للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ت) , عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: " تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا , وَيَدَيْهِ ثَلَاثًا , وَمَسَحَ بِرَأسِهِ وَقَالَ: الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأسِ " (١)


(١) (ت) ٣٧ , (د) ١٣٤ , (جة) ٤٤٤ , (حم) ٢٢٢٧٧ , وصححه الألباني في الإرواء: ٨٤ , وصَحِيح الْجَامِع: ٢٧٦٥، والصَّحِيحَة: ٣٦
وقال في الصَّحِيحَة: وإذ قد صح الحديث فهو يدل على مسألتين من مسائل الفقه اختلفت أنظار العلماء فيها ,
أما المسألة الأولى فهي: أن مسح الأذنين هل هو فرض أم سنة؟ , ذهب إلى الأول الحنابلة , وحُجَّتُهُم هذا الحديث فإنه صريح في إلحاقهما بالرأس، وما ذلك إِلَّا لبيان أن حكمهما في المسح كحكم الرأس فيه , وذهب الجمهور إلى أن مسحهما سنة فقط، ولم نجد لهم حجة يجوز التَّمَسُّك بها في مخالفة هذا الحديث إِلَّا قول النووي في " المجموع " (١/ ٤١٥) إنه ضعيف من جميع طرقه! وإذا علمت أن الأمر ليس كذلك، وأن بعض طرقه صحيح لم يطلع عليه النووي , والبعض الآخر صحيح لغيره، استطعت أن تعرف ضعف هذه الحجة , ووجوب التمسك بما دل عليه الحديث من وجوب مسح الأذنين , وأنهما في ذلك كالرأس، وحسبك قدوة في هذا المذهب إمام السنة أبو عبد الله أحمد بن حنبل، وسلفه في ذلك جماعة من الصحابة، تقدم تسمية بعضهم في أثناء تخريج الحديث، وقد عزاه النووي (١/ ٤١٣) إلى الأكثرين من السلف , وأما المسألة الأخرى فهي: هل يكفي في مسح الأذنين ماء الرأس، أم لابد لذلك من جديد؟ , ذهب إلى الأول الأئمة الثلاثة كما في " فيض القدير " للمناوي , فقال في شرح الحديث: (الأذنان من الرأس) لَا من الوجه ولا مستقلتان، يعني فلا حاجة إلى أخذ ماء جديد منفرد لهما غير ماء الرأس في الوضوء، بل يُجْزِىء مسحُهُما ببلل ماء الرأس، وإلا لكان بيانا لِلْخِلقة فقط، والمصطفى - صلى اللهُ عليه وسلَّم - لم يُبْعث لذلك، وبه قال الأئمة الثلاثة , وخالف في ذلك الشافعية، فذهبوا إلى أنه يُسن تجديد الماء للأذنين ومسحهما على الانفراد ولا يجب، واحتج النووي لهم بحديث عبد الله بن زيد أن رسول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - أخذ لأذنيه ماء خلاف الذي أخذ لرأسه , قال النووي في " المجموع " (١/ ٤١٢): " حديث حسن، رواه البيهقي وقال: إسناده صحيح , وقال في مكان آخر (١/ ٤١٤): " وهو حديث صحيح كما سبق بيانه قريبا، فهذا صريح في أنهما ليستا من الرأس، إذ لو كانتا منه لما أخذ لهما ماء جديدا كسائر أجزاء الرأس، وهو صريح في أخذ ماء جديد " , قلت: ولا حجة فيه على ما قالوا، إذ غاية ما فيه مشروعية أخذ الماء لهما، وهذا لَا ينافي جواز الاكتفاء بماء الرأس كما دل عليه هذا الحديث، فاتفقا ولم يتعارضا ويؤيد ما ذكرت أنه صح عنه - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " أنه مسح برأسه من فضل ماء كان في يده " , رواه أبو داود في " سننه " بسند حسن كما بينته في " صحيح سننه " (رقم ١٢١) , وله شاهد من حديث ابن عباس في " المستدرك " (١/ ١٤٧) بسند حسن أيضا، ورواه غيره. فانظر " تلخيص الحبير " (ص ٣٣) , وهذا كله يقال على فرض التسليم بصحة حديث عبد الله بن زيد، ولكنه غير ثابت، بل هو شاذ كما ذكرت في " صحيح سنن أبي داود " (رقم ١١١) وبينته في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " تحت رقم (٩٩٧) وجملة القول، فإن أسعد الناس بهذا الحديث من بين الأئمة الأربعة أحمد بن حنبل ش أجمعين، فقد أخذ بما دل عليه الحديث في المسألتين، ولم يأخذ به في الواحدة دون الأخرى كما صنع غيره. أ. هـ