للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م) , وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - إِلَى الشَّامِ, حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ (١) لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ (٢) أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ , فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ (٣) قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّامِ , قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ (٤) فَدَعَوْتُهُمْ , فَاسْتَشَارَهُمْ , وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ , فَاخْتَلَفُوا , فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ , وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ , وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءَ , فَقَالَ عُمَرُ: ارْتَفِعُوا عَنِّي (٥)

ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي الْأَنْصَارَ , فَدَعَوْتُهُمْ , فَاسْتَشَارَهُمْ , فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ , وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ , فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي , ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ (٦) فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمُ رَجُلَانِ , قَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ , وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ , فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ: إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ , فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ (٧) فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ؟ , فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ (٨) نَعَمْ , نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إِلَى قَدَرِ اللهِ , أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ (٩) إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ , وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ , أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصِبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ؟ وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ (١٠)؟ , قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رضي الله عنه - وَكَانَ غَائِبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ - فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا , سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: " إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ (١١) بِأَرْضٍ فلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ , وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ " , قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَحَمِدَ عُمَرُ اللهَ , ثُمَّ انْصَرَفَ. (١٢)


(١) (سَرْغ): قَرْيَة فِي طَرَف الشَّام مِمَّا يَلِي الْحِجَاز. (النووي- ٧/ ٣٧٠)
(٢) الْمُرَاد بِالْأَجْنَادِ هُنَا: مُدُن الشَّام الْخَمْس، وَهِيَ: فِلَسْطِين , وَالْأُرْدُنّ , وَدِمَشْق , وَحِمْص , وَقِنِّسْرِين. (النووي- ٧/ ٣٧٠)
(٣) أَيْ: الطاعون.
(٤) الْمُرَاد بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ: مَنْ صَلَّى لِلْقِبْلَتَيْنِ، فَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ بَعْد تَحْوِيل الْقِبْلَة , فَلَا يُعَدُّ فِيهِمْ. (النووي - ج ٧ / ص ٣٧٠)
(٥) أَيْ: أَمَرَهُمْ فَخَرَجُوا عَنْهُ.
(٦) أَيْ: الَّذِينَ هَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَة عَامَ الْفَتْح، أَوْ الْمُرَاد: مُسْلِمَة الْفَتْح، أَوْ أُطْلِقَ عَلَى مَنْ تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَة بَعْد فَتْح مَكَّة مُهَاجِرًا صُورَةً , وَإِنْ كَانَت الْهِجْرَة قَدْ اِرْتَفَعَتْ بَعْد الْفَتْح حُكْمًا، لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - " لَا هِجْرَة بَعْد الْفَتْح "، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَكَّةَ بَعْدَ الْفَتْح صَارَتْ دَارَ إِسْلَام، فَالَّذِي يُهَاجِر مِنْهَا لِلْمَدِينَةِ إِنَّمَا يُهَاجِر لِطَلَبِ الْعِلْم , أَوْ الْجِهَاد , لَا لِلْفِرَارِ بِدِينِهِ , بِخِلَافِ مَا قَبْل الْفَتْح , وَأَطْلَقَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ اِحْتِرَازًا مِنْ مَشْيَخَة قُرَيْش , مِمَّنْ أَقَامَ بِمَكَّة وَلَمْ يُهَاجِر أَصْلًا. فتح الباري (ج ١٦ / ص ٢٥١)
(٧) أَيْ: مُسَافِرٌ رَاكِبٌ عَلَى ظَهْرِ الرَّاحِلَة، رَاجِعٌ إِلَى وَطَنِي، فَأَصْبَحُوا عَلَيْهِ، وَتَأَهَّبُوا لَهُ. شرح النووي على مسلم - (ج ٧ / ص ٣٧٠)
(٨) أَيْ: لَوْ قَالَهَا غَيْرُكَ لَمْ أَتَعَجَّب مَعَهُ، وَإِنَّمَا أَتَعَجَّبُ مِنْ قَوْلِك أَنْتَ ذَلِكَ مَعَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْفَضْل. شرح النووي على مسلم (ج ٧ / ص ٣٧٠)
(٩) (العُدْوَتَانِ): تَثْنِيَة عُدْوَة، وَهُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفِع مِنْ الْوَادِي، وَهُوَ شَاطِئُهُ.
(١٠) ذَكَرَ لَهُ عُمَر دَلِيلًا وَاضِحًا مِنْ الْقِيَاس الْجَلِيّ الَّذِي لَا شَكَّ فِي صِحَّته، وَلَيْسَ ذَلِكَ اِعْتِقَادًا مِنْهُ أَنَّ الرُّجُوع يَرُدُّ الْمَقْدُورَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ الله تَعَالَى أَمْرَ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْحَزْمِ , وَمُجَانَبَةِ أَسْبَابِ الْهَلَاك , كَمَا أَمَرَ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِالتَّحَصُّنِ مِنْ سِلَاحِ الْعَدُوّ، وَتَجَنُّبِ الْمَهَالِك، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ وَاقِعٌ بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ السَّابِقِ فِي عِلْمِه , وَقَاسَ عُمَرُ عَلَى رَعْي الْعُدْوَتَيْنِ , لِكَوْنِهِ وَاضِحًا لَا يُنَازِعُ فِيهِ أَحَد , مَعَ مُسَاوَاتِه لِمَسْأَلَةِ النِّزَاع , فمَقْصُودُ عُمَرَ أَنَّ النَّاسَ رَعِيَّةٌ لِي , اِسْتَرْعَانِيهَا اللهُ تَعَالَى، فَيَجِبُ عَلَيَّ الِاحْتِيَاطُ لَهَا، فَإِنْ تَرَكْتُ الِاحْتِيَاطَ , نُسِبْتُ إِلَى الْعَجْز, وَاسْتَوْجَبْتُ الْعُقُوبَة. شرح النووي على مسلم - (ج ٧ / ص ٣٧٠)
(١١) أَيْ: الطاعون.
(١٢) (خ) ٥٧٢٩ , (م) ٢٢١٩