(٢) (خ) ٧٥٠ , (س) ٨٧١ , (د) ٦٨٣ (٣) (د) ٦٨٤ , (خ) ٧٥٠ , (س) ٨٧١ , (حم) ٢٠٤٧٥ , (عب) ٣٣٧٨ , (حب) ٢١٩٤ , وقال الألباني في "السلسلة الصحيحة" ١/ ٤٠٤ (ح٢٣٠): وإسناده صحيح على شرط مسلم، وأصله في " صحيح البخاري " وقد خرجته في " إرواء الغليل " (رقم ٦٨٤، ٦٨٥). والقصد من ذِكره هنا أن ظاهره يدل على أنه لَا يجوز الركوع دون الصف ثم المشي إليه، على خلاف ما دل عليه الحديث السابق، فكيف التوفيق بينهما؟ فأقول: إن هذا الحديث لَا يدل على ما ذُكر إِلَّا بطريق الاستنباط , لَا النص، فإن قوله - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " لَا تَعُدْ " يحتمل أنه نهاه عن كل ما ثبت أنه فعله في هذه الحادثة، وقد تبين لنا بعد التتبُّع أنها تتضمن ثلاثة أمور: الأول: اعتداده بالركعة التي إنما أدرك منها ركوعها فقط. الثاني: إسراعه في المشي، كما في رواية لأحمد (٥/ ٤٢) من طريق أخرى عن أبي بكرة أنه جاء والنبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - راكع، فسمع النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - صوت نعل أبي بكرة وهو يحضر (أي يعدو) يريد أن يدرك الركعة، فلما انصرف النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - قال: من الساعي؟ قال أبو بكرة: أنا. قال: فذكره , وإسناده حسن في المتابعات، وقد رواه ابن السكن في " صحيحه " نحوه. وفيه قوله: " انطلقت أسعى ... " وأن النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - قال: " من الساعي ... " , ويشهد لهذه الرواية رواية الطحاوي من الطريق الأولى بلفظ: " جئت ورسول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - راكع، وقد حفزني النفس فركعت دون الصف .. " الحديث. وإسناده صحيح، فإن قوله " حفزني النفس " معناه اشتد، من الحفْز وهو الحث والإعجال، وذلك كناية عن العَدْو. الثالث: ركوعه دون الصف ثم مشيه إليه , وإذا تبين لنا ما سبق، فهل قوله - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " لَا تَعُدْ " نهي عن هذه الأمور الثلاثة جميعها أم عن بعضها؟ , ذلك ما أريد البحث فيه وتحقيق الكلام عليه , فأقول: أما الأمر الأول، فالظاهر أنه لَا يدخل في النهي، لأنه لو كان نهاه عنه لأمره بإعادة الصلاة لكونها خداجا ناقصة الركعة، فإذ لم يأمره بذلك دل على صحتها , وعلى عدم شمول النهي الاعتداد بالركعة بإدراك ركوعها. وقول الصنعاني في " سبل السلام ": " لعله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - لم يأمره لأنه كان جاهلا للحكم، والجهل عذر " بعيد جدا، إذ قد ثبت في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة أمره - صلى اللهُ عليه وسلَّم - للمسيء صلاته بإعادتها ثلاث مرات , مع أنه كان جاهلا أيضا , فكيف يأمره بالإعادة وهو لم يفوت ركعة من صلاته , وإنما الاطمئنان فيها، ولا يأمر أبا بكرة بإعادة الصلاة وقد فوت على نفسه ركعة لو كانت لَا تُدرك بالركوع، ثم كيف يُعقل أن يكون ذلك مَنهيا وقد فعله كبار الصحابة كما تقدم في الحديث الذي قبله؟! فلذلك فإننا نقطع أن هذا الأمر الأول لَا يدخل في قوله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - " لَا تَعُدْ ". وأما الأمر الثاني، فلا نشك في دخوله في النهي لما سبق ذكره من الروايات , ولأنه لَا معارض له، بل هناك ما يشهد له، وهو حديث أبي هريرة مرفوعا: " إذا أتيم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة والوقار " الحديث متفق عليه. وأما الأمر الثالث، فهو موضع نظر وتأمل، وذلك لأن ظاهر رواية أبي داود هذه: " أيكم الذي ركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، مع قوله له: " لَا تَعُدْ "، يدل بإطلاقه على أنه قد يشمل هذا الأمر، وإن كان ليس نصا في ذلك , لاحتمال أنه يعني شيئا آخر غير