(٢) فِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز الِاقْتِصَار عَلَى التَّقْصِير , وَإِنْ كَانَ الْحَلْق أَفْضَل، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَاجّ وَالْمُعْتَمِر، إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يُقَصِّر فِي الْعُمْرَة , وَيَحْلِق فِي الْحَجّ , لِيَقَع الْحَلْق فِي أَكْمَل الْعِبَادَتَيْنِ، وَقَدْ سَبَقَتْ الْأَحَادِيثُ فِي هَذَا وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون تَقْصِير الْمُعْتَمِر أَوْ حَلْقه عِنْد الْمَرْوَة , لِأَنَّهَا مَوْضِع تَحَلُّله، كَمَا يُسْتَحَبّ لِلْحَاجِّ أَنْ يَكُون حَلْقُه أَوْ تَقْصِيرُه فِي مِنًى , لِأَنَّهَا مَوْضِع تَحَلُّلِه، وَحَيْثُ حَلَقَا أَوْ قَصَّرَا مِنْ الْحَرَم كُلِّهِ جَازَ , وَهَذَا الْحَدِيث مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ قَصَّرَ عَنْ النَّبِيّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فِي عُمْرَة الْجِعِرَّانَة , لِأَنَّ النَّبِيّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فِي حَجَّة الْوَدَاع كَانَ قَارِنًا كَمَا سَبَقَ إِيضَاحه، وَثَبَتَ أَنَّهُ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - حَلَقَ بِمِنًى , وَفَرَّقَ أَبُو طَلْحَة - رضي الله عنه - شَعْرَهُ بَيْن النَّاسِ، فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ تَقْصِيرِ مُعَاوِيَة عَلَى حَجَّةِ الْوَدَاع، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ أَيْضًا عَلَى عُمْرَةِ الْقَضَاء الْوَاقِعَة سَنَة سَبْع مِنْ الْهِجْرَة، لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ مُسْلِمًا , إِنَّمَا أَسْلَمَ يَوْم الْفَتْح سَنَة ثَمَانٍ , هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور.وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَزَعَمَ أَنَّهُ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - كَانَ مُتَمَتِّعًا , لِأَنَّ هَذَا غَلَط فَاحِش، فَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة السَّابِقَة فِي مُسْلِم وَغَيْره أَنَّ النَّبِيّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - قِيلَ لَهُ: مَا شَأن النَّاس حَلُّوا وَلَمْ تَحِلّ أَنْتَ؟ , فَقَالَ: " إِنِّي لَبَّدْت رَأسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي , فَلَا أَحِلّ حَتَّى أَنْحَر الْهَدْي ". وَفِي رِوَايَة " حَتَّى أَحِلّ مِنْ الْحَجّ " وَالله أَعْلَم. شرح النووي على مسلم - (ج ٤ / ص ٣٤٩)(٣) (حم) ١٦٩٠٩ , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute