للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(م) , عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً , إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ , فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأنِ (١) " (٢) (ضعيف)


(١) قَالَ الْعُلَمَاء: الْمُسِنَّة: هِيَ الثَّنِيَّة مِنْ كُلّ شَيْء مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم فَمَا فَوْقهَا.
قال الألباني في السلسلة الضعيفة ح٦٥: وهي من الغنم والبقر ما دخل في السنة الثالثة، ومن الإبل ما دخل في السادسة ,
وَالْجَذَع مِنْ الضَّأن: مَا لَهُ سَنَة تَامَّة، على الْأَشْهَر عِنْد أَهْل اللُّغَة وجمهور أهل العلم , كما قال الشوكاني وغيره. أ. هـ
قال النووي: وَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور: أَنَّ أَفْضَل الْأَنْوَاع الْبَدَنَة، ثُمَّ الْبَقَرَة، ثُمَّ الضَّأن، ثُمَّ الْمَعْز ,
وَقَالَ مَالِك: الْغَنَم أَفْضَل؛ لِأَنَّهَا أَطْيَب لَحْمًا. حُجَّة الْجُمْهُور أَنَّ الْبَدَنَة تُجْزِي عَنْ سَبْعَة، وَكَذَا الْبَقَرَة.
وَأَمَّا الشَّاة فَلَا تُجْزِي إِلَّا عَنْ وَاحِد بِالِاتِّفَاقِ. فَدَلَّ عَلَى تَفْضِيل الْبَدَنَة وَالْبَقَرَة.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَاب مَالِك فِيمَا بَعْد الْغَنَم، فَقِيلَ: الْإِبِل أَفْضَل مِنْ الْبَقَرَة، وَقِيلَ: الْبَقَرَة أَفْضَل مِنْ الْإِبِل، وَهُوَ الْأَشْهَر عِنْدهمْ. شرح النووي على مسلم - (ج ٦ / ص ٤٥٦)
(٢) (م) ١٣ - (١٩٦٣) , (س) ٤٣٧٨ , (د) ٢٧٩٧ , (حم) ١٤٣٨٧ , وقال الألباني في السلسلة الضعيفة ح٦٥: روى ابن ماجة عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ , حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ , حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى مَوْلَى الْأَسْلَمِيِّينَ , عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ بِلَالٍ بِنْتُ هِلَالٍ عَنْ أَبِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - قَالَ: " يَجُوزُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأنِ أُضْحِيَّةً " وهذا سند ضعيف من أجل أم محمد بن أبي يحيى فإنها مجهولة كما قال ابن حزم (٧/ ٣٦٥).
قال الألباني: كنت قد كتبت هذا سابقا منذ نحو خمس سنوات، وكان محور اعتمادي في ذلك على حديث جابر المذكور من رواية مسلم عن أبي الزبير عنه مرفوعا: " لا تذبحوا إلا مسنة ... "، وتصحيح الحافظ ابن حجر إياه، ثم بدا لي أني كنت واهما في ذلك، تبعا للحافظ، وأن هذا الحديث الذي صححه هو وأخرجه مسلم كان الأحرى به أن يُحشر في زمرة الأحاديث الضعيفة، لا أن تُتَأول به الأحاديث الصحيحة , ذلك لأن أبا الزبير هذا مدلس وقد عنعنه، ومن المقرر في " علم المصطلح " أن المدلس لا يُحتج بحديثه إذا لم يصرح بالتحديث، وهذا هو الذي صنعه أبو الزبير هنا، فعنعن ولم يصرح، ولذلك انتقد المحققون من أهل العلم أحاديث يرويها أبو الزبير بهذا الإسناد أخرجها مسلم، اللهم إلا ما كان من رواية الليث بن سعد عنه، فإنه لم يرو عنه إلا ما صرح فيه بالتحديث، قال الحافظ الذهبي في ترجمة أبي الزبير - واسمه محمد بن مسلم بن تدرس , بعد أن ذكر فيه طعن بعض الأئمة بما لا يقدح في عدالته -: وأما أبو محمد بن حزم، فإنه يرد من حديثه ما يقول فيه عن جابر ونحوه لأنه عندهم ممن يدلس، فإذا قال: سمعت، وأخبرنا احتج به، ويحتج به ابن حزم إذا قال: (عن) مما رواه عنه الليث بن سعد خاصة، وذلك لأن سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا الليث قال: جئت أبا الزبير، فدفع إلي كتابين، فانقلبت بهما، ثم قلت في نفسي: لو أنني عاودته فسألته أسمع هذا من جابر؟ , فسألته فقال: منه ما سمعت، ومنه ما حُدثت به، فقلت: أَعْلِم لي على ما سمعت منه، فأعلَم لي على هذا الذي عندي، ثم قال الذهبي: وفي " صحيح مسلم " عدة أحاديث مما لم يوضح فيها أبو الزبير السماع من جابر، ولا هي من طريق الليث عنه، ففي القلب منها شيء، وقال الحافظ في ترجمته من " التقريب ": صدوق إلَّا أنه يدلس، وأورده في المرتبة الثالثة من كتابه " طبقات المدلسين (ص ١٥) وقال: مشهور بالتدليس، وقد وصفه النسائي وغيره بالتدليس، وقال في مقدمة الكتاب في صدد شرح مراتبه: الثالثة من أكثر من التدليس، فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقا، ومنهم من قبلهم، كأبي الزبير المكي. قلت: والصواب من ذلك: المذهب الأول , وهو قبول ما صرحوا فيه بالسماع , وعليه الجمهور خلافا لابن حزم فإنه يرد حديثهم مطلقا , ولو صرحوا بالتحديث كما نص عليه في أول كتابه " الإحكام في أصول الأحكام " وجملة القول: أن كل حديث يرويه أبو الزبير عن جابر أو غيره بصيغة (عن) ونحوها , وليس من رواية الليث بن سعد عنه، فينبغي التوقف عن الاحتجاج به، حتى يتبين سماعه , أو ما يشهد له ويعتضد به , هذه حقيقة يجب أن يعرفها كل محب للحق، فطالما غفل عنها عامة الناس، وقد كنت واحدا منهم، حتى تفضل الله علي فعرفني بها، فله الحمد والشكر، وكان من الواجب علي أن أنبه على ذلك، فقد فعلت، والله الموفق لا رب سواه , وإذا تبين هذا، فقد كنت ذكرت قبل حديث جابر هذا حديثين ثابتين في التضحية بالجذع من الضأن، أحدهما حديث عقبة بن عامر، والآخر حديث مجاشع بن مسعود السلمي , وفيه: " أن الجذع يوفي مما يوفي الثني "، وكنت تأولتهما بما يخالف ظاهرهما توفيقا بينهما وبين حديث جابر، فإذ قد تبين ضعفه وأنه غير صالح للاحتجاج به، ولتأويل ما صح من أجله، فقد رجعت عن ذلك إلى دلالة الحديثين الظاهرة في جواز التضحية بالجذع من الضأن خاصة، وحديث مجاشع وإن كان بعمومه يشمل الجذع من المعز، فقد جاء ما يدل على أنه غير مراد , وهو حديث البراء , قال: ضحى خالي أبو بردة قبل الصلاة، فقال رسول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: " تلك شاة لحم "، فقال: يا رسول الله إن عندي جذعة من المعز، فقال: " ضح بها، ولا تصلح لغيرك " , وفي رواية: " اذبحها، ولن تجزئ عن أحد بعدك " , وفي أخرى: " ولا تجزيء جذعة عن أحد بعدك "، أخرجه مسلم (٦/ ٧٤ - ٧٦) والبخاري نحوه , ويبدو جليا من مجموع الروايات أن المراد بالجذعة في اللفظ الأخير الجذعة من المعز، فهو في ذلك كحديث عقبة المتقدم من رواية البخاري، وأما فهْمُ ابن حزم من هذا اللفظ جذعة العموم فيشمل عنده الجذعة من الضأن , فمن ظاهريته وجموده على اللفظ دون النظر إلى ما تدل عليه الروايات بمجموعها، والسياق والسباق، وهما من المقيِّدات، كما نص على ذلك ابن دقيق العيد وغيره من المحققين , ذلك هو الجواب الصحيح عن حديث جابر، وأما قول الحافظ في " التلخيص " (ص ٣٨٥): " تنبيه: ظاهر الحديث يقتضي أن الجذع من الضأن لا يجزئ إلا إذا عجز عن المسنة، والإجماع على خلافه، فيجب تأويله بأن يحمل على الأفضل , وتقديره: المستحب أن لا تذبحوا إلا مسنة " , قلت: هذا الحمل بعيد جدا، ولو سلم فهو تأويل، والتأويل فرع التصحيح، والحديث ليس بصحيح كما عرفت , فلا مسوغ لتأويله , وقد تأوله بعض الحنابلة بتأويل آخر لعله أقرب من تأويل الحافظ، ففسر المسنة بما إذا كانت من المعز! , ويرد هذا ما في رواية لأبي يعلى في " مسنده " (ق ١٢٥/ ٢) بلفظ: " إذا عز عليك المَسَانُّ من الضأن، أجزأ الجذع من الضأن " , وهو وإن كان ضعيف السند كما بينته في " إرواء الغليل السبيل " (رقم ١١٣١)، فمعناه هو الذي يتبادر من اللفظ الأول , ولعل الذي حمل الحافظ وغيره على ارتكاب مثل هذا التأويل البعيد هو الاعتقاد بأن الإجماع على خلاف ظاهر الحديث، وقد قاله الحافظ كما رأيت , فينبغي أن يُعْلَمَ أن بعض العلماء كثيرا ما يتساهلون في دعوى الإجماع في أمورٍ الخلافُ فيها معروف، وعذرهم في ذلك أنهم لم يعلموا بالخلاف، فينبغي التثبت في هذه الدعوى في مثل هذه المسألة التي لا يستطيع العالم أن يقطع بنفي الخلاف فيها , كما أرشدنا الإمام أحمد بقوله: من ادعى الإجماع فهو كاذب، وما يدريه , لعلهم اختلفوا , رواه ابنه عبد الله بن أحمد في " مسائله " , فمما يبطل الإجماع المزعوم في هذه المسألة ما روى مالك في " الموطأ " (٢/ ٤٨٢ / ٢) عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتقي من الضحايا والبدن التي لم تسن. ورواه عبد الرزاق عن مالك عن نافع بن ابن عمر قال: " لا تجزيء إلا الثنية فصاعدا "، ذكره ابن حزم (٧/ ٣٦١).
وختاما أقول: نستطيع أن نستخلص مما سبق من التحقيق: أن حديث هلال هذا: " نعمت الأضحية الجذع من الضأن " وكذا الذي قبله، وإن كان ضعيف المبنى، فهو صحيح المعنى، يشهد له حديث عقبة ومجاشع، ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت، لما أوردتهما في هذه " السلسلة " , ولأوردت بديلهما حديث جابر هذا، ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ولله في خلقه شؤون. أ. هـ