للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ (١) فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: ألَمْ أقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي؟ , فَيَقُولُ أبُوهُ: فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ , فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَارَبِّ، إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أنْ لَا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ , فَأيُّ خِزْيٍ أخْزَى مِنْ أَبِي الْأبْعَدِ (٢) فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ , ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ مَا تَحْتَ رِجليكَ؟ فَيَنْظُرُ , فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ (٣) مُتَلَطِّخٍ (٤) فَيُؤْخَذُ بِقَوائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَار (٥) " (٦)


(١) هَذَا مُوَافِق لِظَاهِرِ الْقُرْآن {وُجُوه يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَة تَرْهَقهَا قَتَرَة} أَيْ: يَغْشَاهَا قَتَرَة، فَالَذِي يَظْهَر أَنَّ الْغَبَرَة: الْغُبَار مِنْ التُّرَاب , وَالْقَتَرَة: السَّوَاد الْكَائِن عَنْ الْكَآبَة. فتح الباري - (ج ١٣ / ص ٢٨٧)
(٢) الْأَبْعَد: صِفَة أَبِيهِ , أَيْ أَنَّهُ شَدِيدُ الْبُعْد مِنْ رَحْمَة الله , لِأَنَّ الْفَاسِق بَعِيدٌ مِنْهَا , فَالْكَافِر أَبْعَدُ.
وَقِيلَ: الْأَبْعَدُ بِمَعْنَى: الْبَعِيد , وَالْمُرَاد الْهَالِك. فتح الباري (١٣/ ٢٨٧)
(٣) الذِّيخ: ذَكَر الضِّبَاع.
وَقِيلَ: لَا يُقَال لَهُ " ذِيخ " إِلَّا إِذَا كَانَ كَثِير الشَّعْر. فتح الباري (١٣/ ٢٨٧)
(٤) أَيْ: مُتَلَطِّخٌ فِي رَجِيع , أَوْ دَمٍ , أَوْ طِين.
(٥) الْحِكْمَة فِي مَسْخِهِ: لِتَنْفِرَ نَفْسُ إِبْرَاهِيمَ مِنْهُ , وَلِئَلَّا يَبْقَى فِي النَّارِ عَلَى صُورَته فَيَكُون فِيهِ غَضَاضَةً عَلَى إِبْرَاهِيم.
وَقَدْ اِسْتَشْكَلَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَصْلِهِ , وَطَعَنَ فِي صِحَّته , فَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ اِسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: ١١٤].
وَالْجَوَاب عَنْ ذَلِكَ: أَنَّ أَهْل التَّفْسِيرِ اِخْتَلَفُوا فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَبَرَّأَ فِيهِ إِبْرَاهِيم مِنْ أَبِيهِ، فَقِيلَ: كَانَ ذَلِكَ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا , لَمَّا مَاتَ آزَرَ مُشْرِكًا.
وَقِيلَ: إِنَّمَا تَبَرَّأَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمَّا يَئِسَ مِنْهُ حِينَ مُسِخَ.
وَهَذَا الَّذِي أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيق عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر يَقُول: " إِنَّ إِبْرَاهِيم يَقُول يَوْمَ الْقِيَامَة: رَبِّ وَالِدِي، رَبِّ وَالِدِي , فَإِذَا كَانَ الثَّالِثَةُ , أُخِذَ بِيَدِهِ , فَيَلْتَفِت إِلَيْهِ وَهُوَ ضِبْعَان , فَيَتَبَرَّأُ مِنْهُ ".
وَيُمْكِن الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ لَمَّا مَاتَ مُشْرِكًا , فَتَرَكَ الِاسْتِغْفَار لَهُ، لَكِنْ لَمَّا رَآهُ يَوْمَ الْقِيَامَة , أَدْرَكَتْهُ الرَّأفَةُ وَالرِّقَّةُ , فَسَأَلَ فِيهِ، فَلَمَّا رَآهُ مُسِخَ , يَئِسَ مِنْهُ حِينَئِذٍ , فَتَبَرَّأَ مِنْهُ تَبَرُّءًا أَبَدِيًّا. وَالله أَعْلَم. (فتح) - (ج ١٣ / ص ٢٨٧)
(٦) (خ) ٣١٧٢