للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م حم) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) (١) (إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ (٢) وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ (٣)) (٤) (وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي (٥) وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي (٦) فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ , ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي (٧) وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ (٨) ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ (٩) وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا , تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا , تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي , أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً (١٠) ") (١١)


(١) (خ) ٦٩٧٠ , (م) ٢٦٧٥
(٢) أَيْ: ظَنَّ الْإِجَابَةَ عِنْدَ الدُّعَاء , وَظَنَّ الْقَبُولَ عِنْدَ التَّوْبَة , وَظَنَّ الْمَغْفِرَةَ عِنْدَ الِاسْتِغْفَار , وَظَنَّ الْمُجَازَاةَ عِنْدَ فِعْلِ الْعِبَادَةِ بِشُرُوطِهَا , تَمَسُّكًا بِصَادِقِ وَعْدِه، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَر " اُدْعُوا اللهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ" , وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْقِيَامِ بِمَا عَلَيْهِ , مُوقِنًا بِأَنَّ اللهَ يَقْبَلُهُ , وَيَغْفِرُ لَهُ , لِأَنَّهُ وَعَدَ بِذَلِكَ , وَهُوَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَاد. فتح الباري (ج ٢٠ / ص ٤٨١)
(٣) أَيْ: فَإِنْ اِعْتَقَدَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ اللهَ لَا يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ , وَأَنَّهَا لَا تَنْفَعُهُ , فَهَذَا هُوَ الْيَاسُ مِنْ رَحْمَةِ الله , وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِر، وَمَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ , وُكِلَ إِلَى مَا ظَنَّ.
وَأَمَّا ظَنُّ الْمَغْفِرَةِ مَعَ الْإِصْرَار , فَذَلِكَ مَحْضُ الْجَهْلِ وَالْغِرَّة , وَهُوَ يَجُرُّ إِلَى مَذْهَبِ الْمُرْجِئَة. فتح الباري (ج ٢٠ / ص ٤٨١)
(٤) (حم) ٩٠٦٥ , انظر الصحيحة تحت حديث: ١٦٦٣
(٥) أَيْ: مَعَهُ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالْهِدَايَةِ وَالرِّعَايَة , وَهُوَ كَقَوْلِهِ {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَع وَأَرَى}.وَالْمَعِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ أَخَصُّ مِنْ الْمَعِيَّة الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُم} فَهذه مَعِيَّةٌ بِالْعِلْمِ وَالْإِحَاطَة. فتح الباري (ج ٢٠ / ص ٤٨١)
(٦) (م) ٢٦٧٥ , (حم) ١٠٩٧٤
(٧) أَيْ: إِنْ ذَكَرَنِي بِالتَّنْزِيهِ وَالتَّقْدِيسِ سِرًّا , ذَكَرْتُهُ بِالثَّوَابِ وَالرَّحْمَةِ سِرًّا.
وَقَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {فَاذْكُرُونِي أَذْكُركُمْ} وَمَعْنَاهُ: اُذْكُرُونِي بِالتَّعْظِيمِ , أَذْكُركُمْ بِالْإِنْعَامِ , وَقَالَ تَعَالَى {وَلَذِكْر الله أَكْبَر}
أَيْ: أَكْبَر الْعِبَادَات , فَمَنْ ذَكَرَهُ وَهُوَ خَائِفٌ آمَنَهُ , أَوْ مُسْتَوْحِشٌ آنَسَهُ, قَالَ تَعَالَى: {أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}. فتح الباري (ج ٢٠ / ص ٤٨١)
(٨) أَيْ: جَمَاعَة.
(٩) قَالَ ابْن بَطَّال: هَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَفْضَلُ مِنْ بَنِي آدَم , وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ أَهْل الْعِلْم , وَعَلَى ذَلِكَ شَوَاهِدٌ مِنْ الْقُرْآن , مِثْل {إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ} وَالْخَالِد أَفْضَل مِنْ الْفَانِي , فَالْمَلَائِكَةُ أَفْضَلُ مِنْ بَنِي آدَم وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ صَالِحِي بَنِي آدَمَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْأَجْنَاس , وَالَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ , الْفَلَاسِفَةُ , ثُمَّ الْمُعْتَزِلَة , وَقَلِيلٌ مِنْ أَهْل السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّصَوُّف , وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِر , فَمِنْهُمْ مَنْ فَاضَلَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ , فَقَالُوا: حَقِيقَةُ الْمَلَكِ أَفْضَلُ مِنْ حَقِيقَةِ الْإِنْسَان؛ لِأَنَّهَا نُورَانِيَّةٌ وَخَيِّرَة وَلَطِيفَةٌ , مَعَ سَعَة الْعِلْمِ وَالْقُوَّةِ , وَصَفَاءِ الْجَوْهَر.
وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ تَفْضِيلَ كُلَّ فَرْدٍ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ , لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ الْأَنَاسِيِّ مَا فِي ذَلِكَ وَزِيَادَة.
وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْخِلَافَ بِصَالِحِي الْبَشَرِ وَالْمَلَائِكَة , وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِالْأَنْبِيَاءِ , ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ فَضَّلَ الْمَلَائِكَةَ عَلَى غَيْر الْأَنْبِيَاء
وَمِنْهُمْ مَنْ فَضَلَّهُمْ عَلَى الْأَنْبِيَاء أَيْضًا , إِلَّا عَلَى نَبِيّنَا مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم -.
وَمِنْ أَدِلَّةِ تَفْضِيلِ النَّبِيِّ عَلَى الْمَلَكِ أَنَّ اللهَ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَم عَلَى سَبِيِل التَّكْرِيم لَهُ , حَتَّى قَالَ إِبْلِيسُ {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْت عَلَيَّ} وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {لِمَا خَلَقْت بِيَدَيَّ} لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِشَارَةِ إِلَى الْعِنَايَة بِهِ , وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ لِلْمَلَائِكَةِ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الله اِصْطَفَى آدَم وَنُوحًا وَآل إِبْرَاهِيم وَآل عِمْرَان عَلَى الْعَالَمِينَ} , وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض} فَدَخَلَ فِي عُمُومِهِ الْمَلَائِكَة، وَالْمُسَخَّرُ لَهُ أَفْضَلُ مِنْ الْمُسَخَّر؛ وَلِأَنَّ طَاعَةَ الْمَلَائِكَةِ بِأَصْلِ الْخِلْقَة , وَطَاعَةَ الْبَشَرِ غَالِبًا مَعَ الْمُجَاهَدَةِ لِلنَّفْسِ , لِمَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنْ الشَّهْوَةِ وَالْحِرْصِ وَالْهَوَى وَالْغَضَب، فَكَانَتْ عِبَادَتُهُمْ أَشَقّ.
وَأَيْضًا فَطَاعَة الْمَلَائِكَة بِالْأَمْرِ الْوَارِد عَلَيْهِمْ , وَطَاعَة الْبَشَر بِالنَّصِّ تَارَة , وَبِالِاجْتِهَادِ تَارَة , وَالِاسْتِنْبَاط تَارَة , فَكَانَتْ أَشَقّ؛ وَلِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ سَلِمَتْ مِنْ وَسْوَسَة الشَّيَاطِين , وَإِلْقَاء الشُّبَه , وَالْإِغْوَاء الْجَائِزَة عَلَى الْبَشَر , وَلِأَنَّ الْمَلَائِكَة تُشَاهِدُ حَقَائِق الْمَلَكُوت , وَالْبَشَر لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ إِلَّا بِالْإِعْلَامِ , فَلَا يَسْلَم مِنْهُمْ مِنْ إِدْخَال الشُّبْهَة مِنْ جِهَة تَدْبِير الْكَوَاكِب , وَحَرَكَة الْأَفْلَاك إِلَّا الثَّابِت عَلَى دِينه وَأَجَابَ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّة بِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ نَصًّا وَلَا صَرِيحًا فِي الْمُرَاد , بَلْ يَطْرُقُهُ اِحْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ بِالْمَلَأِ الَّذِينَ هُمْ خَيْرٌ مِنْ الْمَلَأِ الذَّاكِرِ , الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء , فَإِنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْد رَبّهمْ , فَلَمْ يَنْحَصِر ذَلِكَ فِي الْمَلَائِكَة. فتح الباري (ج ٢٠ / ص ٤٨١)
(١٠) قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا} هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَحَادِيث الصِّفَات، وَيَسْتَحِيلُ إِرَادَةُ ظَاهِرِه، وَمَعْنَاهُ: مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِطَاعَتِي , تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بِرَحْمَتِي وَالتَّوْفِيق وَالْإِعَانَة، وَإِنْ زَادَ زِدْت، فَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي وَأَسْرَعَ فِي طَاعَتِي , أَتَيْتُهُ هَرْوَلَة، أَيْ: صَبَبْتُ عَلَيْهِ الرَّحْمَةَ , وَسَبَقْتُهُ بِهَا، وَلَمْ أُحْوِجْهُ إِلَى الْمَشْيِ الْكَثِيرِ فِي الْوُصُولِ إِلَى الْمَقْصُود، وَالْمُرَادُ أَنَّ جَزَاءَهُ يَكُونُ تَضْعِيفُهُ عَلَى حَسَبِ تَقَرُّبِهِ. شرح النووي على مسلم - (ج ٩ / ص ٣٥)
(١١) (خ) ٦٩٧٠ , (م) ١ - (٢٦٧٥) , (ت) ٣٦٠٣ , (حم) ٧٤١٦