للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م س د) , وَعَنْ عَبْدِ اللهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ , عَنْ أَسْمَاءَ - رضي الله عنها - (أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ , فَقَامَتْ تُصَلِّي , فَصَلَّتْ سَاعَةً , ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ , قُلْتُ: لَا , فَصَلَّتْ سَاعَةً , ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ , قُلْتُ: نَعَمْ , قَالَتْ: فَارْتَحِلُوا , فَارْتَحَلْنَا وَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتْ الْجَمْرَةَ , ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتْ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا , فَقُلْتُ لَهَا: يَا هَنْتَاهُ (١) مَا أُرَانَا إِلَّا قَدْ) (٢) (رَمَيْنَا الْجَمْرَةَ بِلَيْلٍ) (٣) (فَقَالَتْ: قَدْ كُنَّا نَصْنَعُ هَذَا مَعَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ) (٤) (" إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - أَذِنَ لِلظُّعُنِ (٥) ") (٦)


(١) (يَا هَنْتَاه) أَيْ: يَا هَذِهِ.
(٢) (خ) ١٥٦٧ , (م) ٢٩٧ - (١٢٩١) , (س) ٣٠٥٠ , (حم) ٢٦٩٨٦
(٣) (د) ١٩٤٣ , (خ) ١٥٦٧ , (م) ٢٩٧ - (١٢٩١)
(٤) (س) ٣٠٥٠ , (د) ١٩٤٣
(٥) (الظُّعُن): جَمْعُ ظَعِينَة , وَهِيَ الْمَرْأَةُ فِي الْهَوْدَجِ , ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا , وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَاز الرَّمْي قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَ مَنْ خَصَّ التَّعْجِيل بِالضَعَفَةِ , وَعِنْدَ مَنْ لَمْ يُخَصِّصْ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّة فَقَالُوا: لَا يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ , فَإِنْ رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ , وَإِنْ رَمَاهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَعَادَهَا , وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَإسْحَاقُ وَالْجُمْهُورُ , وَزَاد إِسْحَاق " وَلَا يَرْمِيهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ " , وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيّ وَمُجَاهِد وَالثَّوْرِيّ وَأَبُو ثَوْر , وَرَأَى جَوَاز ذَلِكَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ: عَطَاء وَطَاوُس وَالشَّعْبِيّ وَالشَّافِعِيّ , وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ اِبْن عُمَر الْمَاضِي قَبْلَ هَذَا , وَاحْتَجَّ إِسْحَاقُ بِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس " أَنَّ النَّبِيَّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - قَالَ لِغِلْمَان بَنِي عَبْد الْمَطْلَب: لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ " , وَإِذَا كَانَ مَنْ رُخِّصَ لَهُ مُنِعَ أَنْ يَرْمِيَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَمَنْ لَمْ يُرَخَّصْ لَهُ أَوْلَى.
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيّ بِحَدِيثِ أَسْمَاء هَذَا , وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْن حَدِيث اِبْن عَبَّاس بِحَمْلِ الْأَمْرِ فِي حَدِيثِ اِبْن عَبَّاس عَلَى النَّدْب , وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس عَنْهُ قَالَ " بَعَثَنِي النَّبِيُّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - مَعَ أَهْلِهِ وَأَمَرَنِي أَنْ أَرْمِيَ مَعَ الْفَجْرِ "
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِر. السُّنَّةُ أَنْ لَا يَرْمِيَ إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - وَلَا يَجُوزُ الرَّمْي قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ , لِأَنَّ فَاعِلَهُ مُخَالِف لِلسُّنَّةِ , وَمَنْ رَمَى حِينَئِذ فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ , إِذْ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ لَا يُجْزِئُهُ , وَاسْتُدِلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى إِسْقَاط الْوُقُوف بِالْمَشْعَرِ الْحَرَام عَنْ الضَّعَفَةِ , وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَكَانَ بَعْضهمْ يَقُولُ: وَمَنْ مَرَّ بِمُزْدَلِفَة فَلَمْ يَنْزِلْ بِهَا فَعَلَيْهِ دَم , وَمَنْ نَزَلَ بِهَا ثُمَّ دَفَعَ مِنْهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَقِفْ مَعَ الْإِمَامِ.
وَقَالَ مُجَاهِد وقَتَادَة وَالزُّهْرِيّ وَالثَّوْرِيّ: مَنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا فَقَدْ ضَيَّعَ نُسُكًا وَعَلَيْهِ دَم , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبِي ثَوْر.
وَرُوِيَ عَنْ عَطَاء وَالْأَوْزَاعِيّ أنه لَا دَمَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا , وَإِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ مَنْ شَاءَ نَزَلَ بِهِ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَنْزِلْ بِهِ.
وَرَوَى الطَّبَرِيّ بِسَنَد فِيهِ ضَعْف عَنْ عَبْد الله بْن عَمْرو مَرْفُوعًا " إِنَّمَا جَمْع مَنْزِل لِدَلْج الْمُسْلِمِينَ " ,
وَذَهَب اِبْن بِنْت الشَّافِعِيّ وَابْن خُزَيْمَة إِلَى أَنَّ الْوُقُوفَ بِهَا رُكْن لَا يَتِمُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ , وَأَشَارَ اِبْن الْمُنْذِر إِلَى تَرْجِيحِهِ، وَنَقَلَهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ عَلْقَمَةِ وَالنَّخَعِيّ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ قَالُوا مَنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا فَاتَهُ الْحَجُّ وَيُجْعَلْ إِحْرَامه عُمْرَة , وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيّ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَذْكُرْ الْوُقُوفَ وَإِنَّمَا قَالَ (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَام) , وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِهَا بِغَيْرِ ذِكْر أَنَّ حَجَّهُ تَامّ , فَإِذَا كَانَ الذِّكْر الْمَذْكُور فِي الْكِتَابِ لَيْسَ مَنْ صُلْب الْحَجّ فَالْمَوْطِن الَّذِي يَكُونُ الذِّكْرُ فِيهِ أَحْرَى أَنْ لَا يَكُونُ فَرْضًا , قَالَ: وَمَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَة بْن مُضَرِّس رَفَعَهُ قَالَ " مَنْ شَهِدَ مَعَنَا صَلَاة الْفَجْر بِالْمُزْدَلِفَةِ وَكَانَ قَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَة لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ " لِإِجْمَاعِهِمْ أَنَّهُ لَوْ بَاتَ بِهَا وَوَقَفَ وَنَامَ عَنْ الصَّلَاةِ فَلَمْ يُصَلِّهَا مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى فَاتَتْهُ أَنَّ حَجَّهُ تَامّ اِنْتَهَى ,
وَقَدْ اِرْتَكَبَ اِبْن حَزْم الشَّطَط فَزَعَمَ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ صَلَاة الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَة مَعَ الْإِمَامِ أَنَّ الْحَجَّ يَفُوتُهُ اِلْتِزَامًا لِمَا أَلْزَمَهُ بِهِ الطَّحَاوِيّ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ اِبْنُ قُدَامَة مُخَالَفَته هَذِهِ فَحَكَى الْإِجْمَاع عَلَى الْإِجْزَاءِ كَمَا حَكَاهُ الطَّحَاوِيّ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَجِبُ بِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِهَا دَم لِمَنْ لَيْسَ بِهِ عُذْر , وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَعْذَارِ عِنْدَهُمْ الزِّحَام. فتح الباري (ج ٥ / ص ٣٥٥)
(٦) (خ) ١٥٦٧ , (م) ٢٩٧ - (١٢٩١) , (حم) ٢٦٩٨٦