(٢) (خ) ١٨٤١ , (س) ٢٣٠٦
(٣) قال النووي في شرح مسلم - (ج ٤ / ص ١٠٩): فِيهِ دَلَالَة لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ , أَنَّ صَوْم الدَّهْر وَسَرْدَهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِمَنْ لَا يَخَاف مِنْهُ ضَرَرًا وَلَا يُفَوِّتُ بِهِ حَقًّا , بِشَرْطِ فِطْر يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيق؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِسَرْدِهِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ , بَلْ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ , وَأَذِنَ لَهُ فِيهِ فِي السَّفَر , فَفِي الْحَضَر أَوْلَى ,
وَهَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّ حَمْزَة بْن عَمْرو كَانَ يُطِيق السَّرْد بِلَا ضَرَر وَلَا تَفْوِيت حَقّ , كَمَا قَالَ: (أَجِد بِي قُوَّة عَلَى الصِّيَام) وَأَمَّا إِنْكَاره - صلى اللهُ عليه وسلَّم - عَلَى اِبْن عَمْرو بْن الْعَاصِ صَوْم الدَّهْر فَلِأَنَّهُ عَلِمَ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - أَنَّهُ سَيَضْعُفُ عَنْهُ وَهَكَذَا جَرَى , فَإِنَّهُ ضَعُفَ فِي آخِر عُمُرِهِ , وَكَانَ يَقُول: يَا لَيْتَنِي قَبِلْت رُخْصَةَ رَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - وَكَانَ رَسُول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - يُحِبُّ الْعَمَلَ الدَّائِمَ وَإِنْ قَلَّ وَيَحُثُّهُمْ عَلَيْهِ. أ. هـ
وقال الألباني في تمام المنة ص ٤٠٨: قوله تحت عنوان: (النهي عن صوم الدهر): " فان أفطر يوميْ العيد وأيام التشريق , وصام بقية الأيام انتفت الكراهة "
قلت: هذا التأويل خلاف ظاهر الحديث: " لا صام من صام الأبد " وقوله: " لا صام ولا أفطر " , وقد بين ذلك العلامة ابن القيم في " زاد المعاد " بما يزيل كل شبهة , فقال: " وليس مراده بهذا من صام الأيام المحرمة. . " , وذكر نحوه الحافظ في " الفتح " (٤/ ١٨٠)
وقوله في تمام بحثه السابق: " وقد أقر النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - حمزة الأسلمي على سرد الصيام , وقال له: " صم إن شئت , وأفطر إن شئت "
قلت: لا دليل في الحديث على ما ذهب إليه المؤلف , لأنه لا تلازُم بين السَّرد وصوم الدهر , وقد ذكر الحافظ في " الفتح " استدلال بعض العلماء على الجواز بحديث حمزة هذا , ثم عقَّب عليه بقوله: وتُعُقِّبَ بأن سؤال حمزة إنما كان عن الصوم في السفر , لا عن صوم الدهر , ولا يلزم من سرد الصيام صوم الدهر , فقد قال أسامة بن زيد أن النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - كان يسرد الصوم , فيقال: " لا يفطر " أخرجه أحمد في " المسند " (٥/ ٢٠١) وسنده حسن , ومن المعلوم أن النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - لم يكن يصوم الدهر , فلا يلزم من ذكر السرد صيام الدهر ". أ. هـ كلام الحافظ ,
ثم قول المؤلف أيضا: " والأفضل أن يصوم يوما ويفطر يوما , فإن ذلك أحب الصيام إلى الله " ,
قلت: فهذا من الأدلة على كراهة صوم الدهر مع استثناء الأيام المحرمة , إذ لو كان صوم الدهر هذا مشروعا أو مستحبًّا لكان أكثر عملا , فيكون أفضل , إذ العبادة لا تكون إلا راجحة , فلو كان عبادة , لم يكن مرجوحا كما تقدم عن ابن القيم. أ. هـ
قال الشوكاني في نيل الأوطار - (ج ٧ / ص ١٦٩): قَوْلُهُ: (لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى كَرَاهِيَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ.
قَالَ ابْنُ التِّينِ: اُسْتُدِلَّ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ مِنْ وُجُوهٍ: نَهْيُهُ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - عَنْ الزِّيَادَةِ , وَأَمْرُهُ بِأَنْ يَصُومَ وَيُفْطِرَ وَقَوْلُهُ: " لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ " وَدُعَاؤُهُ عَلَى مَنْ صَامَ الْأَبَدَ وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: " لَا صَامَ " النَّفْيُ: أَيْ مَا صَامَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ بِلَفْظِ: " مَا صَامَ وَمَا أَفْطَرَ " وَمَا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ: " لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ " قَالَ فِي الْفَتْحِ أَيْ لَمْ يَحْصُلْ أَجْرَ الصَّوْمِ لِمُخَالَفَتِهِ وَلَمْ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ وَإِلَى كَرَاهَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ مُطْلَقًا ذَهَبَ إِسْحَاقُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: يَحْرُمُ , وَيَدُلُّ لِلتَّحْرِيمِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ كَمَا فِي الْفَتْحِ إلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِهِ. عَمْرٍو الْأَسْلَمِيّ , وَقَدْ قَالَ لَهُ: " يَا رَسُولَ اللهِ إنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ " وَيُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ سَرْدَ الصَّوْمِ لَا يَسْتَلْزِمُ صَوْمَ الدَّهْرِ , بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الصَّوْمِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي بَابِ الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ فِي السَّفَرِ.
