للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ت س) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: (اغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فِي جَفْنَة (١) " فَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهَا " , فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا , فَقَالَ: " إِنَّ الْمَاءَ لَا يُجْنِبُ) (٢) وفي رواية: (إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ ") (٣)


(١) الجفنة: وعاء يؤكل ويُثْرَدُ فيه , وكان يُتخذ من الخشب غالبا.
(٢) (ت) ٦٥ , (د) ٦٨ , (جة) ٣٧٠ , وصححه الألباني في الإرواء: ٢٧
(٣) (س) ٣٢٥
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّطَهُّرِ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ , وَحَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَ يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ بِقَرِينَةِ أَحَادِيثِ الْجَوَازِ , فَقَوْلُ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - إِنِّي كُنْت جُنُبًا عِنْدَ إِرَادَتِهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - التَّوَضُّؤَ بِفَضْلِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ كَانَ مُتَقَدِّمًا , فَحَدِيثُ الْجَوَازِ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ النَّهْيِ , وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. تحفة الأحوذي (ج ١ / ص ٧٥)
وقال صاحب عون المعبود (ج١ص١٠٢): اعْلَمْ أَنَّ تَطْهِير الرَّجُل بِفَضْلِ الْمَرْأَة، وَتَطْهِيرهَا بِفَضْلِهِ فِيهِ مَذَاهِب،
الْأَوَّل: جَوَاز التَّطْهِير لِكُلِّ وَاحِد مِنْ الرَّجُل وَالْمَرْأَة بِفَضْلِ الْآخَر شَرَعَا جَمِيعًا أَوْ تَقَدَّمَ أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر،
وَالثَّانِي: كَرَاهَة تَطْهِير الرَّجُل بِفَضْلِ الْمَرْأَة وَبِالْعَكْسِ، وَالثَّالِث: جَوَاز التَّطْهِير لِكُلٍّ مِنْهُمَا إِذَا اِغْتَرَفَا جَمِيعًا،
وَالرَّابِع: جَوَاز التَّطْهِير مَا لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَة حَائِضًا وَالرَّجُل جُنُبًا، وَالْخَامِس: جَوَاز تَطْهِير الْمَرْأَة بِفَضْلِ طَهُور الرَّجُل وَكَرَاهَة الْعَكْس، وَالسَّادِس: جَوَاز التَّطْهِير لِكُلٍّ مِنْهُمَا إِذَا شَرَعَا جَمِيعًا لِلتَّطْهِيرِ فِي إِنَاء وَاحِد , سَوَاء اِغْتَرَفَا جَمِيعًا أَوْ لَمْ يَغْتَرِفَا كَذَلِكَ، وَلِكُلِّ قَائِل مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَال دَلِيل يَذْهَب إِلَيْهِ وَيَقُول بِهِ، لَكِنَّ الْمُخْتَار فِي ذَلِكَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْل الْمَذْهَب الْأُوَل , لِمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة تَطْهِيره - صلى اللهُ عليه وسلَّم - مَعَ أَزْوَاجه وَكُلّ مِنْهُمَا يَسْتَعْمِل فَضْل صَاحِبه وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - اِغْتَسَلَ بِفَضْلِ بَعْض أَزْوَاجه، وَجَمَعَ الْحَافِظ الْخَطَّابِيُّ بَيْن أَحَادِيث الْإِبَاحَة وَالنَّهْي , فَقَالَ فِي مَعَالِم السُّنَن: كَانَ وَجْه الْجَمْع بَيْن الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ النَّهْي إِنَّمَا وَقَعَ عَنْ التَّطْهِير بِفَضْلِ مَا تَسْتَعْمِلهُ الْمَرْأَة مِنْ الْمَاء , وَهُوَ مَا سَالَ وَفَضَلَ عَنْ أَعْضَائِهَا عِنْد التَّطْهِير , دُون الْفَضْل الَّذِي يَبْقَى فِي الْإِنَاء، وَمِنْ النَّاس مَنْ جَعَلَ النَّهْي فِي ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَاب دُون الْإِيجَاب، وَكَانَ اِبْن عُمَر ط يَذْهَب إِلَى أَنَّ النَّهْي عَنْ فَضْل وَضُوء الْمَرْأَة إِنَّمَا هُوَ إِذَا كَانَت جُنُبًا أَوْ حَائِضًا، فَإِذَا كَانَتْ طَاهِرَة فَلَا بَأس بِهِ، وَإِسْنَاد حَدِيثِ عَائِشَة فِي الْإِبَاحَة أَجْوَدُ مِنْ إِسْنَاد خَبَر النَّهْي.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: إِنَّ الْمُرَاد النَّهْي عَنْ فَضْل أَعْضَائِهَا وَهُوَ الْمُتَسَاقِط مِنْهَا وَذَلِكَ مُسْتَعْمَل.
وَقَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح: وَقَوْل أَحْمَدَ إِنَّ الْأَحَادِيث مِنْ الطَّرِيقَيْنِ مُضْطَرِبَة إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ عِنْد تَعَذُّر الْجَمْع , وَهُوَ مُمْكِن بِأَنْ يُحْمَل أَحَادِيث النَّهْي عَلَى مَا تَسَاقَطَ مِنْ الْأَعْضَاء , وَالْجَوَاز عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْمَاء، وَبِذَلِكَ جَمَعَ الْخَطَّابِيُّ، أَوْ بِحَمْلِ النَّهْي عَلَى التَّنْزِيه جَمْعًا بَيْن الْأَدِلَّة , وَالله أَعْلَمُ.