للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م) , وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" أَرْبَعٌ (١) مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا (٢) خَالِصًا) (٣) (وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ (٤)) (٥) (وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ , كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا (٦) إِذَا حَدَّث كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ , وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ (٧)) (٨) وفي رواية: (وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ (٩)) (١٠) (وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ (١١) ") (١٢)


(١) أَيْ: خِصَالٌ أَرْبَعٌ. تحفة الأحوذي - (ج ٦ / ص ٤٣٠)
(٢) النِّفَاق لُغَة: مُخَالَفَةُ الْبَاطِنِ لِلظَّاهِرِ، فَإِنْ كَانَ فِي اِعْتِقَادِ الْإِيمَانِ , فَهُوَ نِفَاقُ الْكُفْر، وَإِلَّا فَهُوَ نِفَاقُ الْعَمَلِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ , وَتَتَفَاوَت مَرَاتِبه. (فتح - ج١ص١٣٣)
(٣) (خ) ٣٤
(٤) قَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا الْحَدِيث عَدَّهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاء مُشْكِلًا , مِنْ حَيْثُ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالُ قَدْ تُوجَدُ فِي الْمُسْلِمِ الْمُجْمَعُ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِكُفْرِهِ.
وَلَيْسَ فِيهِ إِشْكَالٌ، بَلْ مَعْنَاهُ صَحِيح.
وَالَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ: أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ خِصَالُ نِفَاق، وَصَاحِبُهَا شَبِيهٌ بِالْمُنَافِقِينَ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ , وَمُتَخَلِّقٌ بِأَخْلَاقِهِمْ.
قُلْت: وَمُحَصَّلُ هَذَا الْجَوَابِ: الْحَمْلُ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الْمَجَاز،
أَيْ: صَاحِبُ هَذِهِ الْخِصَالِ كَالْمُنَافِقِ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّفَاقِ نِفَاقُ الْكُفْر.
وَقَدْ قِيلَ فِي الْجَوَاب عَنْهُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالنِّفَاقِ: نِفَاقُ الْعَمَلِ , وَيُؤَيِّدُهُ وَصْفُهُ بِالْخَالِصِ , بِقَوْلِهِ: " كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ".
وَقِيلَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْخِصَالُ , وَتَهَاوَنَ بِهَا , وَاسْتَخَفَّ بِأَمْرِهَا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ, كَانَ فَاسِد الِاعْتِقَاد غَالِبًا. وَالله أَعْلَم. (فتح - ح٣٣)
(٥) (م) ٥٩ , (حم) ٩١٤٧
(٦) أَيْ: يَتْرُكَهَا. تحفة الأحوذي - (ج ٦ / ص ٤٣٠)
(٧) أَيْ: نَقَضَ الْعَهْدَ , وَتَرَكَ الْوَفَاءَ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ.
(٨) (خ) ٣٤ , (م) ٥٨
(٩) الْمُرَاد بِالْوَعْدِ فِي الْحَدِيث: الْوَعْد بِالْخَيْرِ، وَأَمَّا الشَّرّ, فَيُسْتَحَبُّ إِخْلَافُه وَقَدْ يَجِب , مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى تَرْكِ إِنْفَاذِهِ مَفْسَدَة. (فتح - ح٣٤)
وقال صاحب عون المعبود (ج١٠ص٢٠٧):
وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَعْدِ وَالْعَهْدِ , فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا صَرِيحًا , وَالظَّاهِر مِنْ صَنِيع الْإِمَام الْبُخَارِيّ - رحمه الله - أَنَّهُ لَا فَرْق بَيْنهمَا , بَلْ هُمَا مُتَرَادِفَانِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَاب الشَّهَادَات مِنْ صَحِيحه: بَابُ مَنْ أُمِرَ بِإِنْجَازِ الْوَعْدْ، ثُمَّ اِسْتَدَلَّ عَلَى مَضْمُونِ الْبَابِ بِأَرْبَعَةِ أَحَادِيث:
أَوَّلُهَا: حَدِيثُ أَبِي سُفْيَان بْن حَرْب فِي قِصَّة هِرَقْل , أَوْرَدَ مِنْهُ طَرَفًا , " وَهُوَ أَنَّ هِرَقْل قَالَ لَهُ: سَأَلْتُك مَاذَا يَأمُركُمْ , فَزَعَمْت أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْق وَالْعَفَاف وَالْوَفَاء بِالْعَهْدِ .. الْحَدِيث " , وَلَوْلَا أَنَّ الْوَعْدَ وَالْعَهْدَ مُتَّحِدَانِ , لَمَا تَمَّ هَذَا الِاسْتِدْلَال، فَثَبَتَ مِنْ صَنِيعِهِ هَذَا أَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَالنَّوَوِيّ: حَصَلَ فِي مَجْمُوعِ الرِّوَايَتَيْنِ خَمْسُ خِصَالٍ , لِأَنَّهُمَا تَوَارَدَتَا عَلَى الْكَذِب فِي الْحَدِيث , وَالْخِيَانَة فِي الْأَمَانَة , وَزَادَ الْأَوَّلُ: الْخُلْفُ فِي الْوَعْد , وَالثَّانِي: الْغَدْرُ فِي الْمُعَاهَدَةِ , وَالْفُجُورُ فِي الْخُصُومَة.
وَلَعَلَّ الْفَرْقَ هُوَ أَنَّ الْوَعْدَ أَعَمُّ مِنْ الْعَهْدِ مُطْلَقًا، فَإِنَّ الْعَهْدَ هُوَ الْوَعْدُ الْمُوَثَّقُ , فَأَيْنَمَا وُجِدَ الْعَهْدُ , وُجِدَ الْوَعْد، مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ , لِجَوَازِ أَنْ يُوجَدَ الْوَعْدُ مِنْ غَيْرِ تَوْثِيق. أ. هـ
قَالَ الْحَافِظ: أَصْلُ الدِّيَانَةِ مُنْحَصِرٌ فِي ثَلَاثٍ: الْقَوْلُ، وَالْفِعْلُ، وَالنِّيَّةُ , فَنَبَّهَ عَلَى فَسَادِ الْقَوْلِ بِالْكَذِبِ، وَعَلَى فَسَادِ الْفِعْلِ بِالْخِيَانَةِ، وَعَلَى فَسَادِ النِّيَّةِ بِالْخُلْفِ؛ لِأَنَّ خُلْفَ الْوَعْدِ لَا يَقْدَحُ إِلَّا إِذَا كَانَ الْعَزْمُ عَلَيْهِ مُقَارِنًا لِلْوَعْدِ.
أَمَّا لَوْ كَانَ عَازِمًا , ثُمَّ عَرَضَ لَهُ مَانِعٌ , أَوْ بَدَا لَهُ رَأيٌ , فَهَذَا لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ صُورَةُ النِّفَاقِ، قَالَهُ الْغَزَالِيّ فِي الْإِحْيَاء. (فتح - ح٣٤)
(١٠) (خ) ٣٣ , (م) ٥٩
(١١) أَيْ: مَالَ عَنْ الْحَقِّ , وَقَالَ الْبَاطِلَ وَالْكَذِبَ.
وَقَالَ الْقَارِي: أَيْ: شَتَمَ , وَرَمَى بِالْأَشْيَاءِ الْقَبِيحَةِ. تحفة الأحوذي (٦/ ٤٣٠)
(١٢) (خ) ٣٤ , (م) ٥٨