هذا مما فعل، وليس يعني نهيه عن كل ما فعل، بدليل أنه لم يعنِ الأمر الأول كما سبق تقريره. فكذلك يحتمل أنه لم يعنِ هذا الأمر الثالث أيضا. وهذا وإن كان خلاف الظاهر، فإن العلماء كثيرا ما يضطرون لترك ما دل عليه ظاهر النص لمخالفته لنص آخر , هو في دلالته نص قاطع، مثل ترك مفهوم النص , لمنطوق نص آخر، وترك العام للخاص، ونحو ذلك، وأنا أرى أن ما نحن فيه الآن من هذا القبيل، فإن ظاهر هذا الحديث من حيث شموله للركوع دون الصف مخالفٌ لخصوص ما دل عليه حديث عبد الله بن الزبير دلالة صريحة قاطعة، وإذا كان الأمر كذلك , فلا بد حينئذ من ترجيح أحد الدليلين على الآخر، ولا يشك عالم أن النص الصريح أرجح عند التعارض من دلالة ظاهر نص ما، لأن هذا دلالته على وجه الاحتمال , بخلاف الذي قبله، وقد ذكروا في وجوه الترجيح بين الأحاديث أن يكون الحكم الذي تضمنه أحد الحديثين منطوقا به , وما تضمنه الحديث الآخر يكون محتملا. ومما لَا شك فيه أيضا أن دلالة هذا الحديث في هذه المسألة ليست قاطعة , بل محتملة، بخلاف دلالة حديث ابن الزبير المتقدم , فإن دلالته عليها قاطعة، فكان ذلك من أسباب ترجيحه على هذا الحديث. وثمة أسباب أخرى تؤكد الترجيح المذكور: أولا: خطبة ابن الزبير بحديثه على المنبر في أكبر جَمع يخطب عليهم في المسجد الحرام , وإعلانه عليه أن ذلك من السنة دون أن يعارضه أحد. ثانيا: عمل كبار الصحابة به , كأبي بكر وابن مسعود وزيد بن ثابت كما تقدم وغيرهم , فذلك من المرجِّحات المعروفة في علم الأصول , بخلاف هذا الحديث فإننا لَا نعلم أن أحدا من الصحابة قال بما دل عليه ظاهره في هذه المسألة، فكان ذلك كله دليلا قويا على أن دلالته فيها مرجوحة، وأن حديث ابن الزبير هو الراجح في الدلالة عليها , والله أعلم. وقد قال الصنعاني بعد قول ابن جريج في عقب هذا الحديث: " وقد رأيت عطاء يصنع ذلك " قال الصنعاني: " قلت: وكأنه مبني على أن لفظ " ولا تُعِدْ " بضم المثناة الفوقية، من الإعادة , أَيْ: زادك الله حرصا على طلب الخير , ولا تُعِدْ صلاتَك فإنها صحيحة. وروي بسكون العين المهملة (ولا تَعْدُ) من العَدْو، وتؤيده رواية ابن السكن من حديث أبي بكرة (ثم ساقها، وقد سبق نحوها من رواية أحمد مع الإشارة إلى رواية ابن السكن هذه، ثم قال: والأقرب أن رواية (لَا تَعُدْ) من العَوْد أي: لَا تعد ساعيا إلى الدخول قبل وصولك الصف، فإنه ليس في الكلام ما يشير بفساد صلاته حتى يفتيه - صلى اللهُ عليه وسلَّم - بأن لَا يعيدها، بل قوله " زادك الله حرصا " يشعر بأجزائها، أو " لَا تَعْدُ " من (العدو) ". قلت: لو صح هذا اللفظ لكانت دلالة الحديث حينئذ خاصة في النهي عن الإسراع , ولما دخل فيه الركوع خارج الصف، ولم يوجد بالتالي أيُّ تَعارض بينه وبين حديث ابن الزبير، ولكن الظاهر أن هذا اللفظ لم يَثبت، فقد وقع في " صحيح البخاري " وغيره باللفظ المشهور: " لَا تَعُدْ ". قال الحافظ في " الفتح " (٢/ ٢١٤): " ضبطناه في جميع الروايات بفتح أوله وضم العين من العود ". ثم ذكر هذا اللفظ، ولكنه رجح ما في البخاري فراجعه إن شئت. ويتلخص مما تقدم: أن هذا النهي لَا يشمل الاعتداد بالركعة ولا الركوع دون الصف , وإنما هو خاص بالإسراع , لمنافاته للسكينة والوقار كما تقدم التصريح بذلك من حديث أبي هريرة. وبهذا فسره الإمام الشافعي رحمه الله تعالى , فقال: " قوله: لَا تعد , يشبه قوله: لَا تأتوا الصلاة تسعون ". ذكره البيهقي في " سننه " (٢/ ٩٠). فإن قيل: قد ورد ما يؤيد شمول الحديث للإسراع , ويخالف حديث ابن الزبير صراحة وهو حديث أبي هريرة مرفوعا: " إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف ". قلنا: لكنه حديث معلول بعلة خفية، وليس هذا مكان بيانها، فراجع " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (رقم ٩٨١). أ. هـ