للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(د) , وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي يَصِيرُ إِلَيَّ فِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - مَسَاءَ يَوْمِ النَّحْرِ , " فَصَارَ إِلَيَّ " , وَدَخَلَ عَلَيَّ وَهْبُ بْنُ زَمْعَةَ , وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ آلِ أَبِي أُمَيَّةَ مُتَقَمِّصَيْنِ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - لِوَهْبٍ: " هَلْ أَفَضْتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ " , قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ , فَقَالَ رَسُولُ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " انْزِعْ عَنْكَ الْقَمِيصَ " , قَالَ: فَنَزَعَهُ مِنْ رَأسِهِ , وَنَزَعَ صَاحِبُهُ قَمِيصَهُ مِنْ رَأسِهِ , ثُمَّ قَالَ: وَلِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ , قَالَ: " إِنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ إِذَا أَنْتُمْ رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا - يَعْنِي: مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ مِنْهُ إِلَّا النِّسَاءَ - فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هَذَا الْبَيْتَ , صِرْتُمْ حُرُمًا كَهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطُوفُوا بِهِ " (١)


(١) (د) ١٩٩٩ , (حم) ٢٦٥٧٣ , (خز) ٢٩٥٨، (ك) ١٨٠٠ , (هق) ٩٣٨٢ , وقال الألباني: حسن صحيح، وانظر صَحِيح الْجَامِع: ٢٢٥٨/ ١
وقال في مناسك الحج والعمرة ص٢١: فإذا انتهى من رمي الجمرة حل له كل شيء إلا النساء , ولو لم ينحر أو يحلق , فيلبس ثيابه ويتطيب , لكن عليه أن يطوف طواف الإفاضة في اليوم نفسه إذا أراد أن يستمر في تمتُّعه المذكور , وإلا فإنه إذا أمسى ولم يطف , عاد مُحْرِما كما كان قبل الرمي , فعليه أن ينزع ثيابه ويلبس ثوبي الإحرام , لقوله - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " إِنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ إِذَا أَنْتُمْ رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا - يَعْنِي مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ مِنْهُ إِلَّا النِّسَاءَ - فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هَذَا الْبَيْتَ , صِرْتُمْ حُرُمًا كَهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطُوفُوا بِهِ "
ولمَّا اطلع على هذا الحديث بعض الأفاضل من أهل العلم قبل ذيوع الرسالة استغربوه , وبعضهم بادر إلى تضعيفه - كما كنتُ فعلت أنا نفسي في بعض مؤلفاتي - بناء على الطريق التي عند أبي داود , وهذه مع أنها قوَّاها الإمام ابن القيم في " التهذيب " , والحافظ في " التلخيص " بسكوته عليه , فقد وجدت لها طرقا أخرى يَقطع الواقف عليها بانتفاء الضعف عنها , وارتقائها إلى مرتبة الصحة , ولكنها في مصدر غير متداول عند الجماهير , وهو
" شرح معاني الآثار " للإمام الطحاوي , خفيت عليهم كما خفيت علي من قبل , فلذلك بادَروا إلى الاستغراب أو التضعيف , وشجعهم إلى ذلك أنهم وجدوا من قال من العلماء فيه: " لا أعلم أحدا من الفقهاء قال به " , وهذا نفي , وهو ليس علما , فإن من المعلوم عند أهل العلم أن عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه , فإذا ثبت الحديث عن رسول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - وكان صريح الدلالة كهذا , وجبت المبادرة إلى العمل به , ولا يتوقف ذلك على معرفة موقف أهل العلم منه , كما قال الإمام الشافعي: " يُقْبَل الخبر في الوقت الذي يَثبُتُ فيه , وإن لم يمض عملٌ من الأئمة بمثل الخبر الذي قبلوا , إن حديث رسول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - يثبت بنفسه , لا بعمل غيره بعده "
قلت: فحديث رسول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - أجَلُّ من أن يُسْتشهد عليه بعمل الفقهاء به , فإنه أصل مستقل , حاكم غير محكوم , ومع ذلك فقد عمل بالحديث جماعة من أهل العلم , منهم عروة بن الزبير التابعي الجليل , فهل بعد هذا لأحد عذر في ترك العمل به؟ {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}. وتفصيل هذا الإجمال في المصنف الآنف الذكر.
واعلم أن رمي الجمرة لأهل الموسم بمنزلة صلاة العيد لغيرهم , ولهذا استحب الإمام أحمد أن تكون صلاة أهل الأمصار وقت النحر بمنى , ولهذا خطب النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - يوم النحر بعد الجمرة , فاستحباب بعضهم صلاة العيد في منى أَخْذًا بالعمومات اللفظية أو القياسية غلط وغفلة عن السنة , فإن النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - وخلفاءه لم يصلوا بمنى عيدا قط , كما في فتاوى ابن تيمية (٢٦ - ١٨٠). أ. هـ