وَيُؤَيِّدُ عَدَمَ الِاسْتِلْزَامِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ: {أَنَّ النَّبِيَّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ مَعَ مَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْ شَهْرًا كَامِلًا إلَّا رَمَضَانَ}.
وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى بِحَمْلِهِ عَلَى مَنْ صَامَهُ جَمِيعًا وَلَمْ يُفْطِرْ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا كَالْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ , وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَطَائِفَةٍ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ صَامَ الْأَيَّامَ الْمُحَرَّمَةَ لَا يُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَثِمَ بِصَوْمِهَا بِالْإِجْمَاعِ.
وَحَكَى الْأَثْرَمُ عَنْ مُسَدَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ فَلَا يَدْخُلُهَا " وَحَكَى مِثْلَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ الْمُزَنِيّ وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْمُلْجِئُ إلَى هَذَا التَّأوِيلِ أَنَّ مَنْ ازْدَادَ للهِ عَمَلًا صَالِحًا ازْدَادَ عِنْدَهُ رِفْعَةً وَكَرَامَةً قَالَ فِي الْفَتْحِ: تُعُقِّبَ بِأَنَّ لَيْسَ كُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ إذَا ازْدَادَ الْعَبْدُ مِنْهُ ازْدَادَ مِنْ اللهِ تَقَرُّبًا , بَلْ رُبَّ عَمَلٍ صَالِحٍ إذَا ازْدَادَ مِنْهُ ازْدَادَ بُعْدًا كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ انْتَهَى.
وَأَيْضًا لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرُوهُ لَقَالَ: ضُيِّقَتْ عَنْهُ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ بِمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: {فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا} وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ , وَبِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ {مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ} وَبِمَا تَقَدَّمَ فِي صِيَامِ أَيَّامِ الْبِيضِ أَنَّهُ مِثْلُ صَوْمِ الدَّهْرِ.
قَالُوا: وَالْمُشَبَّهُ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُشَبَّهِ , فَكَانَ صِيَامُ الدَّهْرِ أَفْضَلَ مِنْ هَذِهِ الْمُشَبَّهَاتِ فَيَكُونُ مُسْتَحَبًّا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ قَالَ الْحَافِظُ: وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْأَمْرِ الْمُقَدَّرِ لَا يَقْتَضِي جَوَازَ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَضْلًا عَنْ اسْتِحْبَابِهِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ حُصُولُ الثَّوَابِ عَلَى تَقْدِيرِ مَشْرُوعِيَّةِ صِيَامِ ثَلَثُمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَجُوزُ لَهُ صِيَامُ جَمِيعِ السَّنَةِ فَلَا يَدُلُّ التَّشْبِيهُ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَاخْتَلَفَ الْمُجَوِّزُونَ لِصِيَامِ الدَّهْرِ هَلْ هُوَ أَفْضَلُ , أَوْ صِيَامُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ؟ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إلَى أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ أَفْضَلُ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا فَيَكُونُ أَكْثَرَ أَجْرًا وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ زِيَادَةَ الْأَجْرِ بِزِيَادَةِ الْعَمَلِ هَهُنَا مُعَارَضَةٌ بِاقْتِضَاءِ الْعَادَةِ التَّقْصِيرَ فِي حُقُوقٍ أُخْرَى , فَالْأَوْلَى التَّفْوِيضُ إلَى حُكْمِ الشَّارِعِ وَقَدْ حُكِمَ بِأَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ أَفْضَلُ الصِّيَامِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ وَمِمَّا يُرْشِدُ إلَى أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ مِنْ جُمْلَةِ الصِّيَامِ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَبَ أَنْ يَصُومَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الصِّيَامِ ". أ. هـ
(٤) (م) ١٠٤ - (١١٢١) , (س) ٢٣٨٤ , (د) ٢٤٠٢ , (حم) ٢٤٢٤٢ , (خ) ١٨٤١ , (ت) ٧١١
(٥) (حم) ٢٥٧٧١ , (خ) ١٨٤١ , (م) ١٠٣ - (١١٢١) , (ت) ٧١١ , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(٦) (فوائد تمام) ١٠٢٦ , انظر الصَّحِيحَة: ٢٨٨٤
بحث في محتوى الكتب:
تنبيهات هامة: - افتراضيا يتم البحث عن "أي" كلمة من الكلمات المدخلة ويمكن تغيير ذلك عن طريق:
- استخدام علامة التنصيص ("") للبحث عن عبارة كما هي.
- استخدام علامة الزائد (+) قبل أي كلمة لجعلها ضرورية في البحث.
- استخدام علامة السالب (-) قبل أي كلمة لجعلها مستبعدة في البحث.
- يمكن استخدام الأقواس () للتعامل مع مجموعة من الكلمات.
- يمكن الجمع بين هذه العلامات في استعلام واحد، وهذه أمثلة على ذلك:
+شرح +قاعدة +"الضرورات تبيح المحظورات" سيكون لزاما وجود كلمة "شرح" وكلمة "قاعدة" وعبارة "الضرورات تبيح المحظورات"
+(شرح الشرح معنى) +قاعدة +"الضرورات تبيح المحظورات" سيكون لزاما وجود كلمة ("شرح" أو "الشرح" أو "معنى") وكلمة "قاعدة" وعبارة "الضرورات تبيح المحظورات"
+(التوكل والتوكل) +(اليقين واليقين) سيكون لزاما وجود كلمة ("التوكل" أو "والتوكل") ووجود كلمة ("اليقين" أو "واليقين")
بحث في أسماء المؤلفين
بحث في أسماء الكتب
تصفية النتائج
الغاء تصفية الأقسام الغاء تصفية القرون
نبذة عن المشروع:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute