الجواب: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ النَّهْي عَنْ كَوْنِ النَّذْرِ يَصِيرُ مُلْتَزَمًا بِهِ، فَيَأتِي بِهِ تَكَلُّفًا بِغَيْرِ نَشَاط.وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبهُ كَوْنُهُ يَأتِي بِالْقُرْبَةِ الَّتِي اِلْتَزَمَهَا فِي نَذْرِهِ عَلَى صُورَةِ الْمُعَاوَضَةِ لِلْأَمْرِ الَّذِي طَلَبَهُ , فَيَنْقُصُ أَجْره، وَشَأنُ الْعِبَادَةِ أَنْ تَكُونَ مُتَمَحِّضَةً لِلهِ تَعَالَى. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ النَّهْيَ لِكَوْنِهِ قَدْ يَظُنُّ بَعْضُ الْجَهَلَةِ أَنَّ النَّذْرَ يَرُدُّ الْقَدَر، وَيَمْنَعُ مِنْ حُصُولِ الْمُقَدَّر , فَنَهَى عَنْهُ خَوْفًا مِنْ جَاهِلٍ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ، وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يُؤَيِّد هَذَا. شرح النووي على مسلم - (١١/ ٩٨)(٢) (م) ١٦٤٠ , (خ) ٦٢٣٥(٣) أَيْ: بِسَبَبِ النَّذْرِ. تحفة الأحوذي - (ج ٤ / ص ١٩٢)(٤) أَيْ أَنَّهُ لَا يَأتِي بِهَذِهِ الْقُرْبَة تَطَوُّعًا مَحْضًا مُبْتَدِئًا , وَإِنَّمَا يَأتِي بِهَا فِي مُقَابَلَة شِفَاء الْمَرِيض وَغَيْره مِمَّا تَعَلَّقَ النَّذْر عَلَيْهِ. شرح النووي على مسلم (١١/ ٩٨)(٥) (خ) ٦٣١٦(٦) عَادَةُ النَّاسِ تَعْلِيقُ النُّذُورِ عَلَى حُصُولِ الْمَنَافِعِ , وَدَفْعِ الْمَضَارِّ , فَنَهَى عَنْهُ , فَإِنَّ ذَلِكَ فِعْلُ الْبُخَلَاءِ، إِذْ السَّخِيُّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللهِ تَعَالَى , اِسْتَعْجَلَ فِيهِ وَأَتَى بِهِ فِي الْحَالِ، وَالْبَخِيلُ لَا تُطَاوِعُهُ نَفْسُهُ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْ يَدِهِ إِلَّا فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ يُسْتَوْفَى أَوَّلًا , فَيَلْتَزِمُهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا سَيَحْصُلُ لَهُ , وَيُعَلِّقُهُ عَلَى جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرٍّ، وَذَلِكَ لَا يُغْنِي عَنْ الْقَدَرِ شَيْئًا، أَيْ: نَذْرٌ لَا يَسُوقُ إِلَيْهِ خَيْرًا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ , وَلَا يَرُدَّ شَرًّا قُضِيَ عَلَيْهِ.وَلَكِنَّ النَّذْرَ قَدْ يُوَافِقُ الْقَدَرَ , فَيَخْرُجُ مِنْ الْبَخِيلِ مَا لَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَهُ فَمَعْنَى نَهْيِهِ عَنْ النَّذْرِ , إِنَّمَا هُوَ التَّأَكُّدُ لِأَمْرِهِ , وَتَحْذِيرِ التَّهَاوُنِ بِهِ بَعْدَ إِيجَابِهِ،وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الزَّجْرَ عَنْهُ حَتَّى يَفْعَلَ , لَكَانَ فِي ذَلِكَ إِبْطَالُ حُكْمِهِ , وَإِسْقَاطُ لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ، إِذْ صَارَ مَعْصِيَةً، وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا يَجْلُبُ لَهُمْ فِي الْعَاجِلِ نَفْعًا, وَلَا يَصْرِفُ عَنْهُمْ ضَرًّا، وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا قَضَاهُ اللهُ تَعَالَى يَقُولُ: فَلَا تَنْذُرُوا , عَلَى أَنَّكُمْ تُدْرِكُونَ بِالنَّذْرِ شَيْئًا لَمْ يُقَدِّرْ اللهُ لَكُمْ، أَوْ تَصْرِفُونَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ شَيْئًا جَرَى الْقَضَاءُ بِهِ عَلَيْكُمْ، وَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ , فَاخْرُجُوا عَنْهُ بِالْوَفَاءِ فَإِنَّ الَّذِي نَذَرْتُمُوهُ لَازِمٌ لَكُمْ , وتَحْرِيرُهُ أَنَّهُ عَلَّلَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ " فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنْ الْقَدَرِ "، وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ , هُوَ النَّذْرُ الْمُقَيَّدُ، الَّذِي يُعْتَقَدُ أَنَّهُ يُغْنِي عَنْ الْقَدَرِ بِنَفْسِهِ كَمَا زَعَمُوا، وَكَمْ نَرَى فِي عَهْدِنَا جَمَاعَةً يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ لِمَا شَاهَدُوا مِنْ غَالِبِ الْأَحْوَالِ حُصُولَ الْمَطَالِبِ بِالنَّذْرِ.وَأَمَّا إِذَا نَذَرَ بِدُونِ سَببٍ، فَالنُّذُورُ كَالذَّرَائِعِ وَالْوَسَائِلِ , فَيَكُونُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ طَاعَةً وَلَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ، كَيْفَ وَقَدْ مَدَحَ اللهُ تَعَالَى جَلَّ شَأنُهُ الْخِيرَةَ مِنْ عِبَادِهِ بِقَوْلِهِ: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} وَ {إِنِّي نَذَرْت لَك مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا}وَأَمَّا مَعْنَى" وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ" , فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْبَذْلَ وَالْإِنْفَاقَ فَمَنْ سَمَحَتْ أَرِيحَتُهُ فَذَلِكَ، وَإِلَّا فَشَرَعَ النُّذُورَ لِيَسْتَخْرِجَ بِهِ مِنْ مَالِ الْبَخِيلِ. تحفة الأحوذي - (ج ٤ / ص ١٩٢)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute