للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م) , وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ (١) حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ , وَوَالِدِهِ , وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " (٢)

وفي رواية (٣): " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ , وَأَهْلِهِ , وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ "

الشرح (٤)


(١) أَيْ: لَا يُؤْمِنُ إِيمَانًا كَامِلًا. (فتح - ح١٤)
(٢) (خ) ١٥ , (س) ٥٠١٣
(٣) (م) ٤٤ , (س) ٥٠١٤
(٤) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٍ: إنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ الْمَحَبَّةَ عَلَى مَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ.
وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُرَادًا هُنَا؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْأَعْظَمِيَّةِ لَيْسَ مُسْتَلْزِمًا لِلْمَحَبَّةِ، إِذْ قَدْ يَجِدُ الْإِنْسَانُ إِعْظَامَ شَيْءٍ , مَعَ خُلُوِّهِ مِنْ مَحَبَّتِهِ، قَالَ: فَعَلَى هَذَا مَنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ الْمَيْلَ , لَمْ يَكْمُلْ إِيمَانُهُ.
وَإِلَى هَذَا يُومِئُ قَوْلُ عُمَرَ الَّذِي رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي " الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي , فَقَالَ: " لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ " , فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّكَ الْآنَ وَاللهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ: " الْآنَ يَا عُمَرُ ".
فَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ لَيْسَتْ بِاعْتِقَادِ الْأَعْظَمِيَّةِ فَقَطْ، فَإِنَّهَا كَانَتْ حَاصِلَةً لِعُمَرَ قَبْلَ ذَلِكَ قَطْعًا.
وَمِنْ عَلَامَةِ الْحُبِّ الْمَذْكُورِ , أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ لَوْ خُيِّرَ بَيْنَ فَقْدِ غَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِهِ , أَوْ فَقْدِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَوْ كَانَتْ مُمْكِنَةً، فَإِنْ كَانَ فَقْدُهَا أَنْ لَوْ كَانَتْ مُمْكِنَةً أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ فَقْدِ شَيْءٍ مِنْ أَغْرَاضِهِ , فَقَدِ اتَّصَفَ بِالْأَحَبِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ , وَمَنْ لَا , فَلَا.
وَلَيْسَ ذَلِكَ مَحْصُورًا فِي الْوُجُودِ وَالْفَقْدِ , بَلْ يَأتِي مِثْلُهُ فِي نُصْرَةِ سُنَّتِهِ , وَالذَّبِّ عَنْ شَرِيعَتِهِ , وَقَمْعِ مُخَالِفِيهَا، وَيَدْخُلُ فِيهِ بَابُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ , وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ. (فتح - ح١٥)