للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(خ م ت حم) , وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ) (١) (وَمَعَهُ بِلَالٌ) (٢) (فَأَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ (٣)) (٤) وفي رواية: (فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ) (٥) (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " انْتَظِرْ , انْتَظِرْ ") (٦) (ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " أَبْرِدْ ") (٧) (قَالَ: حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ (٨)) (٩) وفي رواية: حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ (١٠)) (١١) (ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى) (١٢) (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الْحَارُّ , فَأَبْرِدُوا (١٣) بِالصَلَاةِ) (١٤) وفي رواية: (فَأَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ) (١٥) (فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ (١٦) اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضاً , فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ , وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ) (١٧) (فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ) (١٨) (فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ) (١٩) (وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ (٢٠)) (٢١) (فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ (٢٢)) (٢٣)

وفي رواية (٢٤): " فَأَمَّا نَفَسُهَا فِي الشِّتَاءِ فَزَمْهَرِيرٌ، وَأَمَّا نَفَسُهَا فِي الصَّيْفِ فَسَمُومٌ " (٢٥)

وفي رواية (٢٦): " فَشِدَّةُ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْبَرْدِ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا , وَشِدَّةُ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ مِنْ سَمُومِهَا "


(١) (خ) ٥١٤
(٢) (ت) ١٥٨
(٣) وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْإِبْرَادِ فِي رِوايَةٍ لِلْمُصَنِّفِ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْأَذَان مِنْهُ، فَيُجْمِعُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّهُ شَرَعَ فِي الْأَذَانِ , فَقِيلَ لَهُ: أَبْرِدْ , فَتَرَكَ، فَمَعْنَى (أَذَّنَ): شَرَعَ فِي الْأَذَانِ وَمَعْنَى (أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ): أَيْ: يُتِمَّ الْأَذَانَ , وَالله أَعْلَمُ. فتح (ج ٢ / ص ٣٠٥)
(٤) (خ) ٥١٤ , (م) ٦١٦
(٥) (ت) ١٥٨
(٦) (خ) ٥١١ , (م) ٦١٦
(٧) (خ) ٥١١ , (د) ٤٠١
(٨) الْفَيْءُ: هُوَ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الظِّلِّ، وَالتُّلُولُ: جَمْعُ تَلٍّ، وَهِيَ فِي الْغَالِبِ مُنْبَطِحَةٌ غَيْرُ شَاخِصَةٍ , فَلَا يَظْهَرُ لَهَا ظِلٌّ إِلَّا إِذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ وَقْتِ الظُّهْرِ , وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي غَايَةِ الْإِبْرَادِ، وَالْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَمْتَدَّ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ. فتح (ج ٢ / ص ٣٠٩)
(٩) (خ) ٥١١ , (م) ٦١٦
(١٠) ظَاهِرُ هذه الرواية يَقْتَضِي أَنَّهُ أَخَّرَهَا إِلَى أَنْ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَذِهِ الْمُسَاوَاةِ: ظُهُورُ الظِّلِّ بِجَنْبِ التَّلِّ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا , فَسَاوَاهُ فِي الظُّهُورِ , لَا فِي الْمِقْدَارِ.
أَوْ يُقَالُ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ , فَلَعَلَّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا مَعَ الْعَصْرِ. فتح الباري - (ج ٢ / ص ٣٠٩)
(١١) (خ) ٦٠٣
(١٢) (ت) ١٥٨
(١٣) قَوْله (فَأَبْرِدُوا) أَيْ: أَخِّرُوا إِلَى أَنْ يَبْرُدَ الْوَقْتُ , يُقَالُ: (أَبْرَدَ) إِذَا دَخَلَ فِي الْبَرْدِ , كَأَظْهَرَ , إِذَا دَخَلَ فِي الظَّهِيرَةِ، وَمِثْله فِي الْمَكَانِ: أَنْجَدَ , إِذَا دَخَلَ نَجْدًا، وَأَتْهَمَ: إِذَا دَخَلَ تِهَامَة.
وَالْأَمْرُ بِالْإِبْرَادِ أَمْر اِسْتِحْبَاب، وَقِيلَ: أَمْر إِرْشَاد، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ لِلْوُجُوبِ , وجُمْهُور أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّ تَأخِيرَ الظُهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ إِلَى أَنْ يَبْرُدَ الْوَقْتُ وَيَنْكَسِرَ الْوَهَج.
وَخَصَّهُ بَعْضُهمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ , فَالتَّعْجِيلُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ , وَالشَّافِعِيِّ أَيْضًا , لَكِنْ خَصَّهُ بِالْبَلَدِ الْحَارِّ , وَقَيَّدَ الْجَمَاعَةَ بِمَا إِذَا كَانُوا يَنْتَابُونَ مَسْجِدًا مِنْ بُعْدِ، فَلَوْ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ , أَوْ كَانُوا يَمْشُونَ فِي كَنٍّ , فَالْأَفْضَلُ فِي حَقِّهِمْ التَّعْجِيل.
وَالْمَشْهُور عَنْ أَحْمَدَ: التَّسْوِيَةُ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَلَا قَيْدٍ، وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ وَالْكُوفِيِّينَ , وَابْن الْمُنْذِر.
وَاسْتَدَلَّ لَهُ التِّرْمِذِيُّ " بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي سَفَر "، فَلَوْ كَانَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ , لَمْ يَأمُرْ بِالْإِبْرَادِ , لِاجْتِمَاعِهِمْ فِي السَّفَرِ , وَكَانُوا لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى أَنْ يَنْتَابُوا مِنْ الْبُعْدِ.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ تَعْجِيلَ الظُهْرِ أَفْضَلُ مُطْلَقًا , وَالْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَدِيث خَبَّابٍ: " شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا , فَلَمْ يُشْكِنَا " , أَيْ: فَلَمْ يُزِلْ شَكْوَانَا، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِم.
وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَبِأَنَّ الصَّلَاةَ حِينَئِذٍ أَكْثَرُ مَشَقَّةً , فَتَكُونُ أَفْضَلُ.
وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ خَبَّابٍ: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ طَلَبُوا تَأخِيرًا زَائِدًا عَنْ وَقْتِ الْإِبْرَادِ , وَهُوَ زَوَالُ حَرِّ الرَّمْضَاءِ , وَذَلِكَ قَدْ يَسْتَلْزِمُ خُرُوجَ الْوَقْتِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُجِبْهُمْ.
أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِأَحَادِيثِ الْإِبْرَاد , فَإِنَّهَا مُتَأَخِّرَة عَنْهُ , وَاسْتَدَلَّ لَهُ الطَّحَاوِيّ بِحَدِيثِ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة قَالَ: " كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الظُهْر بِالْهَاجِرَةِ، ثُمَّ قَالَ لَنَا: أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ " الْحَدِيث، وَهُوَ حَدِيثُ رِجَالِهِ ثِقَات , رَوَاهُ أَحْمَد , وَابْن مَاجَة وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ , وَنَقَلَ الْخَلَّالُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.
وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْإِبْرَادَ رُخْصَةٌ , وَالتَّعْجِيلَ أَفْضَلُ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ أَمْرُ إِرْشَادِ.
وَعَكَسَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: الْإِبْرَادُ أَفْضَلُ , وَحَدِيثُ خَبَّابٍ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ , وَهُوَ الصَّارِفُ لِلْأَمْرِ عَنْ الْوُجُوبِ.
وَلَا اِلْتِفَاتَ إِلَى مَنْ قَالَ: التَّعْجِيلُ أَكْثَرُ مَشَقَّةً , فَيَكُونُ أَفْضَل؛ لِأَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ لَمْ تَنْحَصِرْ فِي الْأَشَقِّ، بَلْ قَدْ يَكُونُ الْأَخَفُّ أَفْضَلُ, كَمَا فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ. فتح الباري - (ج ٢ / ص ٣٠٤)
(١٤) (م) ٦١٥ , (خ) ٥١٢
(١٥) (جة) ٦٧٨ , (حم) ٨٨٨٧
(١٦) فَيْحُ جَهَنَّمَ: غَلَيَانُهَا , وَانْتِشَارُ لَهَبِهَا وَوَهَجِهَا , وسَجْرُ جَهَنَّمَ سَبَبُ فَيْحِهَا , وَفَيْحُهَا سَبَبُ وُجُودِ شِدَّةِ الْحَرِّ , وَهُوَ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةُ سَلْبِ الْخُشُوعِ فَنَاسَبَ أَنْ لَا يُصَلَّى فِيهَا , والتَّعْلِيلُ إِذَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ , وَجَبَ قَبُولُهُ , وَإِنْ لَمْ يُفْهَمْ مَعْنَاهُ. فتح الباري - (ج ٢ / ص ٣٠٤)
(١٧) (خ) ٥١٢ , (م) ٦١٧
(١٨) (خ) ٣٠٨٧ , (م) ٦١٧
(١٩) (م) ٦١٧
(٢٠) الْمُرَادُ بِالزَّمْهَرِيرِ: شِدَّةُ الْبُرْدِ، وَاسْتُشْكِلَ وُجُودُهُ فِي النَّارِ , وَلَا إِشْكَالَ , لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّارِ مَحَلُّهَا , وَفِيهَا طَبَقَةٌ زَمْهَرِيرِيَّةٌ. تحفة الأحوذي - (ج ٦ / ص ٣٨٨)
(٢١) (خ) ٣٠٨٧ , (م) ٦١٧
(٢٢) قَضِيَّة التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ , قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهَا مَشْرُوعِيَّةُ تَأخِيرِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ شِدَّةِ الْبَرْدِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَد؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ غَالِبًا فِي وَقْتِ الصُّبْحِ , فَلَا تَزُولُ إِلَّا بِطُلُوعِ الشَّمْسِ، فَلَوْ أُخِّرَتْ لَخَرَجَ الْوَقْت. فتح الباري - (ج ٢ / ص ٣٠٦)
(٢٣) (م) ٦١٧
(٢٤) (ت) ٢٥٩٢
(٢٥) السَّمُوم: الرِّيحُ الْحَارَّةُ , تَكُونُ غَالِبًا بِالنَّهَارِ. تحفة الأحوذي (ج ٦ / ص٣٨٨)
(٢٦) (جة) ٤٣١٩ , انظر الصَّحِيحَة: ١٤٥٧