للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(م) , قَالَ جَابِرٌ - رضي الله عنه - فِي صِفَةِ حَجِّهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: (وَكَفَانَا الطَّوَافُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) (١) فَـ (لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا , طَوَافَهُ الْأَوَّلَ (٢)) (٣)

وَقَالَتْ عَائِشَةُ: (طَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا) (٤)


(١) (م) ١٣٨ - (١٢١٣) , (جة) ٣٠٧٤ , (حم) ١٤١٤٨
(٢) قال الألباني في حجة النبي ص٨٨: كذا أطلق جابر - رضي الله عنه - وفصلت ذلك عائشة , حيث قالت: " فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة , ثم حلوا , ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجحوا من منى , وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا " أخرجه الشيخان.
قال ابن القيم في " زاد المعاد ": فإما أن يقال: عائشة أثبتت , وجابرٌ نفى , والمُثبِت مقدمٌ على النافي.
أو يقال: مرادُ جابرٍ: من قرن مع النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - وساق الهدي - كأبي بكر وعمر وطلحة وعلي وذوي اليسار - فإنهم إنما سعوا سعيا واحدا , وليس المراد به عموم الصحابة.
أو يعلَّل حديث عائشة بأن قولها: فطاف الخ. . في الحديث مُدْرَجٌ من قول هشام , وهذه ثلاث طرق للناس في حديثها. والله أعلم. كذا في زاد المعاد
قلت: والطريق الأخير منها ضعيف , لأن تخطئة الثقة بدون حُجَّة لا يجوز , لا سيما إذا كان مثل هشام , ثم استدركتُ فقلت: ليس في طريق الحديث هشام لأنه من رواية مالك , عن ابن شهاب , عن عروة بن الزبير , عنها. فهذا إسناد غايةٌ في الصحة , فممن الخطأ والإدراج؟.
ثم وجدت شيخ الإسلام ابن تيمية قال في " مناسك الحج " (ص٣٨٥ ج٢ من مجموعة الرسائل الكبرى): " وقد رُوي في حديث عائشة أنهم طافوا مرتين , لكنَّ هذه الزيادة قيل: أنها من قول الزهري , لا من قول عائشة ".
والزهري جبلٌ في الحفظ , فكيف يُخَطَّأ بمجرد " قيل "؟ ,
وأزيد الآن في هذه الطبقة فأقول: فمن العجيب أن يعتمد على ذلك ابن تيمية , فيرد به حديث عائشة , فيقول: " وقد احتج بها - يعني الزيادة - بعضهم , على أنه يستحب طوافان بالبيت , وهذا ضعيف , والأظهر ما في حديث جابر , ويؤيده قوله: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ".
قلت: حديث عائشة صحيح لا شك فيه , وما أُعِلَّ به لا يساوي حكايته كما عُرِف , ومما يؤكد ذلك شيئان:
الأول: أن له طريقا أخرى عنها في " الموطأ " (رقم: ٢٢٣ ج ١: ٤١٠) عن عبد الرحمن ابن القاسم , عن أبيه به , وهذا سند صحيح , أيضا كالجبل ثبوتا.
والآخر: أن له شاهدا صريحا صحيحا من حديث ابن عباس , أنه سُئِل عن متعة الحجِّ , فقال: أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم - في حجة الوداع , فلما قدمنا مكة قال رسول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلَّد الهدي " فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة , وأتينا النساء , ولبسنا الثياب , وقال: " من قلَّد الهدي , فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله , ثم أمَرَنا عشية التروية أن نُهِلَّ بالحج , فإذا فرغنا من المناسك , جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة , فقد تم حجُّنا , وعلينا الهدي ". الحديث أخرجه البخاري تعليقا مجزوما , ورواه مسلم خارج صحيحه موصولا وكذا الإسماعيلي في مستخرجه , ومن طريقه البيهقي في سننه (٥/ ٢٣) وإسناده صحيح رجاله رجال الصحيح.
فهذا كله يؤكد بطلان دعوى الإدراج في حديث عائشة , ويؤيد أنها حفظت ما لم يحفظ جابر , ويدل على أن المتمتِّع لا بد له من الطواف مرة أخرى بين الصفا والمروة.
وفي حديث ابن عباس فائدة أخرى هامَّة جدًا , وهي: أن " من فعل ذلك فقد تم حجُّه " , ومفهومه أن من لم يفعل ذلك لم يتم حجه , فهذا إن لم يدلَّ على أنه ركن , فلا أقل من أن يدل على الوجوب , فكيف الاستحباب؟.
وأما تأييد شيخ الإسلام ما ذهب إليه من عدم المشروعية بقوله - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " دخلت العمرة. . . " فلا يخفى ضعفُه , بعدما ثبت الأمر به من النبي - صلى اللهُ عليه وسلَّم -. أ. هـ
(٣) (م) ٢٦٥ - (١٢٧٩) , (س) ٢٩٨٦ , (د) ١٨٩٥
(٤) (م) ١١١ - (١٢١١) , (خ) ١٤٨١ , (س) ٢٧٦٤ , (د) ١٧٨١ , (حم) ٢٥٤٨٠ , عن عائشة , (حم) ٦٠٨٢ عن ابن عمر