للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(د) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: " كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فِي السَّفَرِ، فَقُلْنَا: زَالَتِ الشَّمْسُ , أَوْ لَمْ تَزُلْ، صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ ارْتَحَلَ " (١)


(١) (د) ١٢٠٤ , (حم) ١٢١٣٢ , انظر الصَّحِيحَة: ٢٧٨٠،
وقال الألباني: وقد أوردته في " صحيح أبي داود " برقم (١٠٨٧) منذ سنين، ثم وقفت على كلام لابن حبان يصرِّح فيه بإنكار الحديث، فرأيت أنه لا بد من تحقيق الكلام عليه , فأقول:
قال ابن حبان في ترجمة مسحاج بن موسى الضبي من كتابه " الضعفاء " (٣/ ٣٢): " روى حديثا واحدا منكرا في تقديم صلاة الظهر قبل الوقت للمسافر - لَا يجوز الاحتجاج به "! , ثم قال: " سمعت أحمد بن محمد بن الحسين: سمعت الحسن بن عيسى: قلت لابن المبارك: حدثنا أبو نعيم بحديث حسن. قال: ما هو؟ , قلت: حدثنا أبو نعيم عن مسحاج .. (فذكر الحديث)، فقال ابن المبارك: وما حُسْن هذا الحديث؟! , أنا أقول: كان النبي صلى اللهُ عليه وسلَّم يصلي قبل الزوال وقبل الوقت؟! ".
قلت: وهذا عجيب من مثل هذا الإمام، فإن الحديث ليس فيه الإخبار عن النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - أنه كان يصلي قبل الزوال .. وإنما فيه أن الصحابة أو بعضهم كانوا إذا صلى النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - الظهر، يشكون هل زالت الشمس أم لَا، وما ذلك إِلَّا إشارةٌ من أنس إلى أنه إلى أنه - صلى اللهُ عليه وسلَّم - كان يصليها في أول وقتها بعد تحقُّق دخوله , كما أفاده الشيخ السفاريني في " شرح ثلاثيات مسند أحمد " (٢/ ١٩٦)
ونحوه ما في " عون المعبود ": " أي: لم يتيقن أنس وغيره بزوال الشمس ولا بعدمه، وأما النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فكان أعرف الناس للأوقات، فلا يصلي الظهر إِلَّا بعد الزوال , وفيه الدليل إلى مبادرة صلاة الظهر بعد الزوال معا من غير تأخير ".
وقد بوب أبو داود للحديث بقوله: " باب المسافر يصلي وهو يشك في الوقت "،
وعلق عليه صاحب " العون " فقال: " هل جاء وقت الصلاة أم لَا؟ فلا اعتبار لشكِّه، وإنما الاعتماد في معرفة الأوقات على الإمام، فإن تيقن الإمام بمجيء الوقت، فلا يُعتبر بشك بعض الأتباع ".
وقوله: " على الإمام "، وأقول: أو على من أنابه الإمام من المؤذنين المؤتمنين الذين دعا لهم رسول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - بالمغفرة، وهو الذين يؤذنون لكل صلاة في وقتها.
وقد أصبح هؤلاء في هذا الزمن أندر من الكبريت الأحمر، فقلَّ منهم من يؤذن على التوقيت الشرعي , بل جمهورهم يؤذنون على التوقيت الفلكي المُسَطَّر على التقاويم و (الروزنامات)، وهو غير صحيح لمخالفته للواقع، وفي هذا اليوم مثلا (السبت ٢٠ محرم سنة ١٤٠٦) طلعت الشمس من على قمة الجبل في الساعة الخامسة وخمس وأربعين دقيقة، وفي تقويم وزارة الأوقاف أنها تطلع في الساعة الخامسة والدقيقة الثالثة والثلاثين! , هذا وأنا على (جبل هملان)، فما بالك بالنسبة للذين هم في (وسط عمان)؟ , لَا شك أنه يتأخر طلوعها عنهم أكثر من طلوعها على (هملان).
ومع الأسف فإنهم يؤذنون للفجر هنا قبل الوقت بفرق يتراوح ما بين عشرين دقيقة إلى ثلاثين، وبناء عليه ففي بعض المساجد يصلون الفجر ثم يخرجون من المسجد ولمَّا يطلع الفجر بعد، ولقد عمَّت هذه المصيبة كثيرا من البلاد الإسلامية , كالكويت والمغرب والطائف وغيرها.
ويؤذنون هنا للمغرب بعد غروب الشمس بفرق ٥ - ١٠ دقائق. ولما اعتمرت في رمضان السنة الماضية صعدت في المدينة إلى الطابق الأعلى من البناية التي كنت زرت فيها أحد إخواننا لمراقبة غروب الشمس وأنا صائم، فما أذن إِلَّا بعد غروبها بـ (١٣ دقيقة)!
وأما في جدة فقد صعدت بناية هناك يسكن في شقة منها صِهر لي , فما كادت الشمس أن تغرب إِلَّا وسمعت الأذان. فحمدت الله على ذلك.
وإذا عرفتَ معنى الحديث , وأنه ليس فيه ما زعمه ابن حبان من تقديم صلاة الظهر قبل الوقت للمسافر، سقط قوله: أن الحديث منكر، وأن راويه مسحاج لَا يحتج به، ولا سيما وقد وثقه من هو أعلى كعبا منه في هذا الفن، فقد ذكر ابن أبي حاتم في كتابه أن يحيى بن معين قال فيه: ثقة. وقال أبو زرعة: لَا بأس به، وفي " الميزان " و" التهذيب " عن أبي داود أنه قال أيضا: ثقة.
وإن مما يُقرِّب لك معنى الحديث، وأنه لَا نكارة فيه، علاوة على ما سبق من البيان ما رواه البخاري (١٦٨٣) عن ابن مسعود أنه قَدِم (جمعا) .. فصلى الفجر حين طلع الفجر، قائل يقول: طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع الفجر .. الحديث. وأبو إسحاق وإن كان اختلط، فهو شاهد جيد لما نحن فيه. أ. هـ