لَهُ، بِخِلافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ لَهُ بَدِيلا. (١)

وَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ عَدَمُ جَوَازِ التَّحَرِّي، وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُ الأَوَانِي الطَّاهِرَةِ. (٢)

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الْحَالَيْنِ، فَيَتَوَضَّأُ بِالأَغْلَبِ، لأَنَّهُ شَرْطٌ لِلصَّلاةِ، فَجَازَ التَّحَرِّي مِنْ أَجْلِهِ كَالْقِبْلَةِ. (٣)

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ ثَلاثَةُ أَوَانٍ نَجِسَةٍ أَوْ مُتَ نَجِّسَةٍ وَاثْنَانِ طَهُورَانِ، وَاشْتَبَهَتْ هَذِهِ بِهَذِهِ، فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ ثَلاثَةَ وُضُوءَاتٍ مِنْ ثَلاثَةِ أَوَانٍ عَدَدَ الأَوَانِي النَّجِسَةِ، وَيَتَوَضَّأُ وُضُوءًا رَابِعًا مِنْ إِنَاءٍ رَابِعٍ، وَيُصَلِّي بِكُلِّ وُضُوءٍ صَلاةً. (٤)

وَحَكَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الأَوَانِي وُضُوءًا وَيُصَلِّي بِهِ. (٥)

فتح القدير (دار الفكر-د. ط-د. ت) ج٢ ص٢٧٥ - ٢٧٧: وَلَهُ أَنْ يَتَحَرَّى فِيهَا وَإِنْ كَانَ الطَّاهِرُ مَغْلُوبًا فَوَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى إنَاءٍ أَوْ ثَوْبٍ فِيهِ وَتَوَضَّأَ مِنْهُ ثُمَّ ظَهَرَ نَجَاسَتُهُ يُعِيدُ اتِّفَاقًا فَكَذَا هَذَا

العناية شرح الهداية (دار الفكر-د. ط-د. ت) ج٢ ص٢٧٥ - ٢٧٧: الأَوَانِيَ الطَّاهِرَةَ إذَا اخْتَلَطَتْ بِالنَّجِسَةِ، فَإِنْ غَلَبَتْ الطَّاهِرَةُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ إنَاءَانِ طَاهِرَانِ وَوَاحِدٌ نَجِسٌ، فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ التَّحَرِّيَ، فَإِذَا تَحَرَّى وَتَوَضَّأَ ثُمَّ ظَهَرَ الْخَطَأُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ، وَأَمَّا إذَا غَلَبَتْ النَّجِسَةُ أَوْ تَسَاوَتَا يَتَيَمَّمُ وَلا يَتَحَرَّى

المنثور (وزارة الأوقاف الكويتية-الطبعة الثانية-١٤٠٥هـ-١٩٨٥م) ج١ ص٣٢١: لَوْ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةِ بَلَدٍ، أَوْ إنَاءُ بَوْلٍ بِأَوَانِي بَلَدٍ فَلَهُ أَخْذُ بَعْضِهَا بِلا اجْتِهَادٍ قَطْعًا (وَإِلَى أَيِّ حَدٍّ) يَنْتَهِي؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا إلَى أَنْ يَبْقَى وَاحِدٌ.

المنثور (وزارة الأوقاف الكويتية-الطبعة الثانية-١٤٠٥هـ-١٩٨٥م) ج٢ ص١٢٢ - ١٢٣: وَلَوْ اجْتَهَدَ فِي أَوَانِ أَوْ ثِيَابٍ ثُمَّ بَانَ أَنَّ الَّذِي (تَوَضَّأَ بِهِ أَوْ لَبِسَهُ) كَانَ نَجِسًا لَزِمَهُ الإِعَادَةُ.

المنثور (وزارة الأوقاف الكويتية-الطبعة الثانية-١٤٠٥هـ-١٩٨٥م) ج٢ ص٢٦٦ - ٢٦٨: وَكَمَا لَوْ تَوَضَّأَ بِالإِنَاءِ الْمُشْتَبَهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ كَانَ طَاهِرًا لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ وَلا وُضُوءُهُ، فَلَوْ غَسَلَ بِهِ نَجَاسَةً لَمْ يَصِحَّ بِنَاءً عَلَى نِيَّتِهِ قَبْلَ التَّبْيِينِ وَتَصِحُّ بَعْدَ التَّبْيِينِ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ لا تَفْتَقِرُ لِلنِّيَّةِ.

البحر المحيط (دار الكتبي-الطبعة الأولى-١٤١٤هـ-١٩٩٤م) ج٢ ص١٦ - ٢٠: مَسْأَلَةً: لَوْ تَحَيَّرَ الْمُجْتَهِدُ فِي الأَوَانِي فَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شَيْءٌ، فَتَيَمَّمَ، ثُمَّ إنْ كَانَ قَبْلَ الصَّبِّ وَجَبَ الْقَضَاءُ، أَوْ بَعْدَهُ فَلا.

وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ خِلافًا فِي وُجُوبِ الصَّبِّ، وَنَسَبَ الْجُمْهُورُ عَدَمَ الْوُجُوبِ.

قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَالْخِلافُ يُلْتَفَتُ عَلَى أَنَّ الصِّحَّةَ مَا هِيَ؟ فَإِنْ قُلْنَا: مُوَافَقَةُ الأَمْرِ لَمْ يَلْزَمْ الإِرَاقَةُ، لأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} وَهَذَا غَيْرُ وَاجِدٍ لَهُ، إذْ الْوُجُودُ مَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ مَا أَسْقَطَ الْقَضَاءَ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّبُّ، لأَنَّهُ مَأمُورٌ بِالإِتْيَانِ بِالصَّلاةِ صَحِيحَةً إذَا قَدَرَ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَادِرٌ هَاهُنَا. اهـ.

المغني (مكتبة القاهرة-د. ط -١٣٨٨هـ ١٩٦٨م) ج١ ص٤٤ - ٤٦: (وَإِذَا كَانَ مَعَهُ فِي السَّفَرِ إنَاءَانِ؛ نَجِسٌ وَطَاهِرٌ، وَاشْتَبَهَا عَلَيْهِ، أَرَاقَهُمَا، وَيَتَيَمَّمُ). إنَّمَا خَصَّ حَالَةَ السَّفَرِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لأَنَّهَا الْحَالَةُ الَّتِي يَجُوزُ التَّيَمُّمُ فِيهَا، وَيُعْدَمُ فِيهَا الْمَاءُ غَالِبًا، وَأَرَادَ: إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً غَيْرَ الإِنَاءَيْنِ الْمُشْتَبِهَيْنِ، فَإِنَّهُ مَتَى وَجَدَ مَاءً طَهُورًا غَيْرَهُمَا تَوَضَّأَ بِهِ، وَلَمْ يَجُزْ التَّحَرِّي وَلا التَّيَمُّمُ، بِغَيْرِ خِلافٍ. وَلا تَخْلُو الآنِيَةُ الْمُشْتَبِهَةُ مِنْ حَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ لا يَزِيدَ عَدَدُ الطَّاهِرِ عَلَى النَّجِسِ، فَلا خِلافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِيهِمَا.

وَالثَّانِي أَنْ يَكْثُرَ عَدَدُ الطَّاهِرَاتِ؛ فَذَهَبَ أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادُ، مِنْ أَصْحَابِنَا، إلَى جَوَازِ التَّحَرِّي فِيهَا. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لأَنَّ الظَّاهِرَ إصَابَةُ الطَّاهِرِ؛ وَلأَنَّ جِهَةَ الإِبَاحَةِ قَدْ تَرَجَّحَتْ، فَجَازَ التَّحَرِّي، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ أُخْتُهُ فِي نِسَاءِ مِصْرَ.، وَظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِيهَا بِحَالٍ.

وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَتَحَرَّى وَيَتَوَضَّأُ بِالأَغْلَبِ عِنْدَهُ فِي الْحَالَيْنِ؛ لأَنَّهُ شَرْطٌ لِلصَّلاةِ، فَجَازَ التَّحَرِّي مِنْ أَجْلِهِ، كَمَا لَوْ اشْتَبَهْت الْقِبْلَةُ؛ وَلأَنَّ الطَّهَارَةَ تُؤَدَّى بِالْيَقِينِ تَارَةً، وَبِالظَّنِّ أُخْرَى، وَلِهَذَا جَازَ التَّوَضُّؤُ بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ الْمُتَغَيِّرِ، الَّذِي لا يُعْلَمُ سَبَبُ تَغَيُّرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يَتَوَضَّأُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُضُوءًا، وَيُصَلِّي بِهِ.

وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، إلا أَنَّهُ قَالَ: يَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الأَوَّلِ؛ لأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ فَرْضِهِ بِيَقِينٍ، فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَ طَاهِرٌ بِطَهُورٍ، وَكَمَا لَوْ نَسِيَ صَلاةً مِنْ يَوْمٍ لا يَعْلَمُ عَيْنَهَا، أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الثِّيَابُ. وَلَنَا أَنَّهُ اشْتَبَهَ الْمُبَاحُ بِالْمَحْظُورِ، فِيمَا لا تُبِيحُهُ الضَّرُورَةُ، فَلَمْ يَجُزْ التَّحَرِّي، كَمَا لَوْ اسْتَوَى الْعَدَدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَوْلا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ قَدْ سَلَّمَهُ، وَاعْتَذَرَ أَصْحَابُهُ بِأَنَّهُ لا أَصْلَ لَهُ فِي الطَّهَارَةِ. قُلْنَا: وَهَذَا الْمَاءُ قَدْ زَالَ عَنْهُ أَصْلُ الطَّهَارَةِ، وَصَارَ نَجِسًا، فَلَمْ يَبْقَ لِلأَصْلِ الزَّائِلِ أَثَرٌ، عَلَى أَنَّ الْبَوْلَ قَدْ كَانَ مَاءً، فَلَهُ أَصْلٌ فِي الطَّهَارَةِ، كَهَذَا الْمَاءِ النَّجِسِ.

وَقَوْلُهُمْ: إذَا كَثُرَ الطَّاهِرُ تَرَجَّحَتْ الإِبَاحَةُ. يَبْطُلُ بِمَا إذَا اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ فِي مِائَةٍ أَوْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّيَاتٍ، فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ التَّحَرِّي، وَإِنْ كَثُرَ الْمُبَاحُ، وَأَمَّا إذَا اشْتَبَهَتْ فِي نِسَاءِ مِصْرٍ، فَإِنَّهُ يَشُقُّ اجْتِنَابُهُنَّ جَمِيعًا، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ النِّكَاحُ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ. وَأَمَّا الْقِبْلَةُ فَيُبَاحُ تَرْكُهَا لِلضَّرُورَةِ، كَحَالَةِ الْخَوْفِ، وَيَجُوزُ أَيْضًا فِي السَّفَرِ فِي صَلاةِ النَّافِلَةِ؛ وَلأَنَّ قِبْلَتَهُ مَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ بِظَنِّهِ، وَلَوْ بَانَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ لَمْ يَلْزَمْهُ الإِعَادَةُ، بِخِلافِ مَسْأَلَتِنَا.

وَأَمَّا الْمُتَغَيِّرُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يَعْلَمُهُ، فَيَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ اسْتِنَادًا إلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ نَجَاسَتُهُ، وَلا يَحْتَاجُ إلَى تَحَرٍّ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا عَارَضَ يَقِينُ الطَّهَارَةِ يَقِينَ النَّجَاسَةِ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ حُكْمٌ، وَلِهَذَا لا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ. ثُمَّ يَبْطُلُ قِيَاسُهُمْ بِمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا بَوْلا وَالآخَرُ مَاءً. وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا: أَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ أَحَدِ الإِنَاءَيْنِ وَصَلَّى، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ فِي الصَّلاةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الآخَرَ هُوَ الطَّاهِرُ، فَتَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى مِنْ غَيْرِ غَسْلِ أَثَرِ الأَوَّلِ، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ يَقِينًا، وَإِنْ غَسَلَ أَثَرَ الأَوَّلِ فَفِيهِ حَرَجٌ وَنَقْضٌ لاجْتِهَادِهِ بِاجْتِهَادِهِ، وَنَعْلَمُ أَنَّ إحْدَى الصَّلاتَيْنِ بَاطِلَةٌ، لا بِعَيْنِهَا فَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهُمَا، فَإِنْ تَوَضَّأَ مِنْ الأَوَّلِ فَقَدْ تَوَضَّأَ بِمَا يَعْتَقِدُهُ نَجِسًا.

وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فَبَاطِلٌ؛ فَإِنَّهُ يُفْضِي إلَى تَنْجِيسِ نَفْسِهِ يَقِينًا، وَبُطْلانِ صَلاتِهِ إجْمَاعًا. وَمَا قَالَهُ ابْنُ مَسْلَمَةَ فَفِيهِ حَرَجٌ، وَيَبْطُلُ بِالْقِبْلَةِ؛ فَإِنَّهُ لا يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ. "٤٦" (٦٥) فَصْلٌ: وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ قَبْلَ إرَاقَتِهِمَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا، لا يَجُوزُ؛ لأَنَّ مَعَهُ مَاءً طَاهِرًا بِيَقِينٍ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِهِ. فَإِنْ خَلَطَهُمَا، أَوْ أَرَاقَهُمَا، جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ.

وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ قَبْلَ ذَلِكَ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى اسْتِعْمَالِ الطَّاهِرِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ فِي بِئْرٍ لا يُمْكِنُهُ اسْتِقَاؤُهُ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِمَا لِلشُّرْبِ لَمْ تَجِبْ إرَاقَتُهُمَا، بِغَيْرِ خِلافٍ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لَوْ كَانَا طَاهِرَيْنِ، فَمَعَ الاشْتِبَاهِ أَوْلَى. وَإِذَا أَرَادَ الشُّرْبَ تَحَرَّى وَشَرِبَ مِنْ الطَّاهِرِ عِنْدَهُ؛ لأَنَّهَا ضَرُورَةٌ تُبِيحُ الشُّرْبَ مِنْ النَّجِسِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، فَمِنْ الَّذِي يَظُنُّ طَهَارَتَهُ أَوْلَى.

وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ طَهَارَةُ أَحَدِهِمَا شَرِبَ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَصَارَ هَذَا كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ فِي حَالِ الاضْطِرَارِ، وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا، فَإِنَّهُ إذَا جَازَ اسْتِعْمَالُ النَّجِسِ فَاسْتِعْمَالُ مَا يَظُنُّ طَهَارَتَهُ أَوْلَى. وَإِذَا شَرِبَ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ أَكَلَ مِنْ الْمُشْتَبِهَاتِ، ثُمَّ وَجَدَ مَاءً طَهُورًا، فَهَلْ يَلْزَمُهُ غُسْلٌ فِيهِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لا يَلْزَمُهُ؛ لأَنَّ الأَصْلَ طَهَارَةٌ فِيهِ، فَلا تَزُولُ عَنْ ذَلِكَ بِالشَّكِّ.

وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ؛ لأَنَّهُ مَحَلٌّ مُنِعَ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ أَجْلِ النَّجَاسَةِ، فَلَزِمَهُ غَسْلُ أَثَرِهِ، كَالْمُتَيَقِّنِ. (٦٦) فَصْلٌ: وَإِذَا عَلِمَ عَيْنَ النَّجِسِ اُسْتُحِبَّ إرَاقَتُهُ لِيُزِيلَ الشَّكَّ عَنْ نَفْسِهِ. وَإِنْ احْتَاجَ إلَى الشُّرْبِ شَرِبَ مِنْ الطَّاهِرِ، وَيَتَيَمَّمُ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَ النَّجِسِ.

وَإِنْ خَافَ الْعَطَشَ فِي ثَانِي الْحَالِ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَتَوَضَّأُ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ وَيَحْبِسُ النَّجِسَ؛ لأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى شُرْبِهِ فِي الْحَالِ، فَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِهِ. وَالصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنَّهُ يَحْبِسُ الطَّاهِرَ وَيَتَيَمَّمُ؛ لأَنَّ وُجُودَ النَّجِسِ كَعَدَمِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الشُّرْبِ فِي الْحَالِ، وَكَذَلِكَ فِي الْمَآلِ، وَخَوْفُ الْعَطَشِ فِي إبَاحَةِ التَّيَمُّمِ كَحَقِيقَتِهِ.

إعلام الموقعين (دار الكتب العلمية-الطبعة الأولى-١٤١١هـ-١٩٩١م) ج٣ ص١٩٨ - ١٩٩: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعَهُمَا إنَاءَانِ أَحَدُهُمَا نَجِسٌ فَأَدَّى اجْتِهَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى إنَاءٍ لَمْ تَجُزْ الْقُدْوَةُ بَيْنَهُمَا؛ لأَنَّهَا تُفْضِي إلَى إبْطَالِ الْقُدْوَةِ


(١) المبسوط ١٠/ ٢٠١، وابن عابدين ٥/ ٢٢١، ٤٦٩، ٤٧٠، والمغني ١/ ٦٠، ٦١.
(٢) المغني ١/ ٦٠، ٦١.
(٣) نهاية المحتاج ١/ ٨٨، ٨٩، ٩٠، ٩١.
(٤) الدسوقي ١/ ٨٢.
(٥) المغني ١/ ٦٠، ٦